1

البطريركية الأورشليمية تحتفل بعيد القديس ثيوذوسيوس

في يوم الثلاثاء 24 كانون الثاني 2017, احتفلت البطريركية والكنيسة الاورثوذكسية في الاراضي المقدسة بعيد القديس ثيوذوسيوس في الدير المكرّس له والمسمى على اسمه.
يعرف باللغة العربية أيضاً بدير دوسي وابن عبيد، ويقع الدير، بحسب التقليد، حيث استراح المجوس في طريق عودتهم بعد زيارتهم للمسيح الطفل في بيت لحم، على بعد حوالي عشر كيلومترات شرقي بيت ساحور، مدخل صحراء يهوذا، مبني على أطلال الدير الذي أسسه القديس ثيودوسيوس – عطا لله – عام ٤٦٥ م. وتظهر المغارة التي استراح فيها المجوس كأحد أهم أقسام الدير حتى اليوم.
بلغ الدير أوجه بين القرنين الخامس والسابع الميلادي حيث احتوى على أربع كنائس وكان عدد الرهبان الذين يعيشون داخل الدير ٧٠٠ بينما الذين يعيشون في المناسك حول الدير حوالي ٢٥٠٠ راهب وراهبة، يتسمون بالمحبة والطاعة والنسك والجهاد الروحي.

وبالإضافة إلى الكنيسة التي يقام فيها القداس الإلهي، كان هناك أيضاً مدرسة للاهوت ومشاغل وإسطبلات للحيوانات ومرافق أخرى. لكن تلك المرافق والأنشطة لم تدم طويلاً بسبب الهجمات الفارسية عام ٦١٤ م وذبح ٥٠٠٠ راهب. لكن الدير عاد للازدهار بين القرنين الحادي والثاني عشر، وفي العهد الصليبي بالقرن الخامس عشر تُرك الدير وأصبح ملاذاً للبدو من قبيلة ابن عبيد، ومن هنا جاءت التسمية.

في عام ١٨٨١ م، قام مدير مدرسة الصليب الكريم اللاهوتية – المصلبة – بشراء أطلال الدير من البدو، وعام ١٨٩٦ م قام بطريرك القدس آنذاك بوضع حجر الأساس للدير الجديد، وتم تدشين البناء الحالي عام ١٩٥٢ م.

سيادة رئيس أساقفة سبسطية كيريوس ثيودوسيوس (عطا الله) ترأس خدمة صلاة الغروب في هذا الدير التاريخي, وفي اليوم التالي أي صباح يوم العيد ترأس خدمة القداس الالهي في الدير غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يشاركه الوكيل البطريركي في بيت لحم سيادة المطران ثيوفيلاكتوس, سيادة متروبوليت االبصرى تيموثيوس, سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني أريسترخوس , سيادة رئيس أساقفة جبل طابور ميثوديوس , آباء وشمامسة من أخوية القبر المقدس, كهنة الرعية الاورثوذكسية في بيت لحم والمنطقة ومن الكنيسة اليونانية, وعدد كبير من المصلين من القرى المحيطة وحجاج من اليونان, قبرص, روسيا واوكرانيا. ورتل خدمة القداس الالهي المرتل الأول في كنيسة القيامة السيد قسطنطين بيروبولوس ورهبان دير القديس سابا.

 والقى غبطة البطريرك كلمة معايدة بهذه المناسبة :

 

إن البرية الجدباء بهطل دموعك أخصبت. وأتعابك الشاقة بتصعيد زفراتك أثمرت إلى مئة ضعفٍ. فأصبحتَ كوكباً للمسكونة يتلألأ بالعجائب يا أبانا البار سابا فتشفع إلى المسيح الاله في خلاص نفوسنا.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،

أيها الزوار المسيحيون الأتقياء،

لقد تلألأ بالعجائب أبينا البار ثيوذوسيوس الذي أخصبَ البرية وجعلها تثمرُ ثمراً روحياً وطبيعياً. قد جمعنا اليوم في هذا الدير المقدس المُشيّد على اسمه لكي نُكرّم تذكارهُ الموقر، فالقديس يوحنا اللاهوتي الإنجيلي في سفر الرؤيا يقول:” عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! عَادِلَةٌ وَحَقٌ هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ الْأمم (رؤيا 15: 3).

حقاً لقد سار أبينا البار ثيوذوسيوس في طريق الرب العادلة والمستقيمة فأضحى رئيساً للأديار، أي أنه هو الذي أدخل طريقة تنسك رهبان أخوية دير الشركة وليس هذا فقط بل قد صار معلماً للبرية أي مُرَبٍّ للحياة الروحية في المسيح لأولئك الذين تنسكوا على يدهِ كما يؤكد مرنم الكنيسة قائلاً: إلى كل الأرض خرج صوت أعمالك الباهرة أيها الأب البارُّ. فنلت بها في السماوات ثواب أتعابك. فإنك أفنَيْتَ مربعات الشياطين. ولحقت بطغمات الملائكة الذين غرت من سيرتهم. فماثلتهم في العيشة الغير الملُومة. فحصلت على الدالة لدى الربّ. فواصل الابتهال إليه من أجل نفوسنا.

