1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس سابا المتقدس 18-12-2017

“لقد اعتكفت تتمرَّن على الفضيلة منذ الطفوليَّة يا أبانا البار سابا. فأصبحت آلةً يضربُ فيها الروح القدس. فنلتَ منهُ موهبةَ صنعِ العجائب. فأقنعت الناس بازدراء الملاذّ. والآن فأنت مستضيءٌ بالنور الإلهي أجلى استضاءةٍ. فأنر أذهاننا يا أبانا البار سابا”

أيها الآباء الأجلاء والإخوة المحبوبون في المسيح،

أيها المسيحيون الزوار الأتقياء،

إنّ تذكار أبينا البار المتوشح بالله سابا المتقدس قد أضاء اليوم المسكونة قاطبةً ولا سيما بريّة فلسطين أي في هذه اللافرا التي وصلنا إليها والتي تحمل اسمه لكي نمجد بشكرٍ ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي قدّس ومجّد القديس سابا.

السَّمَاوَاتُ تَحْمَدُ عَجَائِبَكَ يَا رَبُّ، وَحَقَّكَ أَيْضًا فِي جَمَاعَةِ الْقِدِّيسِينَ (مز 88: 6). أي أن القوات الملائكية في السماوات تمجد وتسبح عجائبك أي جوهرك وفعلكَ يا رب وحقيقة أقوالك سوف تسبحها في السماوات جماعة قديسيك وملائكتك، كما يقول النبي داود.

فعندما سمع أبينا البار سابا أقوال المسيح الإلهية ارتحل ساكناً هذه البرية ومستوطناً صحراء يهوذا لكي يحمل صليب ربنا يسوع المسيح ويتبعه كما أوصانا الرب في الإنجيل. (متى 16 :24).

إن أبينا البار سابا المتوشح بالله الذي أصبح أداة للروح القدس هو زينةُ النساكِ وفخرَهم وقد بشّر بحقيقة أقوال الرب وصدقها لهذا فقد نال من الرب ليس فقط إكليل المجد الذي لا يذبل بل أيضاً موهبة صنع واجتراح العجائب كما يقول المرنم: لقد تنزَّهت بالفضائل عن العالم والجسد. يا مُلهِمَ الله سابا الأب الحكيم. ومجَّدت بها ربَّ المجد طول حياتك على الأرض. فتمجَّدت عن استحقاقٍ. وأصبحت ينبوعاً للأشفية إلهيّاً يستقيها من لدُنه تعالى.

إن منطقة نهر الأردن وهذه البرية التي هي موطن العديد من الآباء النساك العظام كالقديس يوحنا المعمدان السابق وإفثيميوس الكبير وثيوذوسيوس رئيس الأديار وجراسيموس الأردني وجاورجيوس الخوزيفي وكثيرين آخرين، ولكن بفضل أبينا البار سابا قد ازدادَ و كَثُّرَ أبناء هذه البرية و هذه المنطقة بالنساك وازدهرت بالرهبان الذين أحبوا وتاقوا إلى البر والحق أي المسيح وساروا على خطى وسيرة القديس سابا مناجين القوات العلوية في آوروشليم السماوية و اصبحوا أعضاءً مكرمين فيكَنِيسَةِ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي السَّمَاوَاتِ (عبرانيين 12 :22-23) بحسب القديس بولس الرسول، فلهذا السبب فإن مرنم الكنيسة يهتِفُ قائلاً: “لتبتهجنَّ البرّيَّة مزهرةً كالسوسن. لأنك كثَّرت أولادها يا سابا المتأله اللبّ. ولتطربنَّ الآن بقعة الأردن فرحاً بتذكارك الإلهي”.

فحقاً أيها الإخوة الأحبة فإن برية فلسطين تبتهج اليوم ومعها كنيسة آوروشليم المقدسة لأنه قد كَثُرَ أبناء هذه البرية أي النساك الرهبان وعشاق المسيح وأحبته والمتمثلين والمقتدين بساكني ومواطني الصحراء ولا سيما القديس سابا المتأله اللبّ فإن المرنم يقول: إنّ ديرك العظيم الكليَّ الإكرام الذي بنيتهُ أنت وسكنتهُ ولم تزل تحرسهُ أيها الحكيم. يصدع جهاراً بعبارات الشكر لك مفتخراً بك. ويصرخ نحو الرب قائلاً مباركٌ أنت يا الله إله آبائنا.

يقول القديس بولس الرسول: إِنْ كُنَّا نَعِيشُ بِالرُّوحِ، فَلْنَسْلُكْ أَيْضًا بِحَسَبِ الرُّوحِ. (غلاطية 5: 25) أي إن عشنا بحسب الروح القدس وإلهامه. فلنتصرف إذن بحسب ما يطلبه الروح منّا ولا نتحرك بدافع الأنانية والمجد الباطل، لهذا فإن القديس بولس الرسول يحث أولئك الذين ينتمون حقاً إلى الكنيسة بأن يميتوا الإنسان الجسداني أي القديم مع أهواءه وشهواته لأن الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ. (غلاطية 5: 24).

وهذا ما صنعه فعلاً أبينا البار سابا كما يؤكد على ذلك المرنم: لقد حملتَ صليب الربّ أيها الحكيم المفقّه من الله. وتبعتهُ حتى النهاية. ولم ترتدّ بعقلك إلى العالم. بل أمتَّ الأهواء بالإمساك والمشاقّ. وهيأت نفسك هيكلاً للرب.

وبكلام آخر إن أبينا البار سابا لم يصبح كوكباً مضيئاً للمسكونة بعجائبه فقط بل شاهداً صادقاً على قيامتنا في المسيح وذلك عبَر جسدهِ غير البالي الموضوع أمام

ناظرنا والذي من خلاله نسبح ونمجد الله الواحد المثلث الأقانيم وبكلٍ ورعٍ وتقوى نُغبِطُ الفائقة على كل البركات سيدتنا والدة الاله الدائمة البتولية مريم والذي كان ابينا البار سابا يكّرمها بشكل خاص لأنها ولدت كلمة الله ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي ألغى بموته حكم الخطيئة والموت والفساد علينا.

ختاماً نتضرع الى ابينا البار القديس سابا المتقدس بما له من الدالة لدى المسيح ومع والدة الاله الدائمة البتولية مريم أن يتشفعوا من أجل خلاص نفوسنا ومن أجل السلام في منطقتنا، وأن يؤهلنا أن نعيّد لميلاد إلهنا ومخلصنا المسيح. آمين