1

الإحتفال بعيد القديس الشهيد فيلومينوس أخويّ القبر المقدس

 

احتفلت البطريركية ألاورثوذكسية ألاورشليمية يوم ألجمعة الموافق 29 تشرين ثاني 2019 بعيد القديس فيلومينوس أخويّ القبر المقدس في كنيسة بئر يعقوب في مدينة نابلس. وُلد القديس فيلومينوس في قبرص ثم إلتحق بأخوية القبر المقدس, وبصفته متوحداً كان يغار من اسلوب حياة آباء الكنيسة القديسين المتوشحين بالله، فكان دقيقاً في المواظبة على الصلوات على انفراد وعلى المراسيم في الكنيسة، وعلى العفة والصوم والفقر. وإذ دُعي إلى رتبة الكهنوت من قبل ام الكنائس اقتبل ذلك وظهر نفسه مدبراً اميناً لأسرار المسيح في مختلف الخدمات المزارية والرعوية الموكلة إليه.

استشهد على يد رجل متطرف يهودي عندما كان يقوم بخدمة صلاة العصر المعتادة ويتواجد في كنيسة البئر في عصر السادس عشر شرقي الموافق التاسع والعشرين غربي من شهر تشرين الثاني من السنة الميلادية 1979، حيث هجم عليه هذا الرجل بعنف وفتح شقاً عميقاً في جبهته ببلطة وقطع أصابع يده اليمنى. وإذ هرب القى قنبلة يدوية وقضى عليه.
وقد تركت القنبلة اليدوية دماراً في الكنيسة كما تركت دماءه آثارا وبقعاً منظورة حتى اليوم على جدران كنيسة البئر لذكرى أبدية لاستشهاده، مُكللّة حياته البارة. فكما كانت حياته كان موته اعتراف إيمان بالمسيح يسوع.

سنة 2009 اصدر المجمع المقدس للكنيسة ألاورشليمية قراراً لادراجه في سنسكار قديسي الكنيسة ألاورشليمية والكنيسة ألاورثوذكسية بعد ثلاثين عاماً من استشهاده واصبح القديس الشهيد في الكهنة فيلومينوس, ويُحتفل بعيده في يوم استشهاده في السادس عشر من شهر تشرين الثاني شرقي الموافق التاسع والعشرين تشرين الثاني غربي.

ترأس غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث خدمة القداس الالهي بهذه المناسبة في كنيسة القديسة فوتيني في دير بئر يعقوب الذي يرأسه قدس ألارشمندريت يوستينيوس, وشارك صاحب الغبطة في الخدمة أصحاب السيادة المطارنة كيريوس كيرياكوس متروبوليت الناصرة, كيريوس أريسترخوس رئيس أساقفة قسطنطيني السكرتير العان للبطريركية, كيريوس ثيوفيلاكتوس رئيس أساقفة نهر الأردن الوكيل البطريركي في بيت لحم, كيريوس يواكيم متروبوليت إلينوبوليس آباء من أخوية القبر المقدس من ارشمندريتيين ورهبان وكهنة الرعية الأورثوذكسية. وحضر الخدمة عدد كبير من المصلين من مدينة نابلس والمدن المجاورة, ومصلين من روسيا, رومانيا, واليونان,  الذين جاءوا للتبارك من ذخائر القديس الموجودة في الكنيسة.

بعد القداس اعد رئيس الدير الارشمندريت يوستينيوس مائدة غذاء على شرف صاحب الغبطة والآباء والحضور.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس الشهيد في الكهنة فيلومينوس الذي من أخوية القبر المقدس 

كلمة البطريرك تعريب “قدس الاب الإيكونوموس يوسف الهودلي

يقول صاحب المزمور أَرْسِلْ نُورَكَ وَحَقَّكَ، هُمَا يَهْدِيَانِنِي وَيَأْتِيَانِ بِي إِلَى جَبَلِ قُدْسِكَ وَإِلَى مَسَاكِنِكَ.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

أيها المسيحيون والزوار الأتقياء

     إن نعمة الروح القدس قد جمعتنا اليوم في هذا المكان والموضع المقدس عند بئر رئيس الآباء يعقوب حيث قال ربنا يسوع المسيح للمرأة السامرية اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا (يوحنا 4: 24) لكي نكرم تذكار شهيد كنيسة آوروشليم الجديد القديس فيلومينوس الذي من أخوية القبر المقدس.

