1

الإحتفال بأحد الرسول توما في قانا الجليل

 

إحتفلت بلدة قانا الجليل (كفركنا) الواقعة في قضاء الناصرة يوم الاحد 5 أيار 2019, بعيد أحد الرسول وبتذكار عجيبة عرس قانا الجليل حوّل السيد المسيح الماء الى خمر. في هذا اليوم الذي نتذكر ظهور السيد الرب يسوع المسيح الثاني لتلاميذه بعد قيامته المجيدة, لكي يظهر للرسول توما الذي لم يكن حاضراً مع باقي التلاميذ عندما ظهر السيد الرب في المرة الاولى لتلاميذه بعد قيامته المجيدة من بين الأموات.

بهذه المناسبة اقيم في كنيسة دير قانا الجليل قداس احتفالي ترأسه غبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يشاركه بالخدمة السادة المطارنة كيريوس كيرياكوس متروبوليت الناصرة, كيريوس أريسترخوس رئيس أساقفة فسطنطيني السكرتير العام للبطريركية, كيريوس ميثوذيوس رئيس أساقفة طابور, متروبوليت الينوبوليس كيريوس يواكيم, رئيس دير قانا الجليل قدس الارشمندريت خريسوستوموس وعدد من آباء أخوية القبر المقدس ومن كهنة مطرانية الناصرة والمنطقة.

استقبلت فرقة الكشافة الاورثوذكسية غبطة البطريرك مع الوفد المرافق له وحشد كبير من أهالي بلدة قانا الجليل- كفركنا الذين خضروا خدمة القداس الالهي.

خلال القداس القى غبطته كلمة روحية :

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة الأحد الثاني من الفصح “أحد القديس الرسول توما”

 

 كلمة غبطة البطريرك  تعريب قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

                                                                        

هذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ. (يوحنا 2: 11)

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

أيها المسيحيون والزوار الأتقياء

     إن النور غير المخلوق، نور قيامة مخلصنا يسوع المسيح الذي لا يعروه مساءً قد جمعنا اليوم في هذا الموضع والمكان المقدس في قانا الجليل حيث صار عرس قانا الجليل وذلك لكي نُسبح ونُبارك ونُمجد المسيح القائم إلى الدهر. فمن جهةٍ كانت أُمُّ يَسُوعَ (يوحنا 2: 1) حاضرةً في هذا العرس، ومن جهةٍ أخرى دُعِيَ أَيْضًا يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى الْعُرْسِ (يوحنا 2: 2).

     إن حضور المسيح في عرس صديقه سِمْعَانَ الَّذِي يُدْعَى الْغَيُورَ. (لوقا 6: 15) قد حصل لسببين، أولاً: لكي يجعل الزواج سراً مقدساً ويحرر المرأة من لعنة الناموس الموسوي كما يُعلّم القديس كيرلس الإسكندري، إذ يقول: لقد تقدس الزواج المكرم واضمحلت اللعنة عن المرأة فلن تلد أبناءها بالأحزان فيما بعد فقد بارك المسيح بداية ولادتنا الذي هو الزواج. ثانياً: قام بتحويل الماء إلى خمر كما يشهد القديس يوحنا الإنجيلي فَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْمَاءَ الْمُتَحَوِّلَ خَمْرًا، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ، لكِنَّ الْخُدَّامَ الَّذِينَ كَانُوا قَدِ اسْتَقَوُا الْمَاءَ عَلِمُوا (يوحنا 2: 9).

     في هذا العرس أظهر يسوع لأول مرة مجده أي ألوهته، أي أظهر أنه كلمة الله الذي انحدر من السماوات إلى الأرض ولبس الطبيعة البشرية كما يلبس العريس لباس العرس. لهذا فإنه بالحقيقة تُدعى الطبيعة البشرية بالعروس والمسيح بالعريس بحسب القديس كيرلس الإسكندري.

