1

دراسة عن مدينة بيت جالا – مجتمعها المسيحي وكنائسها

بيد هبه هريمات

مدينة بيت جالا، التي هي إحدى مدن محافظة بيت لحم وتقع غرب المدينة على بعد ١.٨ كم، تعود تسميتها إلى أصل آرامي معناهُ ‘بساط العشب’ (المصدر: دليل أريج)، والتي ذكرها النبي اشعيا باسم (جاليم (Gallim (بنت جاليم) (أش ٣٠:١٠).
بيت جالا مقسمة إلى خمس حارات: حارة السماعنة، حارة الصرار، حارة العراق، حارة الدير، حارة الكنيس. أما فيما يخص التعداد السكاني للمدينة فقد أشارت إحصاءات السكان في عام ٢٠٠٧ أن هناك ما يقارب ١٤،٠٠٠ نسمة يقطنون بيت جالا وقد ارتفعت هذه الأعداد قليلاً في السنوات اللاحقة بمقدار ألفٍ، منهم ما يقارب ١٠،٠٠٠ مسيحي، موزعون على ثلاثة رعايا: ما يقارب ٨٠٠٠ مسيحي أرثوذكسي، ١٥٠٠ -١٧٠٠ مسيحي لاتيني، وحوالي ٥٠٠ مسيحي بروتستانتي. إلا أن مدينة بيت جالا تشهد هجرةً واسعة من سكانها، ربما تسبق في ذلك غيرها من المدن الفلسطينية، ولا نبالغ عندما نقول إن أعداد سكانها في الخارج هم أضعاف أعدادهم فيها. وإذا تتبعنا تاريخ الهجرة فنجد أن هذه الموجاتِ قد ابتدأت في حوالي ١٨٧٠ منذ زمن الحكم العثماني المتشدد على فلسطين، واستمرت حتى أيامنا هذه، فالتوترات السياسية وضعف خدمات القطاع الصحي وقلة فرص العمل خاصة للمتعلمين كلها ساهمت في تركهم للبلاد. ومن المثير للانتباه أن معظم من هاجروا قد اختاروا دولة تشيلي موطناً لهم، وهم الآن يشكلون فيها نسبة عالية من السكان، ولكن التوجه الحالي للهجرة قد انحرف أكثر نحو أستراليا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية.

المدينة غنية نسبياً بالكنائس، فنجد أنها تحوي أربع كنائس للرعية الأرثوذكسية (كنيسة العذراء، كنيسة مار نقولا ويوجد أسفلها كنيسة قديمة تحمل اسم القديس جريس، وكنيسة الملاك ميخائيل)، وكنيسة للرعية اللاتينية (كنيسة البشارة)، وكنيسة للرعية البروتستانتية (الكنيسة الإنجيلية اللوثرية)، وهناك مسجدين للطائفة المسلمة في المدينة.
• كنيسة العذراء: تم تدشينها في عام ١٨٦٢ وتقع في وسط البلدة على الشارع الرئيسي، وتعد من أكبر الكنائس في الضفة الغربية. يقام فيها قداسٌ إلهي في أيام الجمعة والسبت والأحد والأربعاء.

• كنيسة مار نقولا: تشكل هذه معلماً مميزاً في البلدة وذلك لقبابها المرتفعة، وهي كنيسة حديثة نسبياً إذا ما قورنت بعمر الكنيسة الصغيرة الموجودة تحتها، فنجدُ أنَّ الأخيرة قد بنيت في القرن الرابع وتعد من بين أقدم الكنائس الموجودة في فلسطين وبالتحديد ثَالِث أقدم كنيسة بعد كنيستي الرعاة والمهد في بيت لحم. ويقابل المذبح الإلهي المقدس فيها مغارة صغيرة سقفها منخفض تحوي فسيفساء قديمة جداً ترجع إلى القرن الرابع الميلادي، ويروي التقليد بأنه عند قدوم القديس نيقولاوس للحج في الأراضي المقدسة قد سكن في هذه المغارة فترة من الزمن، وبالرغم من ارتباط هذه الكنيسة بالقديس نيقولاوس أكثر من غيره إلا أنها تحمل اسم القديس جريس، السبب في تسميتها كذلك وتسمية معظم كنائس فلسطين في تلك الحقبة الزمنية باسم القديس جريس، يعود إلى كون هذا القديس ‘حامي الكنائس’ من الاعتداءات والتدمير. أما القداديس الإلهية، فيقام في كنيسة مار نقولا قداسٌ إلهي في يوم الخميس ويوم الأحد بالمناوبة بينها وبين كنيسة العذراء، أما يوم الثلاثاء فمكرسٌ للصلاة في كنيسة القديس جريس.

