1

غبطة البطريرك يترأس خدمة القداس الالهي في كنيسة القديس موسى الحبشي في بلدة رافيدا

ترأس غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث صباح يوم الأحد الموافق 20 تشرين أول 2019 خدمة القداس الالهي في كنيسة القديس موسى الحبشي القديمة في بلدة رافيدا في نابلس, والتي تبعد مسافة قصيرة عن دير بئر يعقوب حيث تحدث السيد المسيح مع المرأة السامرية.

حسب سنكسار الكنيسة عاش القديس موسى الحبشي في أثيوبيا في القرن الرابع ميلادي وحياته كانت مليئة بالشرور, وكان لصاً فنهب وسطا وقتل, كان ضخم الجثّة جبّاراً وصار رئيس عصابة. جاء يوم سمع فيه صوتاً يدعوه إلى البرّيّة، إلى رهبان برّيّة شيهيت الذين ذاع خبرهم في ذلك الزّمان, فتاب وإعتمد وسلك في الرهبنة وأسس ديراً وعاش حياة الجهاد الروحي  وبقدر ما كان موسى مقبلاً، في ماضيه، على الشّرّ، صار مقبلاً، في حاضره، على التّوبة والجهاد, وأرشد كثيرين الى طريق الخلاص والتوبة حتى لأشخاص عاشروه حياة السرقة في الماضي. إستشهد وهو في سن السبعين.

أقيمت خدمة القداس الالهي إحتفالاً بإستكمال ترميم الكنيسة بتمويل من السلطة الفلسطينية, وحضر ممثلون عن السلطة الفلسطينية السيد فوزي خوري رئيس اللجنة الرئاسية لشؤون الكنائس, سكرتيرة اللجنة السيدة أميره حنانية, ممثل محافظ نابلس, سفير السلطة الفلسطينية في الفاتيكان السيد عيسى قسايسه وغيرهم من مسؤولي الدوائر الحكومية.

شارك غبطة البطريرك في خدمة القداس الالهي سيادة متروبوليت الناصرة كيريوس كيرياكوس, سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس السكرتير العان للبطريركية, الرئيس الروحي في رافيدا الأرشمندريت ليونديوس, الرئيس الروحي في دير بئر يعقوب الأرشمندريت يوستينيوس, الأرشمندريت بورفيريوس, قدس الأب عيسى مصلح الناطق الإعلامي للبطريركية, والمتقدم في الشمامسة الأب ماركوس. ورتلت الصلاة باللغتين العربية واليونانية.

والقى غبطة البطريركية عظة روحية لأبناء الرعية في هذه المناسبة المباركة:

كلمة البطريرك: تعريب قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

     يكرِزُ القديس بطر س الرسول قائلاً:” لاَيَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ. (2 بط 3: 9)

            الإخوة المحبوبون في المسيح،

            أيها الزوار الأتقياء،

     مباركٌ الربُ إلهنا الذي أهلّنا اليوم أن نأتي إلى مدينتكم الرائعة رفيديا لكي نُعيّد سويةً لتذكار أبينا البار موسى الحبشي والذي تمَّ الانتهاء مؤخراً من تجديد كنيستهِ القديمة المُشيدة على اسمهِ.

     ينحدرُ المغبوط موسى من الحبشة، وقد عاش في القرن الرابع الميلادي وكان عبداً مملوكاً لشيخ قبيلة تعبد الشّمس. طرده سيِّده لكثرة شروره وبطشهِ وسوء سلوكهِ. ومنذ ذلك الحين أسلم نفسه لحياة الرذيلة فنهب وسطا وقتل. وأقام نفسه رئيساً على اللصوص وصار بما يُعرف برئيسُ العصابة.

     وفي أحد الأيام وعلى أثر توبةٍ مفاجئة، توجه إلى ديرٍ في البرية العربية كما يذكر كاتِبُ سيرته بلاذيوس أسقف هلينوبوليس قائلاً: لقد كان زعيمُ اللصوص هذا يذرف الدمع سخياً وبعدما تأكدوا من صدق توبتهِ دخل الدير وعزم على التوبة الحقيقية. وقد حورب بشدة من تجارب عديدة في الدير ولكي يحاربها، ضاعف أصوامهُ وصلواتهِ وسهرهِ وكل طرق التوبة. وقد كان تلاميذهُ الروحيين كثيرين وأحيانا كانوا ممن رافقوه في الخطيئة وكانوا لصوصاً، هؤلاء عندما وعظهم القديس وحرك قلوبهم تابوا وترهّبوا وتمثلوا بحياتهِ النسكية في البرية.  هكذا أكمل البار موسى سعيه وكان في الخامسة والسّبعين من عمرهِ أي في أواخر القرن الرابع الميلادي أي سنة 400 ب.م وقد قُتِل من البربر، وقد تنبأ البار موسى بمقتلهِ قائلاً:” لكي يتمّ فيّ قول السّيّد المسيح مَن يأخذ بالسّيف بالسّيف يُؤخذ (متّى ٥٢:٢٦).

