1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس يوحنا الخوزيفي الجديد 10-8 2017

لأن الرب قد عجّب قديسيه الذين في أرضه، وكل مشيئته فيهم”(مزمور 15: 3)

أي أن الرب جعل قديسيه الذين في أرضه مستحقّي التعجب إذ أن كل مسرته فيهم

أيها الإخوة والآباء المحبوبون بالرب

زوار دير خوزيفا الأتقياء

إن البار يوحنا الجديد الزينة المميزة والزخرفة الخاصة للأرض التي ورد ذكرها في الكتاب المقدس أرض فلسطين المقدسة قد جمعنا اليوم في واحته الصحراوية لكي بفرحٍ نعيّد تذكاره السنوي المقدس.

إن أبينا البار يوحنا يشكل نقش وزخرفة خاصة وذلك بسبب هذا العجب الرهيب بأن الإنسان الفاسد يلبس عدم الفساد، والإنسان الأرضي يستبان إنساناً سماوياً وهذا ما يشهد عليه بوضوح بقاياه أي جسده المقدس غير البالية التي هي نَسِيمَ رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ، ذَبِيحَةً مَقْبُولَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ. (فيلبي 4: 18) والذي نغرف منه نحن المؤمنين مَوَاهِبَ شِفَاءٍ (1كور 12: 29)

ويفسر القديس أثناسيوس الكبير الأقوال الداؤدية:

“لأن الرب قد عجّب قديسيه الذين في أرضه، وكل مشيئته فيهم”(مزمور 15: 3): يسمي النبي داود القديسين أولئك الذين تقدسوا من الروح القدس. أما الأرض فهي كنيسة المسيح “وفيهم” أي في أولئك القديسين الذين في أرض الله أي الكنيسة إذ قد جعل إرادة مشيئة الله الآب معروفة لديهم بواسطة ابنه ربنا ومخلصنا يسوع المسيح.

وأيضاً إن القديسين يحيون في وطنهم السماوي ويعيشون في بلدة الله حتى ولو كانوا موجودين على الأرض. أي أن القديسين سيرتهم هي في السماوات في أرضه (أي في أرض الرب) حتى ولو كانوا يحيون هنا على الأرض. ولنسمع ما يقوله بولس الرسول: يا إخوة إِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ. (فيلبي 3: 20)

ويعلق زيغافينوس على أقوال القديس بولس الرسول الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ إذ يقول: إن التغيير أي التحول سيكون من الفساد إلى عدم الفساد ومن المتواضع والذليل إلى المُمَجّد.

وأما ثيوذوريتوس كيرو فيقول: إن أجسادنا تتشابه بحسب شكل جسد الرب الممجد لكن ليس بمقدار بهاء جسد الرب الممجد ولكن تتشابه بنوعية مجد هذا الجسد المنير. إن تغير الجسد وتشكله من فاسد إلى عدم الفساد قد نجح به عبر نسكه وجهاده الروحي أبينا البار يوحنا المتأله قد أوضح نفسه إنسانٌ كَامِلاً فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. (كولوسي 1: 28) وبحسب تعليم القديس الحكيم بولس الرسول الذين يتبعون المسيح حقاً قد أماتوا أهوائهم وشهواتهم الجسدية وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ. (غلاطية 5: 24)

لهذا عينه أيها الإخوة الأحبة فأبينا البار يوحنا يدعونا جميعاً نحن مكرمين تذكاره المقدس لكي لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَة الله (عبرانيين 12: 10) وذلك كما يقول الرب لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ». (1بطرس1: 16)

وربما يتساءل أحد ما كيف يشارك القديسون قداسة الله؟ فيأتينا الجواب من القديس غريغوريوس بالاماس الذي يحثنا أن نسمع لقول القديس باسيليوس الكبير الذي يقول: كما أن الحديد عندما يوجد بداخل النار فإن الحديد لا يتغير ولا يفقد خاصيته ولكن بالتحامه واتحاده مع النار يأخذ طبيعة النار فيصبح بذلك جمرةً مكتسبتاً طبيعتها من ناحية اللون والفعل فهكذا هي القوى المقدسة، عندما تشترك فيما هو مقدس من طبيعته تكتسب التقديس الذي يشمل الكيان كله ويوحدها مع طبيعته المقدسة. فالفرق بين القديسين والروح القدس أن الروح القدس هو قدوس بطبيعته وجوهره، وأما القديسين فهم يصبحون قديسين باشتراكهم ومساهمتهم في هذه الطبيعة الإلهية.

اليوم هو الذكرى المقدسة لأبينا البار يوحنا الجديد الذي استبان خليفةً للقديسين الذين لكنيستنا الأرثوذكسية في الأرض المقدسة أي للقديسين الذين تلألأوا بشكل عام في الكهوف داخل أسوار دير خوزيفا وبجانب وادي قريث بشكل خاص، والذي يشكل شهادة حية صادقة بأنه حي هو الرب إلهنا الذي لأجل خلاصنا تجسد من والدة الإله الدائمة البتولية مريم واعتمد من القديس يوحنا المعمدان في نهر الأردن وأرسل الروح القدس الذي له المجد مع الآب والإبن الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين آمين.