1

رسالةُ صاحبِ الغِبطةِ بطريرك المدينةِ المقدسةِ كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبةِ عيدِ الميلادِ المجيد 2019

تعريب قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

 

اليومَ بولادةِ المسيح، اتّحدَتِ السماءُ والأرضُ،

اليومَ حضرَ الإلهُ على الأرضِ وارتقى الإنسانُ إلى السّماواتِ.

اليومَ يُرى غيرُ المنظورِ بطبيعتِهِ منظوراً بالجسدِ لأجلِ الإنسانِ.

“ايذيومالا لتين عيدالميلاد”

      تُعيدُ الكنيسةُ اليومَ في كلِّ العالمِ بِملءِ الفرحِ، والابتهاجِ، وفي شكرٍ وتمجيدٍ، لعيدِ أمِّ الأعيادِ، عيدِ ولادةِ ربِّنا وإلهِنا ومخلِّصِنا يسوعَ المسيحِ بالجسدِ منَ العذراءِ.

      وفي هذا العيدِ تُقدِّمُ الكنيسةُ الشّكرَ للهِ، وذلكَ لأنَّ اللهَ قَدْ أوفى وتَمَّمَ ما وَعَدَ بِهِ الإنسانَ. بأنَّهُ أرْسَلَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ. (مز 110: 9) كما سَبَقَ وأَعْلَنَ للأنبياءِ. وَلأَنَّ اللهَ رحومٌ ومحبٌّ للبشرِ، قَدْ تَغاضى عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ. (أع 17: 30) وَعَنْ ابتعادِ الإنسانِ ومَعْصِيَتِهِ، فَحَضَرَ إلى الّذينَ أُبْعِدوا عنْ نِعْمَتِهِ، وبِحَسْبِ القديس كيرلس الإسكندريِّ، فإنَّ الإنسانَ قَدْ هَرَبَ مِنَ الشِّرْكَةِ مَعَ اللهِ (مجموعة الآباء 75) فَبَحَثَ الله ُ عَنِ الخروفِ الضَّالِ وَوَجَدَهُ وَجَدَّدَهُ وَأَعادَ وِلادَتَهُ وَأَحْياهُ وَ”حَوَّلَهُ” وَضَمَّهُ إِليهِ وَأَعادَهُ إلى شرْكتِهِ الّتي كانَتْ لَهُ ومَعَهُ عِنْدَ الْخَلْقِ في الْفِرْدوسِ.

      هذا ما فَعَلَهُ الله ُالآبُ بابْنِهِ الْوحيدِ بِأَنَّهُلَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ” إلى العالمِ” مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ. (غلا 4: 4-5). فَبِهذا سُرَّ الآبُ وَارْتَضى بِأَنَّ الْكَلِمَةَ صَارَ جَسَدًا (يو 1: 14)  وَبِحَسْبِ القديسِ كيرلس الإسكندريّ: ففي الْبِدْءِ عندَما كانَ الله ُالكلمةَ في حُضْنِ الآبِ ،احْتَمَلَ لأجْلِنا وَأَخْلى ذاتَهُ طَوْعاً وصارَ جَسَدَاً أَيْ إِنساناً، وَوَضَعَ نَفْسَهُ لِأَجْلِنا صائِراً ابنَ إنسانٍ لِكَيْ نَغْتَني نَحْنُ باللهِ الآبِ، وَمِنَ الرُّوحِ القُدُسِ وَمِنَ الْعذراءِ مريمَ قَدْ أخذَ جسداً وهذا الجسدُ ليسَ أَنَّهُ بِدونِ نفسٍ أوْ عقلٍ بل بنفسٍ وبعقلٍ وذلكَ لِكَيْ يَجْعَلَ الإنسانَ شَريكَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ (2 بطرس 1: 4) وفي جَسَدِ تَأَنُّسِهِ الّذي أَخَذَهُ قدسُ الطَّبيعةِ البشريَّةِ كلِّها بحياةِ الرَّبِّ بِصَليبِهِ وَقيامَتِهِ وصعودِهِ، وَأَصْعَدَ الطَّبيعَةَ الْبشريَّةَ إلى السَّماءِ وَأَجْلَسَها عنْ يمينِ الآبِ، فَيا لِمَحَبَّتِهِ للْبَشَرِ! ويا لِلُطْفِهِ! ويا لِعَطِيَّتِهِ!، فالمسيحُ الإلهُ قَدْ جاءَ إلى الأرضِ وَأَصْعَدَ الإنسانَ إلى السَّماوات.

