1

خدمة مدائح السيدة العذراء للاسبوع الاول من الصوم الاربعيني المقدس في كنيسة القيامة

ترأس غبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يوم الجمعة 15 آذار 2019 خدمة مدائح السيدة العذراء للاسبوع الاول من الصوم الاربعيني المقدس في كنيسة القيامة.

حضر غبطة البطريرك الى كنيسة القيامة من دار البطريركية بموكب بطريركي رسمي حسب بروتوكول البطريركية, يرافقه  لفيف من آباء اخوية القبر المقدس, بالاضافة الى القنصل اليوناني السيد خريستوس سفيانوبولوس. وحضر الخدمة عدد كبير من المصلين من البلاد وخارجها.
غبطة البطريرك قرأ الابيات الستة الاولى من خدمة المديح الذي لا يجلس فيه لوالدة الاله, وبعدها القى غبطته عظة روحية للمصلين بمناسبة هذا العيد الالهي كما تصفه كنيستنا المقدسه.

 

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة مدائح والدة الإله 

       إنّ الملاكَ المتُقدم أُرسِلَ منَ السماء ليقولَ لوالدةَ الإلهِ: افــــرحــي. فلما عاينكَ   يا رب متجسداً مع الصوت غير المتجسد ذهل ووقف صارخاً لها هكذا: افرحي يا من بها يشرق السرور. افرحي يا من بها تضمحل اللعنة. هذا ما يتفوهُ بهِ كاتب هذا النشيد اللاهوتي والذي يتحدث عن بشارة سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم وسر تأنس وتجسد كلمة الله ربنا يسوع المسيح الذي لا يسبر غورهُ الذي تمّ فيها بالروح القدس

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،

أيها المسيحيون الأتقياء،

       إنّ خدمة المديح الذّي لا يُجلس فيه “مدائِح الفائقة القداسة” يشكل ميزة في الصوم الأربعيني الكبير أي صوم الفصح أي عيد قيامة مُخلصنا يسوع المسيح. إنّ دفنَ ربنا يسوع المسيح ذو الثلاثة أيام وقيامته من بين الأموات تخص بالأساس طبيعَتُنا البشريّة التّي اتخذها مُخلصنا يسوع المسيح كما يَشهد بذلك القديس يوحنا الإنجيلي وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا (يوحنا14:1).

      إن سرَّ تَجسُد كلمة الله العظيم الذّي لا يوصَف لا يُشكل نظريّة فلسفيّة أو بدعةً بل حدثٌ وعملٌ لا شكَ فيه قد أخذ موقعاً وحيزاً في المكان والزّمان وذلك في شخص سيّدتنُا والدة الاله الدائمة البتولية مريم كما يشهد القديس لوقا الإنجيلي فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: «افرحي أَيَّتُهَا الممتلئة نعمة اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. (لو28:1ـ31)، فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟» فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. (لوقا 1: 34-35)

إن “افرحي يا ممتلئة نعمة” التي هتف بِهِا المْلاك جُبرائيل للعذراء مريم تحملُ مفهومين:

 أولاً: أنه من خلال صوت الملاك الغير المتجسد أي صوت الروح القدس، قد أوضح العذراء مريم إناءً للنعمة الإلهية، هذه النعمة الإلهية التّي خلصت البشريّة قاطبةً من الخطيئة وهكذا تجسّد في العذراء أقنوميّاً سيد الْكل المسيح كلمة الله.

 ثانياً: إن “افرحي” التي قالها الملاك تعني أنه قد أشرق في العالم فرح الخلاص وذلك لأنه قد اضمحلت اللعنة والتي قيدت آدم وحواء الجدين الأولين بقيود الموت والخطيئة كما يؤكد يوسف ناظم التسابيح إذ يقول: “افرحي “يا والدة الإله” يا مسكن الفرح والسرور الذي به تنحلُّ لعنةُ الأمِّ الأولى افرحي يا إصلاح آدم وتقويمهُ، افرحي يا من أماتت الجحيم”.

