1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة آوروشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد الرسل الاثني عشر الأطهار13-7-2017

لما أهَّلتني بإفراط محبَّتك للبشر وغزارة صلاحك، للحضور إليَّ أنا الإنسان واتّخاذ الجسد. يا مخلّصي النور الذي قبل الدهور. حينئذٍ أظهرت تلاميذك الرسل أنواراً ثانية. يتلألؤون ببرق بهائك. وأرسلتهم ينيرونُ الخليقة كلّها بنورك الإلهيّ. ويبتهلون إليك أن تنيرّ وتخلص نفوسنا. هذا ما يتفوهُ بهِ مرنم الكنيسة.

أيّها الإخوة المحبوبون بالمسيح،

أيّها الزّوار الأتقياء،

لقد أتينا اليوم إلى “بحيرة طبريا” في هذا المكان المقدس لكي نُقيم تذكاراً حافلاً للرسل الاثني عشر المجيدين الكليّ مديحهم، لكي بشكرٍ نُعيّد محتفلين بهؤلاء الرسل الإلهيين الحكماء عبيد المسيح.

حقاً لقد ظهر هؤلاء الرسل وتلاميذ مخلصنا المسيح أنواراً ثانية لمجد وبهاء المسيح. وهذا لأنه لم تتم دعوتهم من البشر لخدمة الإنجيل وكلمة الخلاص بل دُعيوا من الرب نفسه كما يشهد بذلك الإنجيلي مرقس البشير:” وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. (مرقس 16: 15) وأيضاً: “وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ. (مرقس 16: 20).

إن هؤلاء الرسل القديسين لم يُنيروا المسكونة أجمع فقط بنور المسيح من خلال كرازتهم الإنجيلية بل، أسّسوا كنيسة تنبأ عنها قديماً أشعياء النبي العظيم الصوت قائلاً: “لِيُعْطُوا الرَّبَّ (أي المسيح) مَجْدًا وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ فِي الْجَزَائِرِ (أشعياء 42: 12).

لهذا فإنّ الرسل القديسين يُعرَفوا بأنهم هم الأساسات والأعمدة الراسخة للكنيسة في العالم والذي قاعدتها هو المسيح حجر الزاوية، كما يوضح هذا القديس بولس الرسول وَلكِنِ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ، صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ. (أفسس 2: 13) و”مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ. الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا للهِ فِي الرُّوحِ”. (أفسس 2: 20-22)

وبكلام آخر إنّ الرسل هم الذين وضعوا بناء الكنيسة وأيضاً الكرازة أي تعليمهم اللذان يشكلان بحسب زيغافينوس القاعدة وركيزة الكنيسة. لهذا فإن الكنيسة هي جسد المسيح السري فبالتالي هي مسكن الروح القدس وهي التي تدمجنا وتوحدنا مع ربنا ومخلصنا يسوع المسيح ومع أعضاء الكنيسة الآخرين. وهذا يتحقق بحسب القديس غريغوريوس اللاهوتي فقط في (هندسة الروح القدس المعمارية). لقد ظهر الرسل القديسين الاثني عشر مع هامتي الرسل بطرس وبولس آنيةً وأدوات حقيقية للروح القدس، وهندسوا رسولية الكنيسة الأولى وإدارتها ليس فقط هنا في الأراضي المقدسة ولكن في المسكونة قاطبة، والأفضل أن نقول بأنهم قد هندسوا أساسات الكنيسة الجامعة.

فمن جهة حافظت كنيستنا الأرثوذكسية الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية على إيمانها سالماً بدون غشٍ خالياً من الشوائب، ومن جهة أخرى حافظت على طابعها الرئاسي والقيادي ثابتاً بدون تزعزع كما يقول القديس بولس الرسول لِذلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتًا لاَ يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى. (عبرانيين 12: 28)

وبتوضيح أكثر: -إذ أننا قبلنا من خلال إيماننا بالمسيح ملكوتاً لا يتزعزع أبداً ويبقى إلى جميع الدهور وهذا الملكوت هو الذي أسسه المسيح من خلال كنيسته لهذا فلنقدم لله الشكر وقد صار لنا هذا بسبب التقليد المقدس الذي لآبائنا الرسل المتوشحين بالله، كما يقول الحكيم بولس فَاثْبُتُوا إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ وَتَمَسَّكُوا بِالتَّعَالِيمِ الَّتِي تَعَلَّمْتُمُوهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِالْكَلاَمِ أَمْ بِرِسَالَتِنَا (2تسالونيك 2: 15)

إن حدث العنصرة العظيم المقدس هذا الحدث الذي لا يُفسر ألا وهو حلول الروح القدس بهيئة ألسن نارية على تلاميذ المسيح كما يشهد بذلك كتاب أعمال الرسل وَظَهَرَتْ(للرسل) أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا. (أع 2: 3-4) فهو يشكل الختم الثابت الذي لا يُمحى للخاصية المميزة لمؤسسة الكنيسة أي رسوليتها. فلنسمع ما يهتف به مرنم الكنيسة:

لقد اقتبلتم جميعاً أيها الحكماءُ نور الروح القدس كلّهُ ظاهراً فيكم ظهوراً جوهرياً في العليّة. فتلقّنتم أسرار التعليم السامي. فتُغَبّطون الآن عن استحقاق.

ومن الجدير بالذكر بأن الرسل القديسين هم جميعاً آباء العهد الجديد. ففي العهد القديم تنبأ الأنبياء بمن سيعيد خيمة داؤود الساقطة الذي هو الرب مخلصنا يسوع المسيح كما يشهد عاموس النبي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أُقِيمُ مِظَلَّةَ دَاوُدَ السَّاقِطَةَ، وَأُحَصِّنُ شُقُوقَهَا، وَأُقِيمُ رَدْمَهَا، وَأَبْنِيهَا كَأَيَّامِ الدَّهْرِ. لِكَىْ يَرِثُوا بَقِيَّةَ أَدُومَ وَجَمِيعَ الأُمَمِ الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، الصَّانِعُ هذَا. (عاموس9: 11-12).

إن أقوال النبي عاموس هذه قد ذكرها القديس الرسول يعقوب أخو الرب في مجمع الرسل في آوروشليم، وهذا يوضح بجلاء بأن مؤسسة الكنيسة الإلهية البشرية لا نستطيع أن ندركها أو أن نفسرها خارج حدود التاريخ المقدس أو خارج الكتاب المقدس والإعلان الإلهي الذي انكشف لموسى النبي في الروح القدس على جبل سيناء، فهذا الروح هو الذي يحيي ويحفظ مؤسسة الكنيسة ويجعلها تستمر، لهذا فإن قرارات الرسل جميعها وخلفائهم كانوا يأخذونها دوماً باستدعاء الروح القدس الذي هو روح المسيح كما يشهد سفر أعمال الرسل لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ (أعمال15: 28)

ونحن إذ لدينا هذا الكنز المقدس من الرسل القديسين المجيدين الكليّ البهاء نتضرع لهم ولسيدتنا الفائقة البركات والدة الإله الدائمة البتولية مريم لكي يتشفعوا في خلاص نفوسنا ومن أجل السلام في منطقتنا والعالم أجمع.

آمين