     وبكلام آخر إن عرس قانا الجليل يُشكل صورة ومثال للعرس الروحاني ما بين المسيح العريس والعروس التي هي الكنيسة كما يشهد القديس يوحنا الإنجيلي في سفر الرؤيا. لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ! لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَاوَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ. وَقَالَ لِيَ: اكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ! وَقَالَ: هذِهِ هِيَ أَقْوَالُ اللهِ الصَّادِقَةُ. (رؤيا 19: 7-9). وبتوضيح أكثر أي لنفرح ونبتهج ونعطي المجد له وذلك لأنه قد حضرت ساعة عرس الحمل الروحي والدهري، فالعريس هو يسوع المسيح وامرأته الكنيسة العروس الروحية، فقد زينها وهيأها وخوّلها أن تلبس كتاناً براقاً نقياً خالصاً والذي يرمز إلى القداسة والفرح الملكي، وذلك لأن اللباس الكتاني وأعمال البر هي فضائل القديسين في الكنيسة الظافرة التي هي آوروشليم الجديد. وقال لي الملاك: طوبى للمدعوين إلى عشاء عرس الحمل الذين سيشتركون في الفرح والغبطة الأبدية. وقال لي: إن هذه الأقوال التي تؤكد غبطة المؤمنين، وذلك من خلال اتحادهم بالمسيح هي أقوالٌ صادقة وهي أقوال الله.

     وأما فيما يخص في عجيبة تحويل الماء إلى خمر فإن هذا لا يُشكل فقط ظهور لمجد يسوع بل أيضاً صورة ومثالاً للمشروب الجديد المدعوون نحن أن نشربه كما يقول مرنم الكنيسة: “هلمُّوا بنا نشرب مشروباً جديداً ليس مُستخرجاً بآية باهرة من صخرة صمّاء، لكنّه ينبوع عدم الفساد بفيضان المسيح من القبر الذي به نتشدّد”.

     فنحن أيها الإخوة الأحبة الذين نُدعى مسيحيين ونحمل اسم المسيح هذا الاسم الذي يفوق كُلِّ اسْمٍ (فيلبي 2: 9) فلنشرب هذا المشروب الجديد الذي يخرج ويدفق من قبر مخلصنا يسوع المسيح القابل للحياة. فقبر المسيح هو النبع الذي لا ينضب ونبع عدم الفساد، الذي يمنحنا تجديد قيامة مخلصنا المسيح.

     ويتبادر إلى ذهننا السؤال التالي: ما هو هذا المشروب الجديد؟ هو دم المسيح الكريم المحيي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا. (متى 26: 28) وهو مشاركتنا في العشاء الشكري لجسد ودم ربنا يسوع المسيح حيث نتذوق به مسبقاً الحياة الأبدية وقيامتنا العامة مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ (يوحنا 6: 54). ويُفسر القديس كيرلس الإسكندري: علينا أن نعجب بالإنجيلي يوحنا الذي قال: والكلمةُ صارَ جسداً (يوحنا 1: 14) فليس أن المسيح قد دخل في جسدٍ بل قد أصبح جسداً وذلك لكي يُظهر الاتحاد بين الطبيعتين (الإلهية والبشرية). وأيضاً بما يخص طبيعة المسيح، فالمسيح هو واحدٌ وهو مكون من طبيعتين وهذا الاتحاد قد تم بحالٍ لا يوصف يفوق العقل كيف أن كلمة الله قد اتحد بالجسد البشري.

     إن يسوع المسيح أيها الإخوة الأحبة وقيامته المجيدة يُشكلان حجر الأساس للإيمان المسيحي كما يُكرز القديس بولس الرسول فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ. (1كور 3: 11) وفي مكان آخر يقول وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ (1كور 15: 14).