     إنّ كنيستنا المقدسة تُكرِمُ بشكل خاص ذكرى هذا القديس، وذلك لأنه سمع لأقوال المسيح الذي يقول:مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا.” (يوحنا 6: 37):”لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ (متى9: 13). إن أقوال الرب هذه في الإنجيل تؤكد أن قوة التوبة عظيمةٌ جداً وهي قادرة أن تقود الإنسان التائب إلى حقيقة ونور ربنا وإلهنا كما يقول المزمور: أَرْسِلْ نُورَكَ وَحَقَّكَ، هُمَا يَهْدِيَانِنِي وَيَأْتِيَانِ بِي إِلَى جَبَلِ قُدْسِكَ وَإِلَى مَسَاكِنِكَ فَآتِي إِلَى مَذْبَحِ اللهِ (مز 42: 3 -4).

ويفسر ثيوذوتيوس كيرو أقوال المزمور هذه قائلاً:

إنّ مساكن الله هي الكنيسة التي نجتمعُ بها، أما جبل قدسه فهي آوروشليم والبر وخلاص مخلصنا المسيح الظاهر هو النور والحقيقة.

       حقاً أيها الإخوة الأحبة إن أبينا البار موسى لم يتبْ فقط لكي يتوجه إلى وحقيقة ونور المسيح بل قد صار أكثر من ذلك، إذ أصبح كاهناً خادماً لمذبح الله. إن هذا الحدث يُظهر عمقَ وعرض التوبة التي تنبع من محبة الله لجنس البشر الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ. (1تيم 2: 4) فها هو السبب الذي لأجله قال القديس بولس “إِن اللهُ أَعْطَى الأُمَمَ أَيْضًا التَّوْبَةَ لِلْحَيَاةِ” (أعمال 11: 18).

        وبكلام آخر إن الله لا يقبل توبة الخاطئ فقط بخاصية محبته للبشر، بل أيضاً يعمل في التائب بقوة نعمته. فإن الله هو الذي يحوّل القلوب الحجرية إلى قلوب لحمية، وهو الذي يوقظ الضمائر من سباتها العميق هاتفاً وقائلاً: “اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ». (أفسس 5: 14). والله ينهض مشيئة وإرادة الإنسان الخاطئ لكي يطلب رحمته، فالتوبة هي هدية وعطية الله وعلى الإنسان أن يقبلها بإرادة حرة ومستقلة كما يؤكد بذلك القديس يوحنا السلمي قائلاً: إن التوبة هي تعهدٌ للهِ بحياة ثانية أي اتفاق مع الله لحياة جديدة.

     إن هذا ما فعله حقاً أبينا البار موسى كما يذكر البار زوسيماس في تعاليمهِ عن البار موسى قائلاً:” حقاً!! ألم يكن أولاً أبينا البار موسى زعيمَ لصوصٍ؟!! ألم يفعل شراً هذا مقداره؟!! ألم يطرده سيّدهُ بسبب شرهِ وسوء تصرفه؟!! ولكن لأنه أسلّم ذاتَهُ بشجاعةٍ لجهاداتٍ عظيمة بإرادة ورغبةٍ حارة، فإننا نعلمُ جميعاً إلى أي مقياس من الفضيلة وصلَ، حتى إنه وبحسب كاتب سيرته فإنه يؤكد أنه قد أحصي مع عبيد الله المختارين.

وقد قيل فيه بالحق أن قَلبَهُ، أي قلب، أبينا البار موسى أصبح مسكناً طاهراً للروح القدس كما يؤكد مرنم الكنيسة قائلاً: لقد تلألأت بالعمل والثاوريا أيها البار الكلي الغبطة فأصبح قلبك مسكناً للروح القدس أيها المغبوط.

      وقد نجح أبينا البار موسى وذلك بسبب النعمة الإلهية من جهةٍ، ومن الجهة الأخرى بسبب محبته الكبيرة وإرادته الحرة المستقلة وعزمه الثابت في قرارهِ. ولنسمع ما يقوله أب الكنيسة العظيم القديس غريغوريوس النيصص بخصوص موضوع المشيئة وأهميتها، إذ يقول: إن المشيئة والإرادة لا يستطيع أحد أن يستعبدها أو يخضعها لأن لها قوةٌ وهذه القوة توجد في حرية عقولنا وتفكيرنا. وهذا يعني أننا لا نستطيع أن نفكر مطلقاً أن الله هو سبب الشر أو أنه علة خطيئة الانسان. فالله لا يجربنا فهو نبع كل صلاح وخير ونبعُ كل موهبة كاملة كما يعلّم القديس يعقوب أخو الرب قائلاً: لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا. وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. (يعقوب 1: 13-14).