     إن نور وحقيقة المسيح قد قادت الشاب فيلومينوس من موطنه المقدس “جزيرة قبرص” إلى الجبل المقدس وإلى مساكن كلمة الله التي هي مدينة آوروشليم المقدسة حيث انضم إلى طغمة رهبان أخوية القبر المقدس وذلك لخدمة المزارات المقدسة هذه المزارات التي تشهد على آلام صليب رئيس إيماننا (عبرانيين 12: 2) ومنبع حياتنا. (أعمال 3: 15)

     وقد تم تعيين الكاهن المتوحد فيلومينوس في خدمة الدير المركزي في البطريركية وأيضاً في مختلف القرى والمدن وقد عمل بجدٍ رعوياً وبدالةٍ كبيرة في القرى والمدن التي كانت ضمن اختصاصه من أجل انجيل المسيح سامعاً لأقوال القديس بولس الرسول أَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِفَلاَ تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا ومُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ. (2 تيم 1: 7-10)

     حقاً إن أبينا القديس فيلومينوس لم يستحِ بشهادة ربنا يسوع المسيح في خدمته في هذا المكان والموقع المقدس متمثلاً بالقديسة فوتيني أي المرأة السامرية والتي صارت شهيدة ومعادلة للرسل بكرازتها لإنجيل المسيح.

     بقوة الروح القدس والمحبة والنصح أيضاً قد جعلوا محبة الله الحارة تشتعل وتتوقد في قلب أبينا البار فيلومينوس لهذا لم يستحِ بشهادة وكرازة المسيح المصلوب لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! (1كور 1: 23) كما يقول الحكيم بولس.

     أيها الإخوة الأحبة إن إِعْلاَنِ السِّرِّ الَّذِي كَانَ مَكْتُومًا فِي الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ، (رومية 16: 25) هو تأنس كلمة الله مخلصنا يسوع المسيح والذي أظهر لنا نحن البشر دعوة المسيح المقدسة ونعمته، فمن جهة ألغى موت الفساد والخطيئة، ومن الجهة الأخرى جلب لنا نور الحياة وعدم الفساد ببشارة الإنجيل كما يكرز القديس بولس الرسول:  الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ، وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ. (2تيم 1: 9-10)

     وبكلام آخر إن المسيح قد أظهر لنا موت الحياة الأبدية أي موت عدم الفساد بقيامته كما يفَسِرُ ثيوفيلكتوس قائلاً: لقد ألغى المسيح بالفعل بموتهِ بالجسد موت الفساد لهذا فإن القديسين الشهداء قد صاروا مشاركين ومساهمين في موت المسيح أي في مملكته الأبدية التي يحيا فيها ويعيش نفوس شهداء المسيح، كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم

     إن شهيد المسيح الأصيل يتميز بمحبته المثالية للمسيح، كما يقول كليمنضس الإسكندري: إن إتمام واكتمال الشهادة ليس هي نهاية حياة الإنسان والتي تصير لباقي البشر بل “الموت لأجل المسيح” هو عمل مثالي لمحبة المسيح. إن عمل المحبة المثالي هذا قد أظهره من نكرِّمهُ اليوم شهيد المسيح القديس فيلومينوس، وختمهُ وأكّدَ عليهِ باعترافه بأن المسيّا هو المسيح. وقد صار هذا الاعتراف من قبلُ من هنا في هذا البئر “بئر يعقوب” كما يذكر ذلك القديس يوحنا الإنجيليّ قائلاً:” فقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ “السامرية”: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ.قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ. (يوحنا 4: 25-26)

     إن عمل المحبة المثالي قد أظهره أيضاً القديس الشهيد فيلومينوس بموته الاستشهادي سامعاً لأقوال الرب التي تقول: كُلُّ مَنِ اعْتَرَفَ بِي قُدَّامَ النَّاسِ، يَعْتَرِفُ بِهِ ابْنُ الإِنْسَانِ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ. (لوقا 12: 8). وهذا يعني أن أبينا فيلومينوس قد صار مشاركاً في سحابة شهود الكنيسة فلم يكتفِ فقط باعتراف وشهادة إيمانه المسيحي بل صار كما يقول القديس بولس الرسول: قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ (رومية 6: 5)

     إن من نُقيم تذكار عيده اليوم الكاهن المتوحد فيلومينوس في موضع استشهاده يؤكد بأن كنيسة المسيح ليست مؤسسة عالمية بل هي الجسد السري للإله المتأنس المسيح الذي صُلب وقام من أجلنا من بين الأموات؛ فاَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ. (يوحنا 5: 24). أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. (يوحنا 11: 25). أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ (يوحنا 8: 12).

      أن نتبع المسيح أيها الإخوة الأحبة يعني أن نكون في شركة معه بالإيمان به ومشتركين بحياتهِ ومساهمين في آلام استشهاده ومعاناته مقتدين ومتمثلين بمن نعيّد له اليوم بأبينا البار القديس الجديد الشهيد في الكهنة فيلومينوس الذي من أخوية القبر المقدس.

        المجد والشكر لإلهنا وربنا الذي مجّدَ قديسه فيلومينوس والذي نحن الآن نتضرع إليه مع والدة الإله الفائقة البركة الدائمة البتولية مريم لكي يتشفعوا فينا لإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح من أجل خلاص نفوسنا أجمعين.

كل عام وأنتم بألف خير

مكتب السكرتارية العام