كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس الشهيد في الكهنة فيلومينوس الذي من أخوية القبر المقدس 29-11-2017
لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ فَلاَ تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا، (2تيم 1: 8) هذا ما يوصي به القديس بولس الرسول تلميذهُ تيموثاوس.
أيها الأخوة المسيحيون المحبوبون،
أيها الزوار الأتقياء،
إن الذكرى المقدسة للقديس الجديد الشهيد في الكهنة فيلومينوس الذي من أخوية القبر المقدس قد جمعتنا اليوم حيثُ مكان استشهاده وموته في هذا المكان المقدس الذي ورد ذكره في الكتاب المقدس ألا وهو البئر الذي لرئيس الآباء يعقوب والذي هو أيضاً موطن المرأة السامرية القديسة فوتيني، لكي نُكرمهُ ونقدم الشكر والتمجيد لربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي تألم وصلب من أجل خطايانا نحن البشر.
إن المحبة الباذلة نحو المسيح مخلصنا قد أوضحت عدداً عظيماً وسحابة كثيفة من الناس الذين استشهدوا من أجل الحقيقة والإيمان بالمسيح، فإن دماء هؤلاء الشهداء هو الذي أروى شجرة الحياة أي الكنيسة التي هي جسد المسيح السريّ.
إن الشهداء القديسين: استفانس رئيس الشمامسة وأول الشهداء، يعقوب أخو الرب، ويعقوب ابن زبدى والذين أصبحوا بدماء استشهادهم الأساسات الأولى والحجارة الرسولية لبناء كنيسة آوروشليم.
وبكلام آخر قد أصبح هؤلاء شركاء في شهادة دم صليب المسيح الكريم الذي هو بالحقيقة حجر الزاوية لبناء الكنيسة مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ (أفسس 2: 20). وإن حجارة البناء مع المسيح هم الذين يشكلون مسكن روح الله وهم جميع القديسين الذين استشهدوا ولا سيما في فلسطين وهم أصدقاء المسيح ومنهم من نكرِّمَه اليوم القديس الجديد الشهيد في الكهنة فيلومينوس.
تفتخر كنيسة آوروشليم افْتِخَارٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ (رومية 15: 17) وذلك لأنه بحسب القديس يوحنا اللاهوتي إن شهداء الرب هُمْ أَمَامَ عَرْشِ اللهِ، وَيَخْدِمُونَهُ نَهَارًا وَلَيْلاً فِي هَيْكَلِهِ، وَالْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ (رؤيا 7: 15).
وأيضاً تفتخر كنيسة آوروشليم افْتِخَارٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ وذلك لأنها تشكل “الرحم” الذي صار بداخِله دم الشهادة الخلاصيّ لربنا ومخلصنا يسوع المسيح ابن الله.
بكلام آخر إن المسيح قد خلصنا من عِقالاتِ ورِباطاتِ الخطيئة، مقدماً دمه الكريم ذبيحة كحملٍ بريئاً من العيب كما يقول بطرس الرسول عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفًا سَابِقًا قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ (1بط 1: 18-20)
وكما يقول القديس يوحنا الدمشقي: إن قديسي الرب الشهداء هم جنود المسيح الذين شربوا من الكأس واصطبغوا بصبغة موته المحيي كمشاركين لآلامه ومجده فَوَضَعَ اللهُ أُنَاسًا فِي الْكَنِيسَةِ: أَوَّلاً رُسُلاً، ثَانِيًا أَنْبِيَاءَ، ثَالِثًا مُعَلِّمِينَ. (1كور 12: 28).
قد صار القديس أبينا الشهيد في الكهنة فيلومينوس من جنود المسيح الذيَن شاركوه في موته المحيي فقد أحب قديسنا المسيح منذ طفوليتهِ وكرّسَ نفسهُ لخدمةِ حقل الرب أي الكنيسة وبالأخص كنيسة آوروشليم وذلكَ من خلال انضمامهِ لطغمة أخوية القبر المقدس.
وأثناء خدمته كرئيسٍ روحيٍّ لهذا الدير والمزار المقدس ولاسيما أيضاً راعٍ للخراف العقلية في مدينة نابلس والسامرة، لم يشرب قديسنا فقط من الماء الروحي الذي شربت منه المرأة السامرية ولكنه اقتفى أيضاً بآثارها وسار على خُطاها مُبشراً وكارزاً ومعلماً بأن المسيح هو المسيا وهو ابن الله والنور والحياة ومخلّصُ العالم.
لقد كانت كرازة وتعليم القديس فيلومينوس بأنّ المسيح هو مُكّمِلُ ومِلءُ الناموس الموسويّ والأنبياء فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا. (كولوسي 2: 9) لهذا فقد أثار هذا التعليم غيظَ وكرهِ وغضب قاتليه. إن كارهي صديق المسيح وكاهن العليّ الشهيد في الكهنة فيلومينوس قد اعتقدوا بأنهم إذا قتلوه أثناء صلاته فإنهم يقدمون خدمة وعبادة
الله بحسب شهادة القديس يوحنا الإنجيلي قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِكَيْ لاَ تَعْثُرُوا. سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ. (يوحنا 16: 1-2).
ولم يدرك ويفهم قتلة شهداء المسيح قاطبةً والذي من بينهم القديس الشهيد في الكهنة فيلومينوس بأن القديسين الشهداء يقفون أمام عرش الله بدالة ويعبدونه إلى مدى الدهور كما يقول القديس ميثوذيوس الذي في أوليمبوس الذي يقول بأن الشهداء هم مرتلون وينقسمون إلى جوقتين: الجوقة الأولى وهي التي تمثل الذين استشهدوا في العهد الجديد والجوقة الثانية هي التي تمثل أولئك الذين في العهد القديم. لقد استحق أبينا البار فيلومينوس المستشهد من أجل حقيقة إنجيل المسيح أن يُحصى مع جوق الشهداء القديسين الذين في السماوات وهو لا يتوقف متشفعاً إلى الله الآب من أجل جميع الذين يكرمون تذكاره الشريف. ونحن مع المرتل نهتف ونقول: لا ضيقٌ ولا شدةٌ ولا جوعٌ ولا اضطهادٌ ولا سياطٌ ولا حنق الوحوش ولا سيفٌ ولا وعيد النار أمكنهُ أن يفصلكم عن الله يا أيها الشهداء الكلّيُّو المديح. بل بالأحرى لاضطرامكم شوقاً إلى الله كابدتم الجهاد بأجسادكم كأنها أجنبيَّة متغاضين عن الطبيعة ومزدرين بالموت. فاجتنيتم الثواب عن استحقاقٍ على قدر أوجاعكم. وأصبحتم وَرَثَة لملكوت السماوات. فلا تبرحوا متشفّعين في نفوسنا.
كل عام وأنتم بخير