1

تدشين كنيسة رقاد السيدة العذراء في مدينة مادبا

أجريت صباح يوم السبت الموافق 22 أيلول 2018 يوم تذكار القديسين يواكيم وحنة وبمناسبة عيد ميلاد والدة الإله الدائمة البتولية, مراسم إحتفالية بمناسبة تدشين كنيسة رقاد السيدة في مدينة مادبا التاريخية  في الأردن التي يوجد بها رسم فسيفساء لفلسطين عهد السيد المسيح يرجع للقرن السادس ميلادي, وتم بناء الكنيسة ببركة صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث وتحت إشراف ونفقة قدس الأرشمندريت أينوكيديوس الوكيل البطريركي السابق في مادبا.

ترأس خدمة القداس الالهي صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث وشاركه في الخدمة أصحاب السيادة أريسترخوس السكرتير العام للبطريركية ورئيس أساقفة قسطنطيني, مكاريوس رئيس أساقفة قطر, خريستوفوروس رئيس أساقفة كيرياكوبوليس والوكيل البطريركي في عمان, وبحضور الوكيل البطريركي الجديد في مادبا سيادة المطران أريسطوفولوس رئيس أساقفة مادبا.  وشارك أيضا في القداس الالهي آباء وشمامسة من أخوية القبر المقدس والوكيل البطريركي في شمال الأردن الأرشمندريت رفائيل وكهنة الرعية الأورثوذكسية في مادبا. ورتلت الصلاة الألحان الكنسية البيزنطية باللغتين العربية من جوقة الكنيسة واليونانية  من قبل  الأستاذ باليويورغوس الأستاذ في الموسيقى البيزنطية في المعهد العالي للموسيقى وجوقته إحتفالا بهذا اليوم المبارك.

غبطة البطريرك القى كلمة روحية أمام المصلين بهذه المناسبة:

إن المسيح بحضورهِ أنارَ كل البرايا. وجدد العالمَ بروحهِ الإلهي. فالنفوس تتجدّد. لأنهُ كُرِّس الآن بيتٌ لمجد الربّ وجلالهِ. فيه يجدّد المسيح إلهنا قلوب المؤمنين لخلاص البشر. هذا ما يتفوهُ بهِ مُرَنم الكنيسة

أيها الأخوة المحبوبون في المسيح،

أيها المسيحيون الأتقياء،

إنَّ الذي قبل الدهور كلمة الله ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي جعل كنيستهُ حِصناً منيعاً. إذ أسسها على صخرة الإيمان، قد جمعنا اليوم في الكنيسة البهية المشيدةِ حديثاً كنيسة رقاد والدة الإله لكي نتُمِمَ تدشينُها بتمجيدٍ وعرفان.

يقول المرتل “لقد أظهرتَ أيها المسيح قديماً لموسى المعاين الله على سيناء الِمظلةَ غير المصنوعة بيدٍ راسماً كنيستك.” فهو بذلك يذكرُنا بصعودِ موسى النبي إلى جبل سيناء حيثُ حلَّ مجد الله على الجبل وأظهر الله لموسى كيف عليهِ أن يبني خِباءِ الشهادة (خروج 24: 15-16/ 25: 8-9)

هذهِ الخيمة التي صنعها الرب لا إنسان كما يقول القديس بولس الرسول” وَأَمَّا رَأْسُ الْكَلاَمِ فَهُوَ: أَنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ مِثْلَ هذَا، قَدْ جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ الْعَظَمَةِ فِي السَّمَاوَاتِ خَادِمًا لِلأَقْدَاسِ وَالْمَسْكَنِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي نَصَبَهُ الرَّبُّ لاَ إِنْسَانٌ. (عب 8: 1-2)

وعن “خيمة الشهادة الحقيقية” أي بيت الله فلنسمعُ ماذا يقولُ مرتِلُ الكنيسة: لمّا وافى الكلمةُ بالجسدِ وأقامَ بيننا. أما ابن الرعد (أي الإنجيليّ يوحنا) فقد كتبَ بإلهامٍ يقول لقد عاينَّا جلياً المجد الذي كان للابن من الآب بنعمة الحق. وأما نحن الذين اقتبلناهُ بإيمانٍ فقد أعطانا كلّنا سلطاناً أن نكون أبناءً لله. وقد أُعيدت ولادتنا لا من دمٍ ولا من مشيئة لحمٍ بل من الروح القدس. فَنَمَوّنا وشيدنا بيتاً للصلاة. فنهتف قائلين ثبّت يا رب هذا البيت.

إن هذا البيت بيت الصلاة ليس هو إلا خيمة الشهادة الجديدة الذي هو الكنيسة التي أسسها الرب مخلصنا يسوع المسيح بدمه الخلاصي كما يقول القديس بولس الرسول” إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا. (2كور 5: 17)

وبكلامٍ آخر أيها الإخوة الأحبة إنّ تدشين هذه الكنيسة اليوم التي هي بيت الصلاة حيث” نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى. (عب 12: 28) وحيث رئيس كهنتنا يسوع المسيح فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ للهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ. (عب 13: 15) وبشكل توضيحي أكثر فالقديس بولس الرسول عندما يعلِّمُ عن الذبيحة فهو لا يقصد الذبائح الحيوانية أو الدموية بل الذبائح التي هي ثمر شفاهٍ معترفةٍ بحرارةٍ لله مسبحة على الدوام وممجدة اسمه القدوس.