حقاً أيها الإخوة الأحبة إن أبينا البار ثيوذوسيوس قد لحق بطغمات الملائكة لأنه غارَ من سيرتهم عدا عن هذا فإن كاتب سنكساره المقدس أي سيرة حياته يُدوّن الكثير من العجائب التي لا تُحصى التي اجترحها القديس زمان حياته الأرضية والرهبانية.

فقد اقتدى أبينا البار ثيوذوسيوس بالقديس يوحنا المعمدان سابق الرب فقد كان نموذجاً ومثالاً لهُ، ولاسيما أيضاً القديسين العظماء الذين نسكوا في محيط نهر الأردن وفي فلسطين عامةً أمثال القديس افثيميوس الكبير وسابا المتقدس ولا سيما القديس سمعان العامودي الناسك العظيم الذي كان في أنطاكيا. ويقول كيرلس اسكيثوبوليتس كاتب سيرته فيقول: إن ثيوذوسيوس الذي من كبادوكية قد كان مستوطن السماء فهو مجد فلسطين، وافتخار البرية، وعضد الرهبان، وجندياً محامياً عن العقائد القويمة، ومرشداً وحامياً للأديار ولقوانينها. فقبل أن يأتي إلى ههنا حيث هذا الموضع أعلى الجبل الذي أنشأ فيه هذا الدير المقدس، فالشيخ لونجينوس الذي كان من طغمة المُميزين أي ما يعرف اليوم بأخوية القبر المقدس، هذا الشيخ قد سلّمهُ إلى امرأة مغبوطة تقية اسمها إيكيليا، كانت تملكُ قلايةً صغيرة وكنيسة جلوس والدة الإله. حتى ذاع اسمه فانتُخبَ رئيساً على هذه الكنيسة من جميع رهبان كنيسة جلوس والدة الاله.

لقد تميّز أبينا البار ثيوذوسيوس بأنه مُستوطنٌ عظيمٌ لصحراء فلسطين وذلك لأنه سمع لأقوال المزمور أَمَّا رَحْمَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ عَلَى خَائِفِيهِ، وَعَدْلُهُ عَلَى بَنِي الْبَنِينَ، لِحَافِظِي عَهْدِهِ وَذَاكِرِي وَصَايَاهُ لِيَعْمَلُوهَا. (مز 102: 17-18)

إن وصايا الرب والتي علينا نحن أن نعمل بها ونحفظها أيها الإخوة الأحبة ليست بعسيرةٍ وشاقّةٍ إذ يقول الرب لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ (متى 11: 30)

إن حياة الإنسان هي وقتيةٌ وأما رحمة الرب فهي للأبد لأن الإِنْسَانُ مِثْلُ الْعُشْبِ أَيَّامُهُ. كَزَهَرِ الْحَقْلِ كَذلِكَ يُزْهِرُ. (مز 102: 15)

إنّ مخافة الرب هي شرطٌ ضروري حتى نحظى بمراحم الله وغنى لطفه الذي لا يُحصى إذ أن التفكر بوصايا الله والتذكر بها ليس كافياً بأن نحظى برحمة الله بل علينا أن نعيش ونعمل بالوصايا. وذلك لأن القديس بولس الرسول يقول أنتم الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ (غلاطية 3: 27)

فالمسيح الذين نحن مدعوون أن نلبسه ليس هو إلا آدم الجديد الذي بزغ ظاهراً من أبِ النور الإلهي الذي شهدَ لهُ نزول الروح القدس بهيئة حمامةٍ في مجاري نهر الأردن عند اعتماده من يوحنا. إن المسيح آدم الجديد النور الغير المخلوق. الذي سُمِعَ له الصوت وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ: أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. (مرقس 1: 11) قد لبسه أبينا البار ثيوذوسيوس.

يُكرز القديس بولس الرسول قائلاً: إن ربنا يسوع المسيح الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ. (1تيم 6: 16) إذ لا تستطيع العيون المائتة والفانية أن تتحمل رؤية المجد الإلهي. وذلك لأن الإنسان لا يقدر أن يرى وجه الله ويعيش. ولكن في الحياة الأخرى فإن المُنتقلين سيُعاينوه. كما يقول الرب طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ. (متى 5: 8)

لقد نجح أبينا البار ثيوذوسيوس الذي نُعيّد له اليوم في تنقية قلبه إذ أنه كما يقول المرتل: لقد كنت مماثلاً للبشر في الطبيعة أيها الأب ثيوذوسيوس ولكنك ظهرت مستوطناً مع الملائكة، لأنك عشت على الأرض كأنك بلا جسد أيها الحكيم وطرحت عنك اهتمامات الجسد لهذا فقد أصبحت مُشاركاً ومُعايناً للمجد الإلهي في ملكوت السماوات.

ختاماً نتضرع إلى أبينا البار ثيوذوسيوس لكي يتشفع فينا لدى إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي تأنس من دماء النقية الدائمة البتولية مريم ووُلد في مغارة بيت لحم واعتمد من يوحنا في نهر الأردن فلنمجدهُ يا إخوة مع المرنم قائلين: لقد وافت الاستنارة وظهرت النعمة وحضر الفداء واستنار العالم فيا شعوب امتلئوا فرحاً. آمين

مكتب السكرتارية العام