ألإحتفال بعيد النبي أيليا التسبيتي (مار الياس) في البطريركية

 

إحتفلت البطريركية الاورشليمية يوم الجمعة الموافق 2 آب 2019 بعيد النبي ايليا واقيمت خدمة القداس الالهي بهذه المناسبة في دير النبي ايليا الواقع على الطريق ما بين القدس وبيت لحم.
هذه الكنيسة القديمة مبنية في المكان الذي هرب اليه النبي ايليا من وجه الملك آخاب وزوجته ايزابيل اللذان ارادا ان يقتلانه بعدما سمع الله صلاته وتحدا ايليا انباء البعل وانزل ناراً من السماء واكلت ذبيحة التقدمة التي قدمها على جبل الكرمل.

“وأخبر أخآب إيزابل بكل ما عمل إيليا، وكيف أنه قتل جميع الأنبياء بالسيف
فأرسلت إيزابل رسولا إلى إيليا تقول: هكذا تفعل الآلهة وهكذا تزيد، إن لم أجعل نفسك كنفس واحد منهم في نحو هذا الوقت غدا
فلما رأى ذلك قام ومضى لأجل نفسه، وأتى إلى بئر سبع التي ليهوذا وترك غلامه هناك
ثم سار في البرية مسيرة يوم، حتى أتى وجلس تحت رتمة وطلب الموت لنفسه، وقال: قد كفى الآن يارب. خذ نفسي لأنني لست خيرا من آبائي
واضطجع ونام تحت الرتمة. وإذا بملاك قد مسه وقال: قم وكل فتطلع وإذا كعكة رضف وكوز ماء عند رأسه، فأكل وشرب ثم رجع فاضطجع
ثم عاد ملاك الرب ثانية فمسه وقال: قم وكل، لأن المسافة كثيرة عليك
فقام وأكل وشرب، وسار بقوة تلك الأكلة أربعين نهارا وأربعين ليلة إلى جبل الله حوريب .ودخل هناك المغارة وبات فيها. وكان كلام الرب إليه يقول: ما لك ههنا يا إيليا”
(سفر الملوك الاول اللاصحاح التاسع عشر)

ترأس خدمة صلاة غروب العيد سيادة رئيس أساقفة نهر الأردن ثيوفيلاكتوس, فيما ترأس خدمة القداس الالهي الإحتفالي غبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يشاركة في الخدمة سيادة رئيس أٍساقفة قسطنطيني اريسترخوس السكرتير العام للبطريركية, سيادة رئيس أٍاقفة بيلا فيلومينوس, سيادة متروبوليت إلينوبوليس يواكيم, كهنة كتدرائية يعقوب اخو الرب, قدس الأرشمندريت إغناطيوس وقدس الأرشمندريت ميلاتيوس  وعدد من المصلين المحليين من القدس وبيت لحم بالاضافة الى الزوار من الخارج. وقاد السيد ريمون قمر جوقة كنيسة القديس يعقوب أخو الرب.

بعد القداس استضاف رئيس الدير الارشمندريت باييسوس الحضور في قاعة الدير وأعد مأدبة طعام على شرف غبطة البطريرك والوفد المرافق له.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس النبي إيليا التسبيّ 2/8/2019  

كلمة البطريرك تعريب قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا.“(يع 5: 17-18)

أيها الأخوة المحبوبون بالرب يسوع المسيح،

أيها الزوار المسيحيون الأتقياء،

     إنّ النعمة الإلهية قد جمعتنا اليوم في هذا المكان التاريخي المقدس والمرتبط بالقديس النبي إيليا لكي نكرم لتذكار عيده السنوي.

     لا يتميز القديس النبي إيليا فقط بسبب مكانته ورتبته النبوية بل أيضاً لغيرته الإلهية وحياته ونسكه الشديدين في البرية ورسالته التي قاوم وحارب فيها عبادة الأوثان والتي تبعها شعب التوحيد الإلهي الأخلاقي أي أتباع الديانة الموسوية. لهذا فقد كانت قوة الصلاة هي سلاح إيليا في رسالته كما يخص بالذكر القديس يعقوب الرسول في رسالته.

     إن الصلاة العقلية والمستمرة هي الميزة لأنبياء العهد القديم التي نجحوا من خلالها أن يتذوقوا خبرة التأله أي معاينة مجد الله كما حصل تماماً مع التلاميذ والأنبياء الذين كانوا موجودين على جبل طابور في يوم تجلي إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح.

     إن خبرة التأله أو معاينة مجد الله يُبَرهَن عليها من خلال معاينة النور الإلهي غير المخلوق ومن خلال سماع صوت كلمة الله كما يقول القديس سمعان اللاهوتي الجديد: ما رآه الأنبياء هو ما سمعوه، وما سمعه الأنبياء من كلام الرب هو ما رأوه. وبحسب النبي داؤود فإن الأنبياء دَعَوْا الرَّبَّ وَهُوَ اسْتَجَابَ لَهُمْ. بِعَمُودِ السَّحَابِ كَلَّمَهُمْ. حَفِظُوا شَهَادَاتِهِ وَالْفَرِيضَةَ الَّتِي أَعْطَاهُمْ. أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، أَنْتَ اسْتَجَبْتَ لَهُمْ. إِلهًا غَفُورًا كُنْتَ لَهُمْ، وَمُنْتَقِمًا عَلَى أَفْعَالِهِمْ. (مز 98: 6-8)

     ومن الجدير بالذكر أن النبي الحقيقي يتميز عن النبي الكذاب بأن النبي الحقيقي له خبرة الإله الحي أي الإله الذي كشف عن ذاته، وليس إله الفلسفة الفكرية أو المنطق والعقل البشري. إن النبي الحقيقي هو صدّيق الله والذي يقول عنه صاحب المزمور نُورٌ قَدْ أَشرَقَ لِلصِّدِّيقِ، وَفَرَحٌ لِلْمُسْتَقِيمِي الْقَلْبِ (مزمور96: 11) ويشرح القديس كيرلس الاسكندري هذه الأقوال: النور قد أشرقَ أي قد بزغَ أما في الإنسان الصالح والبار فإن النور الإلهي يُشرق على الدوام في قلبه وعقله.

