1

الإحتفال بعيد القديس البار أونوفريوس في البطريركية

 

فوق تلة صخرية قبالة بركة سلوان في القدس يقع دير القديس اونوفريوس التاريخي الذي يعود بناءه الى القرن الخامس للميلاد ، حيث عاش القديس اونوفريوس المصري الناسك والكهف الذي عاش فيه تحول بعدئذ الى كنيسة وبني فوقها دير تعيش فيه اليوم راهبات ناسكات, وفي هذا الموضع  اشترى الكهنة الفريسيون حقلاُ بالثلاثين قطعة من الفضة التي طرحها يهوذا الإسخريوطي في الهيكل، وقد خصصّوها لكي تكون مقبرة للغرباء (متى 27: 7). هذه القطعة من الأرض التي اشتريت بثمن الدم، والتي كانت المكان الذي فيه شنق يهوذا نفسه، سميت بحق بناء على ذلك حقل الدم (متى 27: 8 وأعمال 1: 19)

صباح يوم ألثلاثاء الموافق 25 حزيران 2019 أُقيم قداس إحتفالي في هذا الدير التاريخي بمناسبة عيد القديس اونوفريوس وهو العيد السنوي للدير ترأسه غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يشاركة أصحاب السيادة رئيس أساقفة قسطنطيني أريسرخوس, متروبوليت ألينوبوليس يواكيم, آباء من أخوية القبر المقدس من كهنة وشمامسة وآباء من مطرانية باترا من الكنيسة اليونانية, بحضور عدد من المصلين المحليين وزوار من الخارج.

بعد القداس الالهي أُقيمت صلاة النياحة عن روح مُؤسس الدير الراهب كيرلس وبانية الدير الحديث الراقدة الراهبة سيرافيما, وأعدت رئيسة الدير الراهبة باييسيا مائدة محبة بمناسبة عيد الدير السنوي.

القديس اونوفريوس

هو ابن ملك الفرس. إثر ولادته التي حصلت بعد سنين طويلة من الصلاة, تلقّى والده إعلاناً إلهياً أن يعمّده باسم أونوفريوس وإن يقتاده, على الأثر, إلى دير في مصر مكرّساً لخدمة الله. في الطريق, أرضعته ظبية واستمرّت تُرضعه إلى سنّ الثالثة. في هذه الشركة المثالية نشأ الولد على مخافة الله ومحبّة الوصايا كُلَّها. كان يحلم بالاقتداء بإيليا النبي ويوحنا المعمدان. أرشده ملاكه الحارس إلى مغارة كان يعيش فيها ناسك من أصل يهودي اسمه هرمياس. هذا أطلعه, خلال أيّام, على طريقة عيش النساك ثمّ أخذه إلى موضع جهاده, بقرب نخلة وينبوع ماء صافية. مذ ذاك جعل يفتقده مرّة في السنة إلى أن رقد.

في هذا المكان خاض القدّيس أونوفوريوس, على امتداد سبعين سنة, حرباً لا هوادة فيها ضدّ الطبيعة وضعف الجسد والشياطين. كابد الحرّ اللاهب وصقيع الليل والشتاء والجوع والأمراض ليحظى بالخيرات الموعود بها من الله للذين يحبّونه.

بعد هذه الحياة الملائكية التي عاشها قديس الله, رقد بالرّب بسلام, بعد أن صلّى وتمدّد على الأرض حيث منّ الله عليه بمعرفة ساعة انتقاله. فقد أضاء وجهه وفاح الطيب في المكان. إثر انتقاله, جاء أسدان وحفرا خندقاً لجسده, حيث وضعه فيه كاتب سيرته القدّيس البار بفنوتيوس الذي كان وحيداً مع القدّيس أونوفريوس وعاين ساعة رُقادهِ المهيبة.

 

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس أبينا البار أونوفريوس

كلمة البطريرك تعريب قدس الأب الايكونومومس يوسف الهودلي

                                 

     لقد رغبت في معاينة عذوبة رغبات الربّ. ومناجاته رأساً على انفرادٍ. يا أنوفريوس الأب البارُّ المتوشح بالله. فغادرت العالمَ فاراً منهُ. وأقمت في البراري والجبال. وإذ كنت لابساً المسيح لم تهتمَّ باللباس الحسّي. بل استعضت عنه بلباس الخلود وعدم البلى. وبه دخلت إلى الخدر السماوي تبتهج إلى الأبد. هذا ما يتفوه به مرنم الكنيسة

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،

أيها الزوار المسيحيون الأتقياء،

     إن ذكرى أبينا البار أونوفريوس قد جمعنا كلنا اليوم في هذا الدير المقدس التاريخي الذي يحمل اسمه، في هذا الموضع المقدس “حقل الفَخِّاري” (متى 27: 10) والمعروف بحقل الدم لكي نحتفل مُعيدين لتذكاره المقدس.

