1

الإحتفال بعيد ميلاد والدة الإله السيدة العذراء في بيت جالا

إحتفلت الرعية الأورثوذكسية في بلدة بيت جالا الواقعة قرب مدينة بيت لحم يوم الأحد الموافق 22 أيلول 2019 بعيد ميلاد والدة الإله السيدة العذراء في كنيسة ميلاد السيدة, وفي هذا اليوم نكرم الفائقة قدسها السيدة العذراء التي أصبحت فيما بعد والدة الاله بعد حلول الروح القدس عليها وحملت في احشائها ابن الله يسوع المسيح المخلص.

غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث ترأس خدمة القداس الالهي الإحتفالي يشاركة بالخدمة سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس, سيادة رئيس أساقفة نهر الأردن كيريوس ثيوفيلاكتوس الوكيل البطريركي في بيت لحم, قدس الأرشمندريت إغناطيوس الرئيس الروحي في بيت جالا, قدس الأرشمندريت أيرونيموس, الآباء الأجلاء المناوبون في الكنيسة قدس الأب جوارجيوس, قدس الأب يوسف, قدس الأب بولس, قدس الأب الياس, المتقدم في الشمامسة الأب ماركوس والشماس الأب إفلوغيوس. وحضر القداس ابناء الرعية الأورثوذكسية في بيت جالا والمنطقة والقنصل السيدة كاترينا تزيما, ورتلت جوقة الكنيسة التراتيل باللغتين العربية واليونانية.

غبطة البطريرك خلال القداس القى كلمة امام المصلين:

يقول القديس اندراوس الكريتي مرنم الكنيسة: اليوم تحرر آدم، وحواء ترقص طرباً، ونحن نهتف بالروح نحوكِ يا والدة الإله لقد نجونا بكِ من اللعنة القديمة ومنكِ ظهر المسيح.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

أيها المسيحيون الأتقياء

     إن نعمة الروح القدس وقوة العليّ التي ظلّلت مريم العذراء الطاهرة قد جمعتنا اليوم في هذه الكنيسة المقدسة لكي نُعيّد بفرحٍ ونسجد بإيمانٍ لميلادها المقدس والذي تم بحسب الوعد والتي بها نجونا من اللعنة القديمة بالمسيح آدم الجديد الذي ظهر ووُلد فيها.

     لقد تنبأ الأنبياء والقديسون قديماً بولادة العذراء مريم والدة الإله وبالأخص النبي أشعياء العظيم الصوت قائلاً: وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ. (أشعياء 7: 14)

     إن ابن العذراء ليس هو إلا شمس البر آدم الجديد، المسيح مخلص العالم والذي خلصنا من اللعنة وموت الفساد كما يؤكد بذلك بوضوح مرنم الكنيسة: ميلادُكِ يا والدة الإله بشَّرَ وأنذر بالفرح لكل المسكونة. لأنه منك أشرق شمس العدل المسيح إلهنا حلَّ اللعنة ووهب البركة وأبطل الموت وأعطانا حياة أبدية.

     لقد اشترانا المسيح من ناموس العهد القديم من اللعنة ومن الفساد والموت كما يكرز القديس بولس الرسول قائلاً: اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ (غلاطية 3: 13)

     ويُفسر القديس أثناسيوس هذه الأقوال: بأن المسيح قد صار لعنةً وذلك لأنه قبل الموت الذي هو نتيجة اللعنة التي حملها جنس البشر من اليوم الذي نُفي فيه من الفردوس.

     لهذا فإن ميلاد والدة الإله قد بشّر وأنذر بالفرح لكل المسكونة كما يقول المرتل وربما يتساءل أحدٌ ما قائلاً: ما هو هذا الفرح؟ هو ذلك الحدث العالمي والتاريخي أي مولد والدة الإله من والديها الباريَّن يواكيم وحنة الذي بشر وأنذر بثلاث أشياء:

أولاً: المسيح الذي هو ملئ واتمام الناموس الموسوي والأنبياء.

ثانياً: الاتحاد الذي تم في الروح القدس ومن دماء البتول العذراء النقية بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية في شخص المسيح.

ثالثاً: ظهور الحقيقة في المسيح.