       إن القديس يوحنا الدمشقي يدعو جميع الأمم وكل جنس البشر أن يُكرموا ميلاد العذراء مريم والدة الإله وذلك لأن القديسة حنة قد ولدت للعالم كنز الخيرات أي الفائقة القداسة، لأنه بفضل العذراء وبتدخلها فإن الخالق قد أعاد جبل خليقته كلها للأفضل وذلك عبر طبيعة المسيح البشرية لأن كلمة الله صانع الكل قد اتحد بطبيعتنا البشرية وفي نفس الوقت اتحد مع كل الخليقة إذ أن الإنسان مخلوقٌ من العقل(الروح) والمادة إذ مرتبط هو بالخليقة المنظورة وغير المنظورة. وبما أن كلمة الله الخالق قد اتحد بطبيعة البشر فهو اتحد بالخليقة كلها.

وبكلام آخر إنه وبسبب والدة الإله الدائمة البتولية مريم فإن مبدع الخليقة أي الله الآب الذي خلق العالم كله قد أعاد صياغة كل الخليقة والطبيعة نحو الأفضل وذلك من خلال طبيعة المسيح البشرية التي أخذها من دماء الطاهرة الفائقة القداسة، فالإنسان هو مكون من مادة وعقل وهو يقف في منتصفهما ويشكل الإنسان الرابط ما بين الخليقة المنظورة وغير المنظورة، وبما أن كلمة الله قد لبس طبيعتنا البشرية واتحد بها فهو بهذا قد اتحد بالخليقة كلها المنظورة وغير المنظورة، العقلية والمادية.

       فها قد عرفنا لماذا تُعرف والدة الإله الدائمة البتولية مريم بأنها خليقة الله الممجدة بقدر ما هي على الأرض كذلك على السماء، لهذا فإن والدة الإله الدائمة البتولية مريم الفائقة كل البركات هي أكرم من ملائكة الشاروبيم وأرفع مجداً بغير قياسٍ من السيرافيم.

       إن هذا المديح المجيد الابتهالي والتضرعي للفائقة القداسة قد حُدِّدَ من الآباء القديسين ليُرَتل في فترة صوم الفصح المقدس وذلك لأن الفائقة القداسة هي وسيطتنا لدى الله.

       وبكلام آخر إن الفائقة القداسة هي التي تتشفع فينا كلنا لدى الله نحن البشر لأولئك الذين يدعونها وهذا لأن الفائقة القداسة قد أصبحت مشاركة لمجد ابنها وإلهها ربنا ومخلصنا يسوع المسيح من خلال سر التدبير الإلهي أي تجسد كلمة الله إذ يقول القديس بولس الرسول مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَ الله عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! (رومية 11: 33)

       إن محبة الله ورحمته التي لا تُحصى ومحبته للبشر التي لاتُعد تدعونا عبر كرازة القديس بولس الإلهي وبالأخص في فترة الصوم الأربعيني الكبير، لِمَعْرِفَةِ سِرِّ اللهِ الآبِ وَالْمَسِيحِ، الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ. (كول 2: 2-3)

       إن كنز الحكمة ومعرفة مخلصنا وإلهنا ليس هو إلا النور غير المخلوق لحقيقة الله الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ. (1تيم 2: 4)

       ختاماً نتضرع نحن أيها الإخوة الأحبة لإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح لكي بشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية الفائقة على كل البركات لكي يجعلنا مستحقين أن نجتاز ميدان الصوم الأربعيني الكبير وتوبةٍ حتى نبلغ قيامة مخلصنا يسوع المسيح المجيدة سامعين لأقوال مرتل الكنيسة التي تقول: قد أقبل الصيام ركن العفاف مبكّت الخطيئة ومساعد التوبة سيرة الملائكة وخلاص البشر فلنصرخ أيها المؤمنون يا إلهنا ارحمنا.

آمين

مكتب السكرتارية العام