     هذا هو النور الإلهي العقلي، نور الثالوث القدوس، الذي أشرق في ذهن وقلب إيليا وأوضحهُ أداةً لإرادة الله ولمشيئتهِ وكارزاً لحقيقة ديانة التوحيد الإلهي الأخلاقي. هذه الديانة التي كانت تُحارب ويُضَيق عليها في عصره من ديانة عبادة الأوثان والتي هي عبارة عن مجموعة من المعتقدات المختلفة كالسحر والشعوذة والخرافات وتعدد الآلهة.

     وبكلام آخر إن رسالة إيليا النبوية قد تمثلت بمحاربة الأنبياء الكذبة من جهة والمناداة والكرازة بالإله الحي الحقيقي من جهة أخرى. وهذا ما فعله إيليا ليس فقط من خلال كلامه النبوي ولكن أيضاً من خلال برهانه بالعلامات والعجائب والتي نخص بالذكر ما تميز فيها على جبل الكرمل فبعد أن صلى واستدعى الإله الحي، نزلت نارٌ من السماء فأكلت المحرقة وثور الذبيحة المسائية كما يذكر الكتاب المقدس وصرخ إِيلِيَّا النَّبِيَّ نحو السماء وَقَالَ: «أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ويعقوب، استجب لي اليوم بنارٍ ولِيُعْلَمِ هذا الشعب كله أَنَّكَ أَنْتَ وحدك الرب إله إِسْرَائِيلَ، وَأَنِّي أَنَا عَبْدُكَ. فَهبطت نَارٌ من لدن الرَّبِّ من السماء وَأَكَلَتِ الْمُحْرَقَةَ، فخرَّ جَمِيعُ الشَّعْب عَلَى وُجُوهِهِمْ وَقَالُوا: «إن الرَّبُّ الإله هُوَ الإله حقاً! (3ملوك 18: 35-39)  

     ويتحدث القديس غريغوريوس بالاماس عن مواهب الأنبياء قائلاً: إن الأنبياء يعلمون بمشيئة الله وإرادته الموجودة عنده منذ الأزل قبل الدهور وقبل أن تتحقق.

     وبكلام آخر يوضح القديس غريغوريوس بالاماس بأن أنبياء العهد القديم قد عاينوا كلمة الله قبل تجسده وفي نفس الوقت قد تنبأوا عن تأنس المسيح وتجسده وعاينوا كلمة الله متجسداً ومولوداً من فتاة عذراء في زمن محدد.

     إن هذه الخبرة كانت لدى القديس النبي إيليا الذي كان حاضراً على جبل طابور عند تجلي يسوع المسيح، كما يشهد الإنجيلي (متى 17: 1-9) (مرقس 9: 2-9). وكما يؤكد بوضوح مرنم الكنيسة قائلاً: لقد أصبح التسبيُّ معايناً لله. فأبصر مع موسى ما لم ترَهُ عينٌ ولم تسمع بهِ أذنٌ. ولا خطر على قلب أحدٍ من بني البشر الأرضيّين. فإنه أبصر على جبل طابور الرب الضابط الكل المتجسّد.

     لقد أصبح التسبيّ معايناً لله أي أصبح نبيُّنا إيليا مشاركاً ومساهماً في مجد الله، ودخل إلى مجمع مختاري أبناء الله وأحبابه الذين أصبحوا مواطني الكنيسة السماوية قَدْ أَتَيْتُمْ …. إلى كَنِيسَةُ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي السَّمَاوَاتِ، وَإِلَى اللهِ دَيَّانِ الْجَمِيعِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ، (عب 12: 22-23) كما يقول القديس بولس الرسول.

     وهذا يعني أن إيليا التسبيّ له دالة عظيمة لدى الله لهذا فإن الله يسمع له كما يؤكد بذلك مرنم الكنيسة إذ يقول: أيها النبي إيليا نعلم أنك إناءٌ مملوءٌ بالروح الإلهي وملاكٌ أرضي مملوءٌ بنار الغيرة الإلهية موبخاً الملوك وماسحاً الأنبياء وذابحاً بالسيف كهنة الخزي. لهذا فإن كنيستنا الموقرة تُكرم بوقارٍ وإجلالٍ ذكراه الموقرة.

     فنحن أيها الإخوة الأحبة فلنتمثل بغيرته الإلهية العظيمة وإيمانه الثابت غير المتزعزع متضرعين إليه لكي بصلواته ينقذنا من كل حزنٍ ومن كل مرضٍ جسدي ونفسي ومن كل سهام الشرير المتطايرة علينا.

آمين

كل عام وأنتم بخير

مكتب السكرتارية العام