     ولنسمع ما يتفوه به القديس سرجيوس القدسي هاتفاً إذ يقول: اليوم تولد أم إلهنا. والعالم يتجدد معها. هي تولَد الآن والكنيسة تتسربل حُلل البهاء. فإنها الهيكل المقدس ومستودع اللاهوت وركن البكارة والخدر الملوكيُّ. وبها تمّ سر الاتحاد الغريب بين الطبيعتين في المسيح. 

     إن والدة الإله العذراء الفائقة على كل البركات هي الشخص المثالي والفريد في العالم الذي يغبطها جميع البشر وذلك بحسب قولها هي وشهادة القديس لوقا الإنجيلي فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، (لوقا 1: 46-48)

     وهذا لأن العذراء مريم الفائقة القداسة قد صارت من جهةٍ أسمى من كل الخليقة وذلك لأنها حملت في أحشائها الخالق متجسداً، ومن جهةٍ أخرى أصبحت كنزاً لحياتنا نحن البشر وبوابة النور الذي لا يُدنى منه. بحسب مرتل الكنيسة.

     حقاً أيها الإخوة الأحبة إن مريم العذراء عروس الله قد صارت باب النور الذي لا يُدنى منه وذلك لأنها اقتبلت في أحشائها نار الألوهة كما يؤكد لاهوتياً بدقة مرنم الكنيسة قائلاً: إن العليقة الملتهبة بالنار في الجبل، والأتون الكلدانيّ المندَّى قد سبقا فرسماكِ يا عروسة الله رسماً واضحاً. فإنك قد اقتلبت في الجوف الهيولي نار اللاهوت الغير الهيولية بلا احتراقٍ. فلذلك نصرخ إلى المولود منكِ قائلين مباركٌ أنت يا الله إله آبائنا.

     إن عيد اليوم عيد ميلاد سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم الفائقة القداسة ليس هو مجرد عيد فرحٍ وابتهاجٍ فقط بل هو أيضاً عيد فداء وخلاص جنس البشر من طائلة الزلات كما يورد في قنداق هذا العيد: إن يواكيم وحنة تخلصا من عار العقرة وآدم وحواء قد تحررا من بلى الموت بمولودك المقدس يا طاهرة فله يُعيّد شعبك لتخلّصه به من طائلة الزلات صارخاً أن العاقر ولدت والدة الإله مغذّية حياتنا.

     إن ربنا ومخلصنا يسوع المسيح في عظته على الجبل يذكر بشكل خاص عن الدينونة إذ يقول: قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ. (متى 5: 21) وأما القديس بولس الرسول فهو يتحدث عن نتائج آلام المسيح وموته قائلاً: اشْتَرَكَ “المسيح” مع آلام البشر لِكَيْ يُبِطل بِموْتِه ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتق أُولئِكَ الَّذِينَ­ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ­ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ. (عبرانيين 2: 15-14).

     وبكلام آخر إن الشيطان هو الذي غرر وحرّك الجدين الأولين نحو الخطيئة التي جلبت الموت، حيث أن الشيطان قد أغوى الناس وقادهم نحو الخطيئة والتي توصف أنها تملك سلطان الموت فبموت المسيح قد أبطل سلطان موت الخطيئة الذي يسود عليه سلطان الموت أي ابليس.

     وعندما نقول ونذكر كلمة موت، لا نقصد فقط الموت الروحي “أي ابتعاد الإنسان عن الله” بل أيضاً الموت الجسدي الذي يتبع الموت الروحي.

     إن نوعيّ الموت هذين “أي الموت الروحي والموت الجسدي” يبعثان الخوف ويشكلان الاثم الذي يشلُ الإنسان نفسياً وذلك لأنه مهدد بالموت الصارم.

     إن تجسد المسيح كلمة الله وتأنسه والتي تمت عندما أخذ جبلتنا أي طبيعتنا البشرية من دماء الطاهرة النقية والدة الإله لذلك فقد ألغى وأبطل زلاتنا وآثامنا وخوفنا من عبودية الموت.

     فالإنسان لا يشعر بعد ذلك بأنه مذنب وأثيم وذلك لأن الله يُظهر حبه لنا من أعماقه وذلك لأنه ونحن ما نزال خطاة قد مات المسيح لأجلنا كما يؤكد بولس الرسول.