 يُرنم النبي داؤود قائلاً:” يَا رَبُّ، أَحْبَبْتُ مَحَلَّ بَيْتِكَ وَمَوْضِعَ مَسْكَنِ مَجْدِكَ (مز 25 :8): إن مساكن الرب محبوبةٌ عند التائقين لمشاهدة مجد وجه الرب. كما يقول مرتل الكنيسة ويؤكدُ الإنجيلي اللاهوتي يوحنا في سفر الرؤيا أنّ: الْهَيْكَلُ امْتَلأَ دُخَانًا مِنْ مَجْدِ اللهِ وَمِنْ قُدْرَتِهِ. (رؤيا 15: 8).

وهذا يعني أن السيد الرب أعلن حضوره ومجده في مكانٍ خاص أي مقدس وذلك أيضاً بحسب شهادة الكتاب المقدس الصادقة (خروج 16: 7) / (خروج 16: 10) / (3 ملوك 8: 11)

إذ أن مجد الرب هي نعمة الروح القدس قد ملأت البيت أي الهيكل على شكل غمام وذلك عند اجتماعهم للعبادة أي الصلاة الجماعية إذ أن”اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا (يو 4: 24)

ومن الجدير بالذكر أن هذا العمل الليتورجي لتدشين هذه الكنيسة لها مصدرٌ ومرجعٌ ألا وهو تجديد آدم القديم في شخص آدم الجديد أي كلمة الله المتجسد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح ابن الله وابن العذراء مريم والدة الإله بحسب شهادة الإنجيليين وآباء الكنيسة القديسين. وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا (يو 1: 14) كما يقول القديس الإنجيلي يوحنا. فاليوم المسيح آدم الثاني قد أوضح هذا المسكن الجديد فردوساً عقلياً. إذ هو حامل سلاح الصليب المُحيي عوضاً عن عود المعرفة. كما يقول المرتل.

 ويعلقُ أبِ الكنيسةِ المميز القديس غريغوريوس اللاهوتي على ظهور ربنا يسوع المسيح في عيد تدشين وتجديد هيكل سليمان إذ يقول: أن التجديد (أي التدشين) كان في فصل الشتاء وَكَانَ عِيدُ التَّجْدِيدِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَكَانَ شِتَاءٌ. (يو 10: 22). وكان المسيح مع الشعب غير المؤمن الذين لم يصدقوهُ، الذي هو الإله والهيكلُ أيضاً في نفس الوقت، (فالمسيح) هو الإله الأبدي، والهيكلُ الجديد العتيد أن يكون، فإن هذا الهيكل (أي هيكلُ سليمان) سَيُهدَمُ يوماً ما، وفي غضون ثلاثة أيام (أي بعد قيامة المسيح من بين الأموات)، سيتّمُ إعادةُ بناء الهيكل (أي هيكلِ جسدِ المسيح) وسيدومُ هيكلَ جسدهِ قائماً إلى منتهى الدهر حتى أخلُصَ أنا من سقطتي القديمة وكي يدعوني مجدداً ويُعيدُ جبلي من خلال محبتهِ للبشر حتى أصبحَ خليقةً جديدةً.

وبكلامٍ آخر أيها الإخوة الأحبة إنّ هيكل (أي بيت) الله كمكانٍ للعبادة هو معملٌ يعملُ فيهِ الروح القدس وذلك لخلاص نفوسنا. وأما الصلاة فهي طريقتنا ووسيلتنا للاشتراك بنعمة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح ولمحبة الله الآب. لهذا فإن القديس يوحنا السلمي يؤكد بأن الصلاة بحد ذاتها هي اجتماع واتحاد الإنسان بالله وفي فعلها هي ثبات العالم والصلاة هي أم الفضائل.

فهلموا إذاً لكي نشكر الرب على هذا اليوم المقدس لتدشين هذه الكنيسة المقدسة كنيسة رقاد والدة الإله ومع المرنم نهتف ونقول: لبيتك ينبغي التقديس يا رب. لأن اسمك يتمجد فيه أيها المحب البشر كما يليق بالله. لأجل هذا نهتف إليك مع النبي بإيمانٍ قائلين: جددنا الآن جميعاً بروحك القدوس.

آمين

بعد خدمة القداس الالهي أقيمت مراسم إحتفالية في قاعة الكنيسة وهناك أيضاً القى صاحب الغبطة خطابَ محبةٍ:

إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا (2 كو 5 :17)

صاحب السيادة رئيس أساقفة مادبا الجزيل الاحترام كيريوس أرستوفولوس،

أيها الآباء والإخوة الأجلاء،

أصحاب السعادة والمعالي والعطوفة ……..

