1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في مدينة الرينة 29-4-2018

كان إنسانٌ طريحاً في الأسقام عند البركة الغنمية فلمّا شاهدك يا رب هتف ليس لي إنسانٌ حتى إذا تحرك الماء يُلقيني فيه فللحين ترأفتَ عليه يا مخلص وقلتَ له لأجلكَ صرتُ إنساناً ولأجلكَ اشتملتُ جسداً وتقول لي ليس لي إنسانٌ! احمل سريرك وامشي!

أيها الإخوة المحبوبون بالمسيح

أيها المسيحيون الأتقياء

إن المسيح إلهنا الحقيقي الناهض من بين الأموات الذي شفى المخلع عند بركة باب الغنم قد جمعنا اليوم في هذا اليوم الفصحي في مدينتكم الرينة لكي نمجد بشكرٍ وتسبيحٍ محبة المسيح للبشرِ التي لا توصف.

إن محبة الله الآب للبشر التي لا توصف ولا تحد تتَمثلُ في حدثيْنِ رئيسيْين لا يتكررا مطلقاً فالأول هو تجسد وتأنس كلمة الله من العذراء مريم والدة الإله من جهة، ومن الجهة الأخرى قيامة ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ابن الله الآب من بين الأموات.

إن هذا الإنسان المريض اليائس الذي له ثمانٍ وثلاثين سنة منتظراً كانت حجته للمسيح: يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. فقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ. فَحَالاً بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. (يوحنا 5: 7-9)

فقط وبصيغة الأمر، صنع يسوع أعجوبة شفاء هذا الإنسان المخلع وذلكَ لكي يُظهرَ سُلطانه وقوته كما يفسر ذلك القديس كيرلس الإسكندري إذ أن الرب قد أمر المخلع بأن يحملَ سريره ويمشي لكي يري الجمع قوة سلطانه أي أنه شفاهُ فقط بكلمة.

إن قوة هذا السلطان على موت الخطيئة والفساد قد أظهرها يسوع وأوضحها لجميع البشر من خلال قيامته الثلاثية الأيام كما يقول مرتل الكنيسة: إن المسيح قد انحدر إلى الجحيم مبشراً الذين فيه وقائلاً ثقوا الآن فقد غلبت لأني أنا هو القيامة الذي أطلقكم حالا أبواب الموت.

بكلام آخر أيها الإخوة الأحبة لقد شفى ربنا يسوع المسيح المخلع قائلاً له: قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ (يوحنا5: 8) وقد قال له هكذا لكي يُثبت ويبرهن بأنّ معجزةً قد حصلت بفعل قوة يسوع المسيح الإلهية، لئلا يُظَنُ أن ما صار خيالاً. كما يؤكد القديس يوحنا الذهبي الفم قائلاً: إنّ المسيح لم يقلْ لهُ فقط من أجل أن ينهض بل قد أمره بأن ينهض وأن يحمل

سريره حتى إن الذين ينظرون إليه يؤكدون أن ما حصل هو معجزة حقيقية وليس خداعاً أو غشاً.

إن سؤال يسوع المسيح للمخلع أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟ (يوحنا 5: 6) له أهمية دائمة على مر الأزمان وهو سؤال يُوَجهُ لكلِ إنسانٍ يريدُ حقاً أن يبرأَ.

نقول هذا لأن مخلصنا كلمة الله قد صار إنساناً والتحف طبيعتنا البشرية لكي يخلصنا نحن من الخطيئة ومن المرض وبالتالي من شَللنِا وكُسَاحِنا.

فهذا هو السبب حقاً الذي لأجله تفرح وتبتهج كنيسة المسيح. فالمسيح هو جسد الكنيسة ورأسها. ولنسمع ما يقوله مرتل الكنيسة لقيامة المسيح إذ يقول: أيتها البتول إن ابنك حطم عزّة الموت كلها بقيامته، وبما أنه إلهٌ مقتدرٌ جداً رفعنا معه وألهنا فلهذا نسبحه إلى كل الأدهار.

إنّ تألهنا هو ما تهدفُ إليه قيامة المسيح من خلال الكنيسة ودعوتها ومحبتها للبشر التي لا توصف والتي هي تحنن الله على الإنسان، جبلتهُ المجروح بسبب الخطيئة لأنه لأجل الإنسان قد سفك المسيح دمه الإلهي على الصليب والذي تأسست الكنيسة عليهِ.

لهذا فإن الكنيسة لا يجب أن تُعتبر منظمة عالمية واجتماعية فهي أولاً وقبل كل شيء مشفىً وعيادة لنفوسنا وأجسادنا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

إن كنيسة المسيح بما أنها مشفىً وعيادة فإن أبوابها دائماً مفتوحة للجميع في كل وقت وفي كل ساعة كما قال ربنا يسوع المسيح مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا. (يوحنا 6: 37) وأيضاًلَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ (مرقس 2: 17) بكلام آخر وبحسب القديس ثيوفيلكتوس إن المسيح يدعو الخطأة لكيلا يبقوا خطاةً بل ليتوبوا.

وهذا يعني أيها الإخوة الأحبة، بأن هناك كثير من الناس ومن المسيحيين أيضاً الذين يعتبرون أنفسهم بأنهم أصحاء وليسوا بحاجة إلى طبيب. والطبيب هو المسيح وكنيسته، فلأولئك نقول لهم ما قاله الرب إلى أسقف كنيسة اللاذقية في رؤيا الإنجيلي يوحنا اللاهوتي: لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ. (رؤيا يوحنا 3: 17)

وبتوضيح أكثر “أي أنك تقول بسبب كبرياءك وترفُعِكَ واعتدادك بنفسك بأنك غنيٌّ في الفضائل ولا تحتاج لشيءٍ، ولكن أنت لا تعلم بأنك في الحقيقة شقيٌ وبائس وفقير في الفضيلة وأعمى ومريض حتى أنك لا تستطيع أن ترى حالتك الروحية المهملة والضالة.

في هذا اليوم الفصحي تحتفل كنيستنا المقدسة وتدعونا عبر فم المرتل أن نعلم قوة السر الرهيب الذي لأجلنا صُلب وقام المسيح مخلصنا. إذ يقول “هلم يا أيها الشعوب جميعاً واعلموا قوة هذا السرّ الرهيب لأن المسيح مخلصنا الكلمة الأزلية قد صُلِبَ لأجلنا وقٌبرَ باختياره وقام من بين الأموات ليخلص الكل فلهُ نسجد. ”

إن هذا الحدث الإيماني تشهد به وتكرز به كنيسة آوروشليم المقدسة مع رهبانها، أخوية القبر المقدس الأجلاء الذين حافظوا على مر العصور على الأماكن المقدسة كأماكن تقديس وانتعاش روحي وهي ضمان الوجود المسيحي في الأراضي المقدسة بشكل خاص وفي الشرق الأوسط بوجه عام.

نشكر إلهنا وربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي وُلد من الدائمة البتولية مريم العذراء والدة الإله ومع المرتل نهتف قائلين: أيها الفائق الصلاح كما أشفيتَ المخلَّع قديماً اشفِ نفسي السقيمة منذ سنين كثيرة لكيما أسلك متخطراً في سبلك التي أوضحتها للمتكلين عليك.

المسيح قام ….حقاً قام

كل عامٍ وأنتم بألف خير