1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد تجلي ربنا ومخلصنا يسوع المسيح على جبل ثابور 19-8-2017

لقد أخذ المسيح بطرس ويعقوب ويوحنا إلى جبلٍ عالٍ على انفرادٍ. وتجلّى قدّامهم. فأشرق وجههُ كالشمس. وصارت ثيابهُ بيضاءَ كالنور. وظهر موسى وإيليا يتكلّمان معهُ. وظلّلتهم سحابةٌ منيرةٌ. وإذا صوتٌ من السماء يقول: هذا هو ابني الحبيب الذي بهِ سُررت. فلهُ اسمعوا. هذا ما يتفوهُ بهِ مرنمُ الكنيسة
أيّها الأخوة الأحباء،
أيّها الزّوار الأتقياء الحسني العبادة،
لقد جمعنا اليوم ربنا ومخلصنا يسوع المسيح على جبل ثابور المقدس الذي تجلى عليهِ أمام تلاميذه الرسل القديسين، لكي نحتفل في هذا الحدث البهيّ الخلاصيّ وهو ظهور نور مجد الله الذي لا يوصف.

إنّ حدثَ تجليّ ربنا ومخلصنا يسوع المسيح قد حصَلَ قبل آلام صلبهِ الطوعية وقيامته من بين الأموات بفترةٍ قصيرةٍ. فلقد وصف الرسل والقديسين الإنجيليين هذه الخبرة التي عاشوها بدقةٍ متناهية والتي أصبحوا شهوداً بآذانهم وعيونهم لهذه الخبرة وهذا الحدث إذ يقول القديس بطرس الرسول لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً، إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ. (2بط 1: 16).
إن عظمة وجلال ربنا ما هي إلا مجد الابن الوحيد كلمة الله ربنا ومخلصنا يسوع المسيح والذي أكّده صوت الآب الآتي من السماء هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ. إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهذَا مِنَ الْمَجْدِ الأَسْنَى. وَنَحْنُ سَمِعْنَا (يقول القديس بطرس) هذَا الصَّوْتَ مُقْبِلاً مِنَ السَّمَاءِ، إِذْ كُنَّا مَعَهُ (أي مع المسيح) فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ. (2بط 1: 17-18)
وكما كان عند معمودية الرب في نهر الأردن كذلك أيضاً عند تجليهِ على جبل ثابور قد سُمع هذا الصوت والذي يعتبر أحد أقوى الشهود التي أتت من السماء إلى الأرض. فقد أوضح وأعلن الله الآب من خلال هذا الصوت مسرتهِ في المسيح يسوع
2 / 2
والذي بهِ (أي بالمسيح) أصبحنا نحن مسيحيين وأعضاءَ جسده السري أي الكنيسة. ومن السحابة النيّرة جاء صوتٌ إلى التلاميذ حاثّاً إياهم أن يُطيعوا ويسمعوا له، أي لابن الله الحبيب “فلَهُ اسْمَعُوا” (متى 17: 5)
أيها الإخوة المحبوبون إن هذا النصح والإرشاد الإلهي “فلَهُ اسْمَعُوا” يتوجه اليوم لنا خاصةً في هذا العيد الذي له أهمية كبيرة كما يقول مرنم الكنيسة: هلمّوا يا محبّي معاينة وسماع ما يسمو على طور العقل من الأمور. نعاين المسيح معاينةً عقلية يسطعُ بالأشعة الإلهية. ونسمع صوت الآب ينادي بالابن الحبيب الذي أنار الضعف البشري على ثابور. وهو يفيض على نفوسنا بالإنارة.
إن السحابة النيّرة التي ظَللّت التلاميذ والصوت الذي أتى من السحابة هي من العلامات والطرق التي يَستَعلن ويَظهرُ الله من خلالها كما يفسر القديس يوحنا الذهبي الفم المزمور إذ يقول: هكذا دائماً يظهر الله غمامٌ وقتامٌ حوله (مزمور 96: 2).
وأما بحسب زيغافينوس الذي يستند على قول المزمور الداؤودي إذ يقول: الله يجلس على السحاب “الجاعل السحاب مركبته الماشي على أجنحة الرياح”(مزمور 103: 3)
وهذا لأن الله نورٌ غير مخلوق ولا يُقتَربُ إليهِ. فإذا لم يصر الله إنساناً مثلنا ولأجلنا من كان يستطيع أن يرى مجد الله الذي لا يوصف لأن الله يسكنُ في النور الذي لا يُدنى منه كما يعلم القديس كيرلس الإسكندري مستنداً على قول القديس الحكيم بولس الرسول، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ. (تيموثاوس 6: 16)
إن الرسل وتلاميذ المسيح المختارين بطرس ويعقوب ويوحنا قد عاينوا قليلاً من نور الألوهة الذي لا يُدنى منه فأخذتهم “دهشةً إلهيةً واستحَالت حالهُم” كما يقول مرنم الكنيسة: لمّا عاين مختارو الرسل حين تجلّيك على جبل ثابور. نورك الذي لا يُطاق ولاهوتك الذي لا يُدنى منه. أيها المسيح الأزليُّ. أخذتهم دهشةٌ إلهية واستحالت حالهم.
وأما نحن أيها الإخوة الأحبة الذين جئنا اليوم على جبل ثابور المقدس نتضرع إلى ربنا ومخلصنا يسوع المسيح لكي مع موسى المعاين الله وإيليا الراكب المركبة النارية ومع الرسل القديسين بطرس ويعقوب ويوحنا يجعلنا مستحقين لمعاينة نورهِ الأزليّ بشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم. آمين

httpv://youtu.be/3jPbMa8XrjI