1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة مدائح والدة الإله

إنّ الملاكَ المتُقدم أُرسِلَ مِنَ السماء ليقولَ لوالدة الإلهِ: افــــرحــي، فلما عاينكَ يا ربُ متجسداً مع الصوتِ غيرِ المتُجسد ذُهِلَ وَوَقَفَ صَارخاً لها هكذا، افرحي يا من بها يُشرِقُ السرور، افرحي يا مَن بِها تَضمَحِلُ اللعَنة، افرحي يا استعادةَ آدمَ الساقط، افرحي يا نجاةَ حواءَ مِنَ البُكاءِ وَالنحيب.”

أيها الإخوةُ المحبوبون في المسيح،

أيها المسيحيونَ الأتقياء،

إنَّ كنيسَتَنا المقدسةِ تُكَرِّمُ منْ جهةِ سرِّ التدبيرِ العظيمِ الإلهيِّ لربنِا ومخلصِنا يسوعَ المسيح، ومن جهةٍ أخرى تُكرم شخصَ والدةِ الإلهِ العذراءِ الفائقةِ على كلِ البركاتِ الدائمةِ البتوليةِ مريم، مخصصةً لها خدمةَ المديحِ الذي لا يٌجلسُ فيه والذي يُعرفُ أيضاً “بمدائح العذراء” والذي يُقالُ كلَّ أسبوعٍ في فترةِ الصومِ المقدسِ الأربعينيِّ الكبير.

إن هدفَ الصومِ بشكلٍ عامٍ والصومِ الأربعينيِّ المقدسِ بشكلٍ خاص، يعودُ بالصحة على الجسد وبالأخص على النفس لأعضاء كنيسة المسيح.

ويقولُ القديسُ باسيليوس الكبير الذي يدعو الصومَ “دواءً يُمحي الخطيئة”: لا يليقُ أن أفرحَ وأسعى نحو صحةِ النفس، بينما ينتابُني حزناً بسببِ تَغيُيرِ الأطعمةِ في فترةِ الصوم، لماذا أفرحُ وأهتمُّ براحةِ الجسد، في الوقتِ الذي لا أبالي براحةِ النفس؟

إنّ ربَّنا ومخلصَنا يسوع المسيح، بعدَ اعتمادِهِ في نهرِ الأردن، أُصْعِدَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ القدس حيث صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً (متى 4: 1-2) وقد صنعَ هذا في ضوءِ كرازتهِ الإنجيليةِ لخلاصِ الإنسانِ ولاسيما أيضاً آلامهِ وصلبهِ ودفنهِ الثلاثيّ الأيام وقيامتهِ من بينِ الأموات.

وبكلامٍ آخر إنَّ المسيحَ يريدُ أن يَخْلُصَ كلُّ الناس بإيمانهم وأنْ يكونوا على عِلمٍ تامٍّ بالحقيقة، كما يُعلمُ القديسُ بولس الرسول الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ. لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ (1تي2 :4-5).

أيها الأخوةُ الأحبةُ لا يستطيعُ أحدٌ أن يأتيَ إلى معرفةِ حقيقةِ المسيح بدونِ أن يعترفَ بأن يسوعَ المسيحِ هو ابنُ اللهِ الذي نَزلَ من السماءِ لأجلِ خلاصِنا وتجسدَ من الروحِ القدسِ وتأنسَ من مريمَ العذراء.

وبكلامٍ آخر إنّ شخص العذراء مريم التاريخي قد استحقت أن تكون أم الإله، وبالفعل صارت أُماً ووالدةً للإله بالحقيقة. وذلك لأن كلمة الله، الابن الوحيد، قد حُمِلَ بهِ كإنسانِ في رحمِ العذراء وظهرَ كطفلٍ مُرضعاً في أحضانها.

في هذا السر الغريب العجيب كانت مريمُ العذراءِ التي منَ الناصرة شاهدةً صادقةً أمينةً على هذا السر. ويفسَّرُ هذا بطريقةٍ لاهوتية مُحَرّكاً من الروح كاتب خدمة المديح، مبتدئاً بتحية رئيس الملائكة جبرائيل المرسل من السماء قائلاً لوالدة الإله: افرحي يا ممتلئة نعمة الرب معك مباركة أنت في النساء (لوقا 1: 28).

أيها الإخوة الأحبة إنَّ المسيح هو فرح العالم الذي أشرق من العذراء مريم والدةُ الإله المباركة، وهذا لأنه منها قد لبسَ كلمة الله عجنتنا أي طبيعتنا البشرية كما يؤكد ذلك مرنم الكنيسة القديس اندراوس الكريتي إذ يقول:

أيّتها الأمُّ البتولُ التي لا رَجُلَ لها. البِكر! لقد لبِسَ منكِ عجنتي الإلهُ البارئ الدهورَ وأَتْحَدَ بذاتهِ طبيعةَ البشر.

لقد أخذ كلمة الله ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الطبيعة البشرية منَ العذراءِ مريم وأَتْحَدَهَا بالروح القدس، إذ أن العذراء مريم هي التي جلبت منْ أزال اللعنة أي خطيئة الجديّن، فالعذراء من جهةٍ هي استعادةُ آدم الساقط ومن جهةٍ أخرى هي نجاةُ حواءَ من البكاء والنحيب، لهذا فإن المرنم يهتف قائلاً: افرحي_ يا والدة الإله العذراء مريم_ يا من بها تتجددُ الخليقة. وبحسب ثيوذوريتوس كيروس “إن العذراء هي التي جددت الطبيعة البشرية في المسيح”.

كما يهدفُ الصوم الأربعيني المقدس إلى تجددنا في المسيح وهذا التجدد يتم من خلال التوبة لهذا فإنه في فترة الصوم الأربعين المقدس يُعرضُ ويتجلى أمامنا شخص الفائقة البركات والدة الإله الدائمة البتولية مريم والتي من خلالها تجددت الخليقة والطبيعة البشرية، كما يؤكد هذا القديس بولس الرسول في رسالته إذ يقول” إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا. (2كو5:17) وذلك يعني أن كلّ شخصٍ قد اتَحَدَ بالمسيح هو بالتالي خليقةً جديدةً، وذلك لأن الحالة القديمة التي صنعها الناموس والخطيئة قد مَضَت، وهنا قد أصبح الكل جديداً.

أيها الأخوة الأحبة تدعونا كنيستنا المقدسة إلى إعداد ذواتنا ليس من خلال الصوم فقط والذي هو بالحقيقة “دواءٌ يُمحي الخطيئة” بل أيضاً من خلال التوبة التي هي قوة الخلاص، فالتوبة بحسب القديس يوحنا السلمي هي ابنة الرجاء ورفضٌ لليأس.

فَلنُعِدَ ذواتنا أيها الأخوة لكي يؤهلنا ربنا ومخلصنا يسوع المسيح أن نُعيّد لقيامتهِ المجيدة وأيضاً لقيامتنا ونجاتنا من الخطيئة “لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبحَ لأَجْلِنَا (1كو 5 :7).

ختاماً نتضرعُ إلى الفائقة القداسة أم الإله ووالدته ونهتِفُ مع المرتل قائلين: يا والدة الإله رجاء وشفيعة الذين يمدحونك ارفعي عني غِلَّ الخطيئة الثقيل وبما أنك سيدةٌ طاهرة اقبليني تائباً.

وليكن صوماً أربعينياً مباركاً وفصحاً مجيداً.