• كنيسة الملاك ميخائيل: هذه قد تم تدشينها في عام ١٩٠٨ وهي موجودة داخل مقبرة الرعية في بيت جالا، ويقام فيها قداسٌ إلهيٌ في يوم الإثنين من كل أسبوع.

هناك أربع آباء كهنة مسؤولون عن الرعية والكنائس الأرثوذكسية في بيت جالا، هم: الأرشمندريت ناركسوس الوكيل البطريركي، الأب جورج شهوان، الأب يوسف الهودلي، الأب بولس العلام، بالإضافة إلى الشماس الياس زعرب الذي سيتم سيامتهُ كاهناً قريباً. أما بالنسبة للقداديس التي يحضرها ويترأسها غبطة بطريرك المدينة المقدسة أبينا وسيدنا ثيوفيلوس الثالث في مدينة بيت جالا فهي على النحو الآتي: في القداس الإلهي الخاص بتذكار عيد القديس نقولا الذي يأتي في ١٩ من كانون الأول ويقام في كنيسة مار نقولا، وهذا يكون دائماً برئاسة غبطة البطريرك. وفي بعض الأحيان يترأس غبطته القداس الإلهي الخاص بعيد ميلاد والدة الإله فائقة القداسة مريم العذراء الذي يكون في ٢١ من أيلول ويُقام في كنيسة العذراء. كما أن هناك بث مباشر لجميع القداديس الإلهية التي تقام في كنائس مدينة بيت جالا على شبكة الإنترنت لكل من يرغب بالمشاهدة.

يظهر جلياً أن القديس نقولا هو شفيع مدينة بيت جالا وحاميها بشهاداتٍ من سكانها، فقي أكثر من حادثة يشهدون له بأنه قد قام بعجائب ومعجزات من شفاء أمراض وعقر ومساعدات للبحارة والمساجين وإنزال الأمطار على المدينة وحماية المدينة من القذائف والاعتداءات في فترات الحروب المختلفة. وهناك بعض التقاليد المربوطة ببعض الأيقونات التي تحويها الكنائس الارثوذكسية في بيت جالا:
• هناك حجر في كنيسة العذراء كان بالأصل موجوداً في كنيسة كاثيزمو (كنيسة الجلوس) الموجودة بالقرب من كنيسة مار الياس الواقعة على الطريق الواصل بين القدس وبيت لحم، تم نقله لاحقاً إلى كنيسة العذراء (أنظر صورة ٥). استناداً الى التقليد المتعارف عليه بأن والدة الإله عندما كانت في حالة هروب هي وخطيبها العفيف يوسف وابنها الطفل يسوع من الملك هيرودس قاتل الأطفال، سلكت العائلة المقدسة نفس الطريق التي سلكها النبي موسى الى مصر ثم الاْردن، هناك صادفت العائلة المقدسة مجموعة لصوص اعترضوا طريقهم بغية سرقتهم، فاختبأت السيدة العذراء خلف هذا الحجر. من بين جماعة اللصوص هذه كان لص يدعى ‘دسماس’، عندما رأى هذا اللص جمال الطفل الإلهي قال له “لو لم تكن بشراً، لحسبتك الإله متجسداً” وأكمل “إذا وقعت بين يديك لاحقاً، فارحمني” والتقليد يُبين لنا لاحقاً أن هذا اللص هو نفسه اللص الذي صُلب عن يمين السيد المسيح وتنسب إليه عبارة “أذكرني يا رب إذا أتيتَ في ملكوتك” (لوقا ٢٣:٤٢).

