1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة تكريس هيكل القديس العظيم في الشهداء جاورجيوس في مدينة اللد 16-11-2017

لقد أطفأت بسواقي دمائك لهيب الضلالة أيها المجاهد الظافر جاورجيوس المغبوط. وحطمت بأس الحكام المَرَدة ووقاحتهم إلى النهاية. ومجَّدت المسيح. فنلت إكليل الحياة والخلود من يمين العلي. هذا ما يتفوهُ بهِ مرنم الكنيسة

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،

أيها المسيحيون والزوار الأتقياء،

لقد جمعتنا اليوم ههنا في هذه الكنيسة الفائقة الروعة تذكار نقل رفات القديس العظيم في الشهداء جاورجيوس إلى مدينة اللد التاريخية في هذه الكنيسة المقدسة التي تحمل اسمه، والذي هو أيضاً تذكار تكريسها وتدشينها، لكي نُكرم بشكرٍ حارث المسيح البطل بين الشهداء جاورجيوس كاروز الحق الحكيم.

حقاً لقد استبان جاورجيوس بطلاً عظيماً بين شهداء محبة المسيح وذلك لأن استشهاده قد ارتبط بكرازته من أجل حقيقة المسيح إذ يقول كاتب السنكسار:

إنّ جاورجيوس علم ببهاء ومجدٍ بأن المسيح هو إله وهو ابن الله وكرز بالإنجيل وعلّم بالتقوى لهذا أمسكوه وعذبوه عذاباتٍ جمة”.

وقد حدث هذا على زمن أيام الإمبراطور الروماني الفظيع مضطهدُ المسيحيين ديكلتيانوس الذي كان مدافعاً عن تعدد الآلهة وعبادة الأوثان.

لقد كرز الحكيم جاورجيوس بكلمة الله الذي ظهر في الجسد كما يقول القديس بولس الرسول قائلاً: وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ. (1تيم 3: 16). لقد تم الإيمان بالمسيح في العالم وذلك لأنه هو الحق ونور العالم: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. (يوحنا 14: 6) أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ (يوحنا 8: 12)

إن إيمان القديس جاورجيوس غير المتزعزع بنور الحقيقة والحياة أي ربنا يسوع المسيح، قد ساهم بما لا شكّ فيه بدحض وتفنيد كذبة عبادة الأوثان وعبادة الشيطان التي كان يؤمن أتباعها بقتل المؤمنين في المسيح الذي هو النور والحق، معتقدين أنهم إذا قتلوهم، فهم يقدمون عبادة لله، وقد سبقَ ربنا يسوع المسيح وأنبأ لنا قائلاً: سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ. (يوحنا 16: 2)

إن هذه الذكرى العالمية لإكرام شخص القديس جاورجيوس يشكلُّ شهادةً صادقة بأنه طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. (متى 5: 10)

إن ّالمسيحي الحقيقي أيها الإخوة هو إنسانٌ على يقين بأنه سيعاني من الاضطهاد والهزء والسخرية والازدراء عدا عن المعاملة السيئة التي سيتعرض لها. وذلك لأنّ البر في المسيح يعني كل فضيلة كما يقول زيغافينوس، وهذا هو تماماً النموذج الحيّ للبرِّ في المسيح الذي يُعرض لنا اليوم الذي هو القديس العظيم في الشهداء جاورجيوس الذي” عَطِشَتْ نَفْسِه إِلَى اللهِ، إِلَى الإِلهِ الْحَيِّ (مزمور 41: 3) وهذا ما أكدّ عليه مرنم الكنيسة قائلاً: لقد أطفأت بسواقي دمائك لهيب الضلالة أيها المجاهد الظافر جاورجيوس المغبوط. وحطمت بأس الحكام المَرَدة ووقاحتهم إلى النهاية. ومجَّدت المسيح. فنلت إكليل الحياة والخلود من يمين العلي.

إن نموذج ومثال القديس جاورجيوس يُعلمنا أنهُ واجب واهتمام المسيحي الأول عليه أن يكون التخلص من فساد الخطيئة أي بمعنى أن يكون له الحرية في المسيح. ولكي يحصل الإنسان على الحرية الحقيقية بشكلٍ عام وابن الكنيسة بشكلٍ خاص عليه أن يكتسب فكر المسيح، أي أن يولد الإنسان روحياً عندها يقبل الإنسان، استنارة الروح القدس كما يقول الحكيم بولس الرسول” وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ الْمَسِيحِ. (1كور 2: 16).

ويطلب القديس بولس الرسول في مكان آخر قائلاً: وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ. (رومية 12: 2). وبتوضيحٍ أكثر أطلب إليكم أيها الإخوة أن لا تتشبهوا وتحاكوا طريقة حياة الناس الماديين العالميين والتي تكونُ أذهانهم ملتصقة في الاهتمامات والأفكار الباطلة لهذه الحياة بل تغيروا وتحولوا لاكتساب الفكر المسيحي الجديد لكي

تستطيعوا أن تميزوا ما هي إرادة الله وما هو الخير وما هو مُرضيٌ وكاملٌ لدى الله في نفس الوقت.

إن كنيستنا المقدسة أيها الإخوة الأحبة هي كنيسة مواطني السماء مع المسيح وهؤلاء المواطنين وأصدقاء المسيح هم القديسين ومصاف الشهداء الذين يزينون بناء الكنيسة السماويّ والأرضي.

إن القديس جاورجيوس الذي نكرّمه اليوم والذي “ظهر كشمسٍ عقلية” لا يتوقف متشفعاً فينا بواسطة رفاته المقدسة من أجل جميع الذين يطلبون عضدهُ ومعونته لذلك فنحن في ذكراه هذه المقدسة نهتف مع المرنم قائلين: صُنّي واقياً يا كلّي الغبطة جاورجيوس. فيما أسافر بالبحر أو أسيرُ في الطريق أو أنامُ في الليل. واحفظني في يقظتي واهدني إلى العمل بإرادة الربّ حتى أجد أنا المٌلتجئُ إلى ستر وقايتك العفو في يوم الدينونة عما اقترفته من الأعمال.

آمين