     فها اليوم لماذا تحتفل وتفرح بابتهاج كنيسة المسيح وها لماذا نغبط العذراء مريم والدة الإله باستمرارٍ دون توقف، هلموا إذن أيها الإخوة الأحبة فلنهتف مع المرتل ونقول: إن البكارة مستحيلة على الأمهات. كما أن الولادة مستحيلة على العذارى. ولكن فيك يا والدة الإله قد تم بتدبير الله وجود كلا الأمرين. فلذلك لا ننفك نحن قبائل الأرض جميعاً نطوبك.

فتشفعي يا والدة الإله الكلية القداسة إلى ابنك وإلهنا من أجل الجميع.

كل عام وأنتم بخير

وعلى مائدة المحبة بعد القداس الالهي القى غبطة البطريرك الخطاب التالي:

هُوَذَا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعًا! (مزمور 132: 1)

سعادة قنصل اليونان وسعادة قنصل قبرص المحترمين

الآباء الأجلاء

الإخوة المحبوبون في المسيح

إن نعمة والدة الإله الفائقة البركات قد أهلتنا اليوم كهنةً وشعباً أن نُعيّد سوياً بشكرٍ وابتهاج وحبور في هذه الذكرى العطرة في يوم تجديد العالم من جهةٍ وبهاء الكنيسة من جهةٍ أخرى أي ميلاد العذراء مريم.

تفرح وتبتهج كنيستنا المقدسة اليوم إذ كما يهتف المرتل قائلاً: اليوم تولد أم الحياة فتقشع الظلام وهي إعادة جبلة آدم ودعوة حواء وينبوع عدم الفساد والعتق من البلى التي بها تألهنا ونجونا من الموت.

إن أقوال القديس سرجيوس القدسي الملهمة من الله تصف ما يقوله بولس الرسول وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ، (أفسس 3: 18)والتي فيها يكمن سر التدبير الإلهي أي كنيستنا المقدسة. التي هي جسد المسيح السري والذي بحسب القديس بولس الرسول نحن أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ. (أفسس 5: 30).

وإن ما يُعرف بأن كنيسة آوروشليم المعروفة ببطريركية الروم الأرثوذكس مع أخوية القبر المقدس يُشكلون الضمان على الحضور المسيحي على مر الدهور والعصور من جهة وضمان منشأ الحضور المسيحي وهويتهِ من جهةٍ أخرى.

نقول هذا لأن الشباب المسيحي يواجه الكثير من العقبات والمشاكل المتنوعة ومن أبرزها مسألة الهوية والمنشأ وهذه الظاهرة التي صارت تعرفها في هذه الأيام الرعايا المسيحية جيداً لهذا فقد بدأت حملات يقظة وتوعية لمعرفة ما هي أصولنا وما هي جذورنا وماهي هويتنا.

إن بطريركية الروم الأرثوذكس لم تتوقف يوماً قط عن الاهتمام بالرعية وبالأخص من أجل أبناءها الشباب.

ونقول إن الحوار الذي يحل المشاكل العالقة هو حوار محبة المسيح وليست التناقضات والمشاحنات السياسية العامة. إن الناس في جميع مراكزهم الاجتماعية ومناحي حياتهم ومهما علا شأنهم فهم يأتون ويذهبون وذلك لأنهم يخضعون لناموس الموت والفساد.

ولكن مؤسسة البطريركية والكنيسة لا يخضعون لناموس الموت والفساد لأنهم مبنيون على دماء صليب البار أي المسيح، لهذا السبب فإن كنيستنا الأرثوذكسية المقدسة تعيّد لهذا الحدث العالمي، حدث ميلاد شخص الفائقة البركات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم أم الله. تُعيد كنيستنا ميلاد العذراء أي إلغاء الموت والفساد من جهة وعطية الحياة الأبدية الإلهية في المسيح من جهة أخرى كما يؤكد بوضوح مرنم الكنيسة: ميلادُكِ يا والدة الإله بشَّرَ وأنذر بالفرح لكل المسكونة. لأنه منك أشرق شمس العدل المسيح إلهنا حلَّ اللعنة ووهب البركة وأبطل الموت وأعطانا حياة أبدية.

   مكتب السكرتارية العام