• أيقونة مار نقولا (أنظر صورة ٩): كانت هذه في الأساس من ضمن الأيقونات والتحف المسروقة والتي يتاجر بها، ولكن في غضون أسبوع من شرائها، قام المشتري بإرجاعها للبائع، قائلاً له أن القديس نقولا قد ظهر له في أحلامه أكثر من مرة، وأمره بإرجاع الأيقونة، حيث خاطب الرجل قائلاً “أرجعني إلى بيتي في بيت جالا، قد تكون هناك العديد من الكنائس حول العالم تحمل اسمي ولكن بيتي هو في بيت جالا، أرجعني إلى هناك.”

• يُحكى أن هناك امرأة رومانية مؤمنة كانت قد زارت الأراضي المقدسة أكثر من مرة إلا أنها لم تزر بيت جالا أبداً، في ليلة من الليالي ظهر لها القديس نقولا في حلمها، يوبخها قائلاً “لِمَ لْم تزوريني في بيتي ولا مرة؟” وأراها الساحة والدرج المؤدي إلى كنيسة مار جريس الموجودة تحت كنيسة القديس نقولا القائمة حالياً. في واقعةٍ أخرى للقديس نقولا حدثت للمرأة ذاتها أنها أرادت أن تقدم هدية للقديس نقولا فطلبت من رسّامٍ أن يرسمه، إلا أن هذا الرسام لم يخرج بأي نتيجة حتى بعد مرور سنة من بدئه رسمها، فظهر القديس للرسام في الحلم وطلب منه أن يرسمه وهو ‘صارم’ كما كان في أثناء المجمع المسكوني الأول. وهكذا بعد يومين فقط أنهى الرسام لوحته وهي الآن محفوظة داخل كنيسته في بيت جالا (أنظر صورة ٧). كما تحوي كنيسة القديس نيقولاوس على جزءٍ صغيرٍ من رفاته وقارورة صغيرة من زيته، محتفظ فيهم في زاوية داخل الكنيسة (أنظر صورة ٨).

أما فيما يخص الجمعيات والمؤسسات، فمدينة بيت جالا تحوي ٢٦ مؤسسة خيرية فاعلة، من أبرزها:
1. جمعية الإحسان الأرثوذكسية: هي جمعية دينية انبثقت عن الكنيسة، أُنشأت قبل ١١١ عاماً وتعد من أقدم المؤسسات الخيرية في فلسطين، رئيسها الحالي الأستاذ فخري غنيم، وهيئتها الإدارية تتألف من ١١ شخص منتخب يمثلون الأحياء الخمس في المدينة، ومدة العضوية ثلاث سنوات. خدماتها تشمل جميع سكان بيت جالا. تهدف إلى تقديم المساعدات المادية للفقراء والمحتاجين والمرضى من أبناء المدينة، ورعاية الأيتام.

2. المركز الثقافي الأرثوذكسي: يترأسه الأب يوسف الهودلي، تم إنشاؤه في عام ٢٠٠٢، انبثق عن الكنيسة، وهو يهدف إلى توضيح وتعميق الثقافة والمعرفة الدينية لأبناء الرعية الأرثوذكسية، الشباب والأطفال على حد سواء، وكذلك السعي لتغيير عقلية الهجرة لدى الشّباب. من أبرز نشاطات المركز الثقافي في بيت جالا:
• جوقة ترتيل الموسيقى البيزنطية: هذه منبثقة من المركز الثقافي الأرثوذكسي، وتقوم بإحياء المناسبات الدينية بتراتيل بيزنطية، وهذا يعد الأول من نوعه في فلسطين كونهم يقومون بالترتيل وفقاً لنغمات نوتات الموسيقى البيزنطية، وهذه الجوقة تم تكوينها منذ حوالي ثلاث سنوات، ويبلغ عدد أعضاؤها ١٨-٢٢ شاب حالياً، منهم بضع شبان من سكان بيت ساحور المجاورة. تم تدريبهم في البداية على يد الراهب ‘سيمون’ القادم من جبل آثوس.