إنَّ السِّرَّ السّماويَّ الّذي يفوقُ الطَّبيعةَ وكُلَّ قولٍ قَدْ حَدَثَ في زَمَنِ “أوكتافيوس” أُغُسطُس قَيْصَر. (لوقا 2: 1) وفي بيتَ لحمَ الْيهودِيَّةِ في هذهِ الْمَغَارَةِ البسيطةِ وَقَدْ كانَ مُعاونونَ وشهودٌ لهذا السِّرِّ الذي حَصَلَ، عَناصِرَ الطَّبيعَةِ وقُوّاتِ السّماواتِ وبِحَسْبِ اللّاهوتيِّ القديس صفرونيوس بطريرك أوروشليم، َهذا القديسِ الْقائِلِ بأنَّ في المسيحِ إلهِنا أقنوماً واحداً في طبيعتَيْنِ وفِعْلَيْنِ وإِرادَتَيْنِ” إِذْ يقولُ أنَّ عناصرَ الطّبيعةِ وقُوّاتِ السّماواتِ الّتي كانَتْ معاونةً وشاهدَةً على هذا السِّرِّ هُما النّجمُ الّذي جَذَبَ ودَلَّ الْمَجوسَ ،وَالسَّماءُ الّتي قادَتِ الرُّعاةَ؛ فَجاؤوا حاملينَ الْهدايا وَساجدينَ. فَالمجوسُ مُلوكُ الْفرسِ قَدْ قادَهُمُ النَّجْمُ وَالرُّعاةُ السَّاهرونَ قَدْ دَعَتْهُمُ الْملائِكَةُ عَبْرَالتَّسبيحِ قائلينَ: الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ (لوقا 2: 14) فَأَتَوْا إِلى الْمَوْضِعِ مُندَهشينَ وَسَجَدوا للطِّفْلِ الْأزَلِيِّ في الْمغارةِ.

         لَقَدْ تَلَقَّتِ الْكنيسةُ بدايةً أسرارَ المسيحِ “أيْ سرَّ التَّأَنُّسِ الإلهيِّ” مِنْ شُهودٍ بِعُيونِهِم وَآذانِهِم وَهِيَ تُحافِظُ على هذا السِّرِّ على مدى الدُّهورِ. وَعَبْرَ هذا السِّرِّ تُثقِّفُ الْكنيسةُ أَفرادَها وَتُعيدُ تَشكيلَهُم وَتَصْنَعُ السَّلامَ لَهُمْ وَتُحييهُم وَتُقَدِّسُهُم. وَهِيَ تكرزُ بِهذا للْقريبِ والْبعيدِ وَإِلى أَقطارِ الْمسكونةِ وَهِيَ تُمارِسُ رِسالَتَها السَّلامِيَّةَ للعالمِ أَجْمَع؛ لأنَّ الله َأَعْطَى للكنيسةِ خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ، إذْ أنَّ اللهَ َصَالحُ الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ بِتَأَنُّسِ ابْنِهِ (2كور 5: 18-19).

      إنَّ كنيسةَ أوروشليمَ أوّلُ كنيسةٍ في المسيحِ تكرزُ بهذا السِّرِّ الْخلاصيِّ الْفائقِ الطّبيعةِ وَمِنْ هذا المكانِ حيثُ ظَهَرَ هذا السِّرُّ الْخلاصيُّ مِنْ هذَهِ المغارةِ القابلَةِ الإلهِ وَمِنْ هذهِ الكنيسةِ الملكيّةِ، الّتي مِنْ عَهْدِ الأباطِرَةِ قسطنطين ويوستينيانوس .تُبارِكُ كنيسةُ أوروشليمَ رَعِيَّتَهَا في الأرضِ الْمقدَّسَةِ، وَفي كُلِّ مكانٍ، مُرحبةً بهذا العيد بفرحٍ لأبناء رعيتها ولجميع الذين شرّفوها في مدينةِ بيت لحم المقدسة طَالِبينَ مِنَ اللهِ من أجل الساجدين للمذود حيثُ “اضطجع غير الموسوعِ في مكانٍ” ولزوارها الأتقياء ِأَنْ يَهِبَهمُ الصِّحَّةَ والْعافِيَةَ وَكلَّ بَرَكَةٍ سماويَّةٍ وأن يمنحَ السَّلامَ وَالاسْتِقرارَ للعالم أجمع. آمين.

 في مدينةِ بيتَ لحمَ المقدَّسَةِ

 عيدُ الميلادِ المجيدِ 2019

الدّاعي لَكُم بحرارةٍ للرَّبِّ

ثيوفيلوس الثالث

                بطريرك أوروشليم