     وعدا عن هذا فإن القديس الرسول توما التوأم يؤكد من خلال عدم تصديقه وعدم ايمانه بقيامة المسيح فقد صار عدم الإيمان هذا تأكيداً للإيمان بقيامة المسيح كما يشهد بذلك الإنجيلي يوحنا ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا. أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُ: رَبِّي وَإِلهِي! قَالَ لَهُ يَسُوعُ: لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا. (يوحنا 20: 27-29)

     إن فصحنا المسيح قد اتضح لنا اليوم فصحاً شريفاً. فصحاً جديداً مقدساً. فصحاً سرياً. فصحاً فاتحاً لنا أبواب الفردوس. هذا ما يقوله مرنم الكنيسة، وهذا لأننا في هذا اليوم الذي هو الأحد الثاني من الفصح نُعيّد لتجديد قيامة المسيح.

     إن هذا التجديد أيها الإخوة الأحبة يخص تحررنا في المسيح من موت الخطيئة والفساد وبطبيعتنا البشرية التي اتخذها المسيح والتي ألهها بقيامته حتى تستطيع أن تُساهم في نهار ملك الرب الذي لا يغرب أبداً وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي (متى 26: 29)

     ختاماً نتضرع إلى أم إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الفائقة البركات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم، ومع العريس والرسول سمعان القانوني لكي يتشفعا من أجلنا لمخلصنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات حتى يؤهلنا ويجعلنا مستحقين أن نُساهم في عشاء ملكوت السماوات.

المسيح قام…..حقاً قام

بعد خدمة القداس اعد الأرشمندريت خريسوستوموس رئيس الدير مأدبة غذاء على شرف صاحب الغبطة والوفد المرافق له وأهالي الرعية, وعلى مائدة المحبة ألقى غبطة البطريرك الكلمة التالية:

 كلمة غبطة البطريرك تعريب قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

                                                               

أيها المسيح الفصح الأجل الأمثل. يا حكمة الله وكلمته وقوته. أنعم علينا أن نساهمك بأوفر حقيقة في نهار ملكك الذي لا يغرب أبداً. هذا ما يتفوه به مرنم العيد الفصحي.

     إن عيد اليوم عرس قانا الجليل هو أيضاً عيد هذه المدينة التاريخية العريقة والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاختصاص الروحي لبطريركية الروم الأرثوذكس الآوروشليمية. ومن الجدير بالذكر أن شعب قانا بمسلميه ومسيحييه يحيون ويتعايشون سويةً بوفقٍ ووئامٍ وبترابطٍ وتعاضدٍ اجتماعي.

     ونحن شخصياً قد أتيحت لنا القدرة والفرصة المباركة لكي نخدم كرئيسٍ وراعٍ روحيٍ في هذا المزار المقدس، وفي الحقيقة إن خدمتنا ههنا قد تركت في نفوسنا الأثر الكبير وجعلتنا مرتبطين بهذا المكان وبأهله وناسه ومن يعيش في هذا المكان المقدس.

     إن لقائنا اليوم معاً ليس هو مجرد لقاءٍ رعوي بل له مكانة وأهمية خاصة لدينا، وذلك لأن من الموجودين ههنا من الجيل الجديد الذي أعرفه جيداً وبالطبع دون أن أغفل عن ذكر الهامات من جيل القدماء، فالجيل الجديد هذا قد تغذى ونما من نبع الرومية ومن نبع الآباء والأجداد.

     فعلينا أن نعترف بأن بطريركية الروم الأرثوذكس هي تلك التي حافظت وتحافظ على مر العصور على قدسية ورفعة مكانة قانا عالمياً من جهة ومن الجهة الأخرى فإن البطريركية تُشكل الضمان للمحافظة على الهوية الدينية والتقليدية للمسيحيين الذين يعيشون ههنا.

     إن عيد فصح اليوم يُشكل دليلاً صادقاً وشهادةً حية على هذا الحدث ولهذا نختم حديثنا بقول القديس يوحنا الدمشقي مرنم الكنيسة قائلاً: اليوم يوم القيامة فسبيلنا أن نتلألأ بالموسم. ونصافح بعضنا بعضاً. ولنقل يا إخوة. ونصفح لمبغضينا عن كل شيء في القيامة. ونهتف هكذا قائلين: المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور. 

مكتب السكرتارية العام