قدس الأب الأرشمندريت اينوكنديوس باني كنيسة رقاد والدة الإله وباقي المُجمّع السكني،

اليومَ مدينةُ مادبا التاريخية والتي تشكلُ مركزاً ثقافياً في المملكة الأردنية الهاشمية تفرحُ مع أم الكنائس أي بطريركيةُ الروم الأرثوذكس المقدسية وذلك لأنهُ قد تمَّ اليوم تدشين هذه الكنيسة البهيّةُ الرائعة والمركز الروحي في منطقة حنينا في مادبا.

 ولقد تم هذا العمل العظيم الذي له أهميةً كبيرة من أجلِ خدمة سكان وأبناء منطقة مادبا وبالأخص من أجل الاحتياجات الروحية والعبادية لأبناء رعيتنا الرومية الأرثوذكسية. وهذا العمل إنما يبرهنُ من جهةٍ على الخدمة المتواصلة وغير المنقطعة لنشر محبة المسيح نحو القريب ونحو أخينا الإنسان، ومن جهةٍ أخرى يدّلُّ على التعايش والتناغم والوئام الموجود في المملكة الأردنية الهاشمية بين المسيحيين والمسلمين وبشكلٍ عام بين مؤمني الديانات الإبراهيمية.

إنّ بطريركية الروم الأرثوذكس العريقة لم تتوقف قط في مسيرتها التاريخية العظيمة أو تتوانى يوماً في تطبيقِ ونشرِ قيَمِ المحبةِ نحو القريبِ ونحو الأعداء أيضاً، بالقول والفعل وتعملُ دوماً على إحلال السلام والاحترام نحو أخينا الإنسان الذي أبدعهُ الله على صورتهِ ومثالهِ.

إنّ الزعماء والقيادات والشخصيات الوطنية الدينية التاريخية العظيمة أمثال الخليفة عمر بن الخطاب والقديس صفرونيوس بطريرك آوروشليم قد ساهموا ليس فقط في إرساء احترام قواعد العيش المشترك والتناغم بين الطوائف الدينية بل أيضاً في الممارسة الحرة للشعائر الدينية والعبادية في بيت الله.

 إنّ بيت الله الذي قمنا بتدشينهِ اليوم هو لإكرام رقاد سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم ولتمجيد اسم الله القادر على كل شيء وأيضاً من أجل فخرِ المملكة الأردنية الهاشمية تحت القيادة التوجيهية الحكيمة لجلالة ملكنا المحبوب ملك المملكة الأردنية الهاشمية عبد الله الثاني بن الحسين.

إنّ تدشين وتجديد كلِّ هيكلٍ يُشكِلُ في الحقيقة امتداداً لهيكلنا نحن الذي هو جسدنا كما يكرز ويعلِّم القديس بولس الرسول قائلاً: أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ (1كورنثوس 6: 19)

ونقول هذا لأن بيت العبادة أي كنيسه الله هو المكان حيث يُعَلَّم فيهِ ويُكرز بحروف وكلمات الكتب المقدسة إذ أن”كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِح”ٍ. (2 تيموثاوس 3: 16-17)

 ولهذا فإننا نشكرُ من أعماق قلوبنا سيادة رئيس أساقفة مادبا كيريوس ارستوفولوس والإخوة المحبوبون المعاونون لجنة وكلاء الكنيسة، وأيضاً نشكر الذين ساهموا في تشييد وإظهار هذا العمل المقدس من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى الذين تعبوا في تنظيم احتفالات تدشين كنيسة رقاد سيدتنا والدة الدائمة البتولية مريم.

 ختاماً نرى أنهُ من واجبنا أن تُعبِر أخوية القبر المقدس عن خالص شكرها وتقديرها لرعية مادبا التقيّة وللعامل في حقل الرب الذي لا يَملُ ولا يَكِلُ أخينا قدس الأب الأرشمندريت إينوكنديوس الذي من أخوية القبر المقدس هذا الأخ المميز في الأخوية الذي لهُ الفضلُ في جعل رعية الروم الأرثوذكس في مادبا مركزاً كنسياً روحياً ومنارةً علميةً، فحقٌ إنهُ “قَدْ وُضِعَ لِك إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِك فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبّ. (2 تم 4: 8)

وأيضاً ارتأينا أنه من الواجب أن نُعبِّرَ عن جزيل شكرنا لكم جميعاً من شرفتمونا وكرمتمونا بحضوركم في احتفال اليوم وبخاصة السلطات المحلية والمدنية والعسكرية والشرطة في مادبا. لتكن سنوكم سلاميةً عديدة

آمين

سيادة رئيس أساقفة مادبا الجديد كيريوس أرسطوفولوس أشاد بعمل ومسيرة وعطاء سابقه قدس الأرشمندريت أينوكيديوس وبدوره تعهد لمواصلة هذا العمل, وشدد على أهمية مشاركة الجوقة البيزنطية من اليونان لمواصلة تنمية الموسيقى البيزنطية الكنسية.

مكتب السكرتارية العام