1

الإحتفال بتذكار نقل رفات القديس جوارجيوس اللابس الظفر الى مدينة اللد

إحتفلت البطريركية الأورشليمية والكنيسة الأورثوذكسية في الأراضي المقدسة يوم السبت الموافق 16 تشرين ثاني 2019 بتذكار نقل رفات القديس العظيم في الشهداء جوارجيوس اللابس الظفر من روما مكان إستشهاده الى مدينة اللد مسقط رأس والدته في فلسطين , حيث أمر الإمبراطور ديوكلتيانس بقطع رأسه في القرن الرابع ميلادي, فقام خادمه سقراطيس بنقل جثمانه من مكان استشهاده إلى مدينة اللد وعمل خادمه على إخفاه جثمانه إلى حين تمّ نقل جسده الطاهر من مكان استشهاده إلى مدينة اللد في فلسطين سنة 323م، ووضع في الكنيسة التي شيدها على إسمه هناك الإمبراطور قسطنطين الكبير ( 274 ـ 337 ).  يُعتبر القديس جاورجيوس من أبرز قديسي الكنيسة وأقربهم إلى عواطف المؤمنين وأكثرهم شهرة وشيوعاً في الإكرام الذي يُقَدِّمه له عامة الناس . يتسمّى المؤمنون باسمه أكثر من أي اسم لقديس آخر كما أن العديد من الكنائس والأديرة والمدن سُمِّيَت باسمه واتّخذته شفيعاً لها. 

أقيمت خدمة القداس الالهي في كنيسة القديس جواجيوس في مدينة اللد  التي فيها يوجد قبر القديس, وترأس خدمة القداس الالهي غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث وشاركه في الخدمة سيادة رئيس أساقفة يافا كيريوس ذماسكينوس, سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس السكرتير العام للبطريركية, متروبوليت فيلوميلو كيريوس ايليا وآباء من أخوية القبر المقدس وبمشاركة حشد كبير من المصلين من داخل البلاد وخارجها. وحضر أيضاً ممثلو السفارة اليونانية في إسرائيل وممثلو سفارات صربيا, إنجلترا, روسيا وجورجيا.

غبطة البطريرك القى عظة روحية في هذه المناسبة:

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث

تعريب: الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

يكرز القديس يوحنا الإنجيلي حاثاً المؤمنين بيسوع المسيح قائلاً: سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِوَسَيَفْعَلُونَ هذَا بِكُمْ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الآبَ وَلاَ عَرَفُونِي. (يوحنا 16: 2-3)

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

أيها الزوار الأتقياء

إن ذكرى تدشين هذه الكنيسة “التي تحمل اسم القديس العظيم في الشهداء جاورجيوس اللابس الظفر في مدينتكم التاريخية التي ورد ذكرها في الكتب المقدسة مدينة اللد حيث جرى إلى ههنا نقل رفاته الطاهرة المكرمة”، قد جمعتنا اليوم لكي نرفع الشكر والتمجيد إلى ربنا وإلهنا شمس البر الحقيقي كلمة الله الذي مجّدَ شهيد المحبة جاورجيوس.

لقد صار القديس جاورجيوس من الشهداء العظام لمحبة المسيح مشاركاً باستشهاده المسيح في دماءه الخلاصية على الصليب وصائراً بذلك في سحابة شهداء الكنيسة.

إننا نذكر الكنيسة وذلك لأن رسالة الكنيسة في العالم ومهمتها هي كمال الإنسان في المسيح، هذا الكمال هو هدف ورجاء أصدقاء المسيح ولا سيما شهداءه، وهذا لأن المسيح كلمة الله هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ.(رؤيا 21: 6) أي بمعنى آخر “خلاص الإنسان” الذي هو إرادة الله ومشيئته الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ. (1تيم 2: 4).

لقد وُلد جاورجيوس من أبوين مسيحيين تقيين إذ أن أبيه هو من كبادوكية وأمه فلسطينية. وقد ترعرع على الإيمان وتقوى الله أي الإيمان بالمسيح فمن جهة كان يطلب بشدة أن يُقبل إلى المعرفة الحقيقية، ومن الجهة الأخرى كان شوقه إلى السماء وإلى المدينة العتيدة سامعاً لأقوال بولس الرسول: لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ. (عبرانيين 13: 14) وأيضاً فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ. (فيلبي 3: 20). وهذا لأن ذهنه قد استنار بنور انجيل مجد المسيح (2كور 4: 4). وقد اشتهر جاورجيوس الضابط الكبير في الجيش الروماني بشجاعته وقد استبان جاورجيوس مقاوماً لقرار الإمبراطور ديكلتيانوس مضطهد المسيحيين الفظيع، فأعلن جاورجيوس بكل جرأةٍ وشجاعة بأنه مسيحي معلناً إيمانه بالمسيح الإله رباً ومخلصاً وأنه ابن الله.