• الشبيبة الجامعية: هي تابعة للمركز الثقافي الأرثوذكسي وتضم شُبّاناً وشابات من طلاب الجامعات. وينسب إليهم عدد من الأنشطة الترفيهية والاجتماعية مثل إقامة ‘أسبوع الطفل’ الذي شمل ألعاباً للأطفال ومسابقات دينية. وأقاموا ‘مهرجان الفصح الأول’ بعد عيد الفصح بالتعاون مع النادي الأرثوذكسي الرياضي، كما أقاموا مهرجان ‘ألف هدية وهدية’ لتوزيع الهدايا على كافة أطفال المدينة في عيد الميلاد المجيد.

• مدرسة الأحد: هي أيضاً من ضمن نشاطات المركز الثقافي الأرثوذكسي، خاصة بالأطفال حتى عمر ١٢ سنة، وتقام في كل يوم أحد بعد انتهاء القداس الإلهي حيث يجتمع الأطفال من المراحل العمرية الابتدائية لتعلم أمور دينية ونشاطات ترفيهية ذَات طابع ديني تعليمي.

3. المجموعة الأرثوذكسية العربية (الكشاف): يترأسها ‘خالد القسيس’ الذي يكون أيضاً رئيس الكشاف الأرثوذكسي في فلسطين، يمكن وصفه بأنه كشاف منضبط ويقدم خدمات ومساعدات لأهل بيت جالا ويقيم دورات توعوية وتربوية، عدد أعضاءه يبلغ ٣٥٠-٤٠٠ شاب وشابة. وتحظى الكشافة بشعبية كبيرة لدى سكان البلدة وخاصة لدى الأطفال الذين يشتركون في المشي أثناء دورات الكشافة المختلفة حتى يبلغون السن المناسب للبدء والتدرب عليها ليصبحوا أعضاءً فيها.

4. النادي الأرثوذكسي العربي الرياضي: قد تأسس في عام ١٩٢٣، هدفه ينصَبّ في دعم الرياضة والشباب في المدينة. كما يقام فيه عدد من المهرجانات والاحتفالات ذات الطابع الرياضي والترفيهي.

5. جمعية بيت القديس نيقولاوس لرعاية المسنين: هي جمعية خيرية أسست في عام ١٩٧٦م ومسؤولة عن إيواء كبار السن ورعايتهم.

من الجدير ذكره أن المركز الثقافي الأرثوذكسي الذي سبق الإشارة له تابع للبطريركية الأرثوذكسية المقدسية، فالخدمات التي يقدمها والنشاطات التي يقوم بها تعتبر خدمات ونشاطات من البطريركية ذاتها. كما أن هناك أرض (تقدر ب ٣٧ دونم) قد قدمتها البطريركية لجمعية الإسكان في بيت جالا والمسؤول عنها هو السيد خضر أبو عبارة مقابل سعر زهيد لإقامة مجمع سكني للأزواج والعائلات الشابة. كما أن هناك منحاً دراسية تقدمها البطريركية للطلاب للدراسة في اليونان وقد تكون هذه قد انخفضت أعدادها نسبياً في الفترة الأخيرة وذلك يعود إلى العجز المالي الذي تعاني منه حكومة اليونان ولكن منح دراسة اللاهوت في اليونان لم يطرأ عليها أي تغيير ولا تزال تقدم لكل من يرغب بدراسة اللاهوت في اليونان وقبرص ليس لبيت جالا وحدها بل وأيضاً لجميع المدن والمناطق التابعة للبطريركية الأورشليمية. بالإضافة إلى محاولات تقديم تصاريح العمل والزيارة للقدس وإسرائيل التي تشكل مصدراً مهماً للعمل وكسب الرزق خاصة في ظل ظروف قلة فرص العمل أو انعدامها في بعض الأحيان.

ngg_shortcode_0_placeholder