     إن مرتل الكنيسة يدعو أبينا البار أونوفريوس الذي من مصر بأنه متوطن البرية والصائر ملاكاً بالجسد وصانعاً للعجائب شافياً المرضى ونفوس الذين يلتجئون إليه عن إيمانٍ. حقاً إن أبينا البار أونوفريوس قد ظهر معاشراً للملائكة والأبرار والصديقين، لهذا فقد نال إكليل البر الذي أعده له المسيح كما يقول بولس الرسول: قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا. (2تيم 4: 7-8)

     إن أبينا البار اونوفريوس قد أحب المسيح جداً لدرجة أنه عندما سمع بسيرة وحياة الرجال العظماء ورجال الله الغيورين أمثال النبي إيليا ويوحنا المعمدان، خرج إلى البرية وعاش هناك لمدة ستين عاماً لم ينظر فيها وجه إنسان مطلقاً، كما يقول كاتب سيرته، وبحسب شهادة بفنوتيوس العظيم الذي قابل البار أونوفريوس في عمق الصحراء عندما تلقى إلهاماً إلهياً بأن يدخل البرية الداخلية ليرى رجال الله ويحظى ببركتهم وقد كشف له البار أن الله قد أوفده لكي يهتم بأمر دفنه لأن الوقت قد حان ليغادر إلى وطنه السماوي، وقد كان مظهره عجيباً وغريباً فقد كان عارياً يغطيه الشعر الأبيض كالثلج.

     لهذا فإن مرنّم الكنيسة يقول:” فغادرت العالمَ فاراً منهُ. وأقمت في البراري والجبال. وإذ كنت لابساً المسيح لم تهتمَّ باللباس الحسّي. بل استعضت عنه بلباس الخلود وعدم البلى. وبه دخلت إلى الخدر السماوي تبتهج إلى الأبد.

     وما هو ثوب الخلود وعدم الفساد الذي كان يهدف إليه البار ويتوقى إليه؟ إنها نعمة الروح القدس روح المسيح والذي كان بولس العظيم يكرّز بها قائلاً: لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ (غلاطية 3: 27) وفي مكان آخر يقول أَنَّ كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟ (رومية 6: 3-4)

     إن هذه الحياة الجديدة التي نسلك فيها أي طريق إنجيل المسيح قد صار على خطاها أبينا البار أونوفريوس، فطريق إنجيل المسيح ليس هو إلا طريق عدم الفساد والحياة الأبدية كما نسمع من مرنم الكنيسة الذي يقول: لقد كرست ذهنك للذي قدّم ذاته على الصليب ذبيحة من أجلنا، لهذا فقد جعلك وارثاً ومساهماً لمجده. وأيضاً: لقد حولت نفسك إلى هيكل بهي بفضائلك أيها البار فإنك تشِعُّ بالنور الإلهي على الدوام.

     لقد أصبح أبينا البار أونوفريوس وارثاً لمجد ابن وكلمة الله الآب ليس فقط بسبب قوة إيمانه بل أيضاً بسبب جهاداته النسكية القاسية وبالطبع بمعونة الروح القدس كما يكرّز بولس الرسول قائلاً: اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ. فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ. (رومية 8: 16-17) وبكلام آخر نصبح وارثين مجد المسيح إذا تحملنا وتألمنا معه لكي نتمجّد معه.

     إن كنيستنا المقدسة تصنع تذكار قدّيسيها كأبينا البار أونوفريوس ليس من أجل تذكارات وأفراح عالمية وأحداث تاريخية شخصية بل من أجل شهادة من استوطن السماوات كما يقول بولس الرسول وَكَنِيسَةُ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي السَّمَاوَاتِ، وَإِلَى اللهِ دَيَّانِ الْجَمِيعِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ، (عبرانيين 12: 23).

     إننا مدعوون أيها الإخوة الأحباء أن نحيا مع هذه الشهادة محدقين لشخص أبينا البار أونوفريوس من جهة وسامعين لأقوال القديس بولس الرسول من جهة أخرى الذي يقول فيها: أَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ. (عبرانيين 13: 14).

     وهذا يعني أن الذي يحمل اسم مخلصنا يسوع المسيح عليه أن يجاهد دوماً وأن يصلي باستمرار مصغياً لوصية ربنا في سفر الرؤية التي يقول فيها كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ. (رؤيا2: 10) وبكلام آخر إننا نحن ننتمي إلى جسد المسيح السرّي أي الكنيسة ولا يجب أن نهمل واجباتنا الروحية ولا أن ننشغل بالاهتمامات العالمية، وذلك لأن الموت الروحي يبقى خطراً يواجهنا. وهذا ما يؤكد عليه القديس البار غريغوريوس السينائي مفسّراً أقوال القديس بولس وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا. (1 كور 12:27) وأيضاً جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ (أفسس 4:4-5). إذ يقول كما أن الجسد بدون روح هو ميت هكذا فإن الذي يهمل وصايا الرب يموت روحياً ولا يقوى على النهوض ويصبح غير فعَّال ومظلم ولا ينيره الروح القدس ولا نعمة المسيح.

     ولأننا نحن أيها الأخوة قد صرنا بالمعمودية المقدسة أَبْنَاءُ نُورٍ وَأَبْنَاءُ نَهَارٍ. (1 تسالونيكي 5:5) فعلينا ألا ننام نوم الإهمال وعدم الانتباه كما يتجاهل الآخرون المسيح، بل علينا أن نكون ساهرين ومتيقظين وممسكين بحسب وصية القديس بولس الرسول فَلاَ نَنَمْ إِذًا كَالْبَاقِينَ، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ. (1 تسالونيكي 6:5).

     علينا أن نقتدي بيقظة وإمساك وصوم وسهر والصلاة المستمرة لمن نكرمه اليوم أبينا البار أونوفريوس وأبينا البار بطرس الآثوسي ومع المرتل نهتف ونقول: لقد تشرّبت في قلبك النور العقلي السماوي يا أنوفريوس المغبوط. فأصبحت مقراً للثالوث القدوس الطاهر. والآن فقد أُحصيت مع الملائكة تهتف: هللويا.

     فبشفاعات والدة الإله الدائمة البتولية مريم أيها الرب يسوع المسيح خلص نفوسنا.

مكتب السكرتارية العام