وبكلام آخر أيها الإخوة الأحبة لقد شجب وأدان القديس جاورجيوس الغش وخداع الآلهة الأوثان الكاذبة وأيضاً وبّخَ كثرة ديانات الأباطرة الرومانيين المتعددة الذين كانوا يُألهون ذواتهم طالبين من الناس المطيعين لهم أن يعبدوهم هم. لهذا فقد ظهر جاورجيوس شاهداً أميناً لحقيقة المسيح ولحرية الإنسان من أجل تحررهم من عبادات الأوثان الشيطانية كما يقول داؤود النبي لأَنَّ الرَّبَّ عَظِيمٌ وَحَمِيدٌ جِدًّا، مَهُوبٌ هُوَ عَلَى كُلِّ الآلِهَةِلأَنَّ كُلَّ آلِهَةِ الشُّعُوبِ أَصْنَامٌ، أَمَّا الرَّبُّ فَقَدْ صَنَعَ السَّمَاوَاتِ. (مزمور 95: 4-5)

إن عيد القديس جاورجيوس الذي نكرمه اليوم لا يخص فقط زمان ومكان حياة القديس وعمله بل أيضاً بالأخص في هذا العصر الحالي الذي يحيا فيه البشر في هذا العالم. والذي يقول عن العالم القديس يوحنا الإنجيلي: نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ، وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِوَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. (1 يوحنا 5: 19-20) ويكمل قائلاً: أَيُّهَا الأَوْلاَدُ احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الأَصْنَامِ.(1 يوحنا 5: 21) أي احترسوا من الضلال ومن عبادة الأوثان.

إن صراحة القديس جاورجيوس وجرأة إيمانه بالمسيح المصلوب والقائم من بين الأموات وغيرته الحارة على تعاليم إنجيل المسيح، تُعلن أنه قد حصل شهيداً ومدافعاً عن البر في المسيح كما يكرز القديس بولس الرسول لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ، لإِيمَانٍ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا (رومية 1: 17)

لقد حصل على هذا البر الإلهي جاورجيوس اللابس الظفر فقد صار متمثلاً بالمسيح بالقول والفعل سامعاً لكرازة القديس بولس رسول الأمم كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ. (1كور 11: 1) ومن الجدير بالذكر أن الرسول بولس نفسه قد ختم كرازته وعمله الرسولي باستشهاده الدموي في روما من أجل محبة المسيح.

إن شهداء كنيسة المسيح يشكلون جوقة ومصاف الكنيسة المختارة وذلك لأنهم باعترافهم باسم المسيح بأنه الإله الحقيقي قد بدلوا مجد هذا العالم الفاني الذي يزول شكله (1كور 7: 31) بمجد ربنا يسوع المسيح الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ. (فيلبي 3: 21)

ويُفسر هذه الأقوال القديس ثيوذوريتوس قائلاً: سنحمل في أجسادنا مجد المسيح ونكون على شكل جسد المسيح إذ سيُمجد أجسادنا بنورٍ بهي لا بحسب الكمية بل بحسب النوعية. وبشكل أوضح إن أجساد القديسين الشهداء ستتغير وتتحول من أجساد فانية إلى أجساد لا تفسد ولا تبلى، ومن لا مجدٍ إلى مجد بحسب زيغافوروس.

فهذا هو السبب الذي لأجله ناظم تسابيح القديس جاورجيوس يهتف قائلاً: لقد أطفأت بسواقي دمائك لهيب الضلالة أيها المجاهد الظافر جاورجيوس المغبوط. وحطمت بأس الحكام المَرَدة ووقاحتهم إلى النهاية ومجدت المسيح فنلت اكليل الحياة والخلود من يمين العليّ.     

إننا نحن اليوم الذين نكرم ذكرى القديس العظيم في الشهداء جاورجيوس الكارز بالحقيقة والعاضد والناصر الفقراء وطبيب المرضى نتضرع إليه لكي يتشفع فينا إلى إلهنا من أجل سلام ورحمة نفوسنا وسلام منطقتنا المعذبة وأيضا نتضرع إلى سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم لكي بشفاعاتها إلى ابنها وإلهها ربنا ومخلصنا يسوع المسيح أن يُوجه خطواتنا إلى ميناء الخلاص وإلى النور الذي لا يغيب لكي يُنير نفوسنا بشفاعات الشهداء القديسين ولا سيما القديس جاورجيوس العظيم اللابس الظفر. 

آمين

بعد القداس إستضاف الرئيس الروحي للكنيسة الأرشمندريت نيقوذيموس غبطة البطريرك مع الأساقفة والآباء والحضور في قاعة الكنيسة, تلاها مأدبة غذاء في نادي الرعية.

مكتب السكرتارية العام