     تَعرِضُ لنا كنيستنا المقدسة أبينا البار موسى ليس فقط كمثال للتوبة لكي نقتدي نحن به، بل أيضاً مثالاً لقوة الإرادة أي المشيئة حتى نستطيع أن نرتفع عن الخطايا ونمارس العفة والامساك وضبط أهوائنا عن طريق الصوم والصلاة وأيضاً عن طريق تحويل أفكارنا نحو ما يفوق العقل والقول.

ونتضرع إلى من أُحصيَ مع جوق القديسين وبشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم أن يتشفعوا إلى المسيح إلهنا لكي يمنحنا الرحمة العظمى وتجديد نفوسنا وأجسادنا.

آمين

ومن هنا، من الباب الملوكي نودُ أن نُعبر عن شكرنا الحار من أعماق قلوبنا لكل الذين عملوا من أجل تجديد هذه الكنيسة الرعوية التاريخية، كنيسة القديس موسى الحبشي وبالأخص نوجه شكرنا إلى رئيس اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس الدكتور رمزي خوري المحترم ممثل سيادة رئيس دولة فلسطين السيد محمود عباس أبو مازن الجزيل الاحترام ضارعين إلى العلي القدير أن يمنحه الصحة وموفور العافية وطول العمر وكل بركة وقوة في حكمه.  لتكن سنوه عديدةً.

وقدم غبطة البطريرك للسيد فوزي خوري أيقونة العذراء الأورشليمية وقلّد الأرشمندريت ليونديوس صليباً كهنوتياً.

 

خطاب صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث على مأدبة المحبة  

كلمة البطريرك: تعريب قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

 

أُخَبِّرُ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي، وَفِي وَسَطِ الْكَنِيسَةِ أُسَبِّحُكَ. (عبرانيين 2: 12)

سعادة الدكتور رمزي خوري ممثل سيادة رئيس دولة فلسطين السيد محمود عباس أبو مازن الجزيل الاحترام

السادة أعضاء لجنة وكلاء كنيسة رفيديا المحترمين

الآباء الأجلاء والحضور الكريم كلٌ باسمه مع حفظ الألقاب والمسميات

    

     نمجد الرب إلهنا الذي أهلنا اليوم في هذا القداس الإلهي أي الاجتماع الشكري الإلهي مباركين فيه تجديد الكنيسة التاريخية الصغيرة لأبينا البار موسى الحبشي والذي تم الانتهاء من تجديدها قبل ثلاثة أيام.

     إن تجديد هذه الكنيسة الصغيرة لا يدل فقط إلى قيمته المعمارية البسيطة بل بالأكثر يدل على الشهادة الحية الصادقة على الحضور المسيحي على مر العصور وعلى الإرث الرسولي ولا سيما العصور القديمة لحضور كنيسة المسيح الأولى والتي نعني بها بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية.

     إن مدينتكم رفيديا الفائقة الجمال المتطورة الحضارية لها أهمية كبيرة وذلك لأنها تندرج ضمن الإطار الثقافي والتاريخي الواسع في الكتب المقدسة فيما يتعلق بمدينة نابلس مع أهمية بئر يعقوب وأصل القديسة فوتيني منها أي المرأة السامرية.

     إن اهتمام السلطة الفلسطينية بتجديد هذه الكنيسة وبيوت العبادة بدون التمييز بين الرعايا الدينية والطوائف المسيحية، فهذا يشكل دليلاً واضحاً على التعايش والاحترام والانسجام بين المجتمعات الدينية من جهة والمعاملة المتساوية بالمثل فيما بينهم من جهة أخرى.

     إن بطريركية الروم الأرثوذكس ستبقى أمينة وثابتة على رسالتها الإلهية مستمرة في خدمتها، هذه الخدمة والتي هي الحفاظ على المزارات والأماكن المقدسة ورعاية رعاياها وحماية المكانة الدينية والثقافية للمدينة المقدسة.   

     وإنني أنتهز هذه المناسبة لكي أعبر لكم عن شكرنا الحار من أعماق قلوبنا لرئيس لجنة وكلاء الكنيسة وأعضاء اللجنة المحترمين ولرئيس دير بئر يعقوب قدس الأب الأرشمندريت يوستينوس ولراعيكم الروحي قدس الأب الأرشمندريت ليونديوس وبالأخص لممثل رئيس دولة فلسطين محمود عباس أبو مازن السيد الدكتور رمزي خوري المحترم وعن نشاطه ومساهماته المعروف عنها من قبل الجميع.

     ختاماً نتضرع إلى الله أن يمنح الصحة وينعم على رعيتنا بالنجاح دوماً ويبارك أعمالها المرضية لله.

آمين

مكتب السكرتارية العام