1

الرسالة الفصحية لغبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث لعام 2020

ثيوفيلوسُ الثالث

برحمةِ اللهِ بطريركُ المدينةِ المقدسةِ أوروشليمَ

وسائرِ أعمالِ فلسطينَ

إلى أبناءِ الكنيسةِ أجمعينَ، نعمةٌ ورحمةٌ وسلامٌ لكم منَ القبرِ المقدّسِ المانحِ الحياةِ، قبرِ المسيحِ القائمِ مِنْ بينِ الأمواتِ.

         كلمةُ البطريرك تعريب قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

         إنَّنا مُعيدون لإِماتَةِ الموْتِ ولِهَدْمِ الْجحيمِ،

ولِباكورَةِ عيشةٍ أخرى أبديّةٍ مُتهلِّلينَ

وَمُسبِّحينَ مَنْ هوَ عِلّةُ هذهِ الخَيْراتِ؛ أَعني بِهِ إِلهَ آبائِنا

تَبَارَكَ وَتَمَجَّدَ وَحْدَهُ.

“طروباريةٌ مِنَ الأوْدِيَةِ السّابعةِ لِقانونِ القيامةِ للقدّيسِ يوحنّا الدِّمَشْقِيّ”

        بِفَرَحٍ غامِرٍ لا يُوْصَفُ، وَبِقُلوبٍ طاهِرَةٍ وَشِفاهٍ نَقِيَّةٍ، وَبِأَصْواتٍ وَهُتافاتٍ وَقورةٍ بارّةٍ لا تَنْقَطِعُ، تَصْدَحُ الْكنيسةُ هاتِفَةً في ليلةِ القيامةِ وَعَلى مَدارِ هذا الزّمانِ الفِصْحيِّ بِالمسيحِ الّذي قامَ منْ بينِ الأمواتِ وَداسَ الموتَ بالموتِ وَوَهَبَ الحياةَ للّذينَ في القبورِ. بإيمانٍ يَقينٍ بِالرَّبِّ يسوعَ المسيحِ الْمصلوبِ وَالقائِمِ مِنْ بَينِ الْأمواتِ وَعَلى رَجاءِ قيامةِ الحياةِ الأبديّةِ، فإنَّ الْكَنيسةَ تُرَتِّلُ وتقولُ “اليومُ يومُ القيامةِ فَسَبيلُنا أَنْ نَتَلَألأَ بِالمَوْسِمِ وَنُصافِحَ بَعْضَنا بَعْضاً وَلِنَقُلْ يا إِخْوَةُ وَلِنَصْفَحْ عَنْ مُبْغِضينا، عَنْ كُلِّ شيءٍ في الْقِيامَةِ”.

     إنَّ هذا الخبرَ الْعَجائِبِيَّ المُفْرِحَ للانْتِصارِ على الموتِ، هُوَ ثَمَرُ صَلْبِ المسيحِ، وَذلكَ لِأَنَّهُ بِالصَّليبِ قَدْ أَتى الفَرَحُ لِكُلِّ العالّمِ. إنَّ انتصارَ المسيحِ على الموتِ قَدْ أَتى مِنْ خِلالِ ذَبيحَةِ صَليبِهِ. فَالمسيحُ، ابْنُ اللهِ وَكَلِمَتهُ الوحيدِ، قَدْ انْحَدَرَ إِلى الأرْضِ مِنْ أَحْضانِ الآبِ، وَتَأَنَّسَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَمِنَ العذراءِ مَرْيَمَ، وَقَرَّبَ نَفْسَهُ على الصّليبِ طَوْعِيّاً ذبيحةً مقدّسةً لا عيبَ فيها لمغفرةِ خَطايانا. كَمَا سَبَقَ وَقالَ النّبيُّ أشعياءُ “مِثْلَ خروفٍ سِيقَ إِلَى الذَّبْحِ، وَمِثْلَ حَمَلٍ بريءٍ منَ العَيْبِ صَامِتٍ أَمَامَ الَّذِي يَجُزُّهُ”. وَكَما أَشارَ عَلَيْهِ بِإِصْبَعِهِ القدّيسُ يوحنّا المَعْمَدان عِنْدَ نَهْرِ الأردنِّ، فَقَدْ أَثْبَتَ عَلى الصّليبِ أَنَّهُ حَمَلُ اللهِ، الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ. إنَّ الأكثرَ عَجَباً، في هذا السِّرِّ وَالّذي يُظْهِرُ مَحَبّةَ اللهِ الفائِقَةِ نَحْوَنا، فَهِيَ، كَما يقولُ رَسولُ الأُمَمِ “أَنَّ الْمَسِيحَ، إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ، مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ. فَإِنَّهُ بِالْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارّ”. (رو 5: 6-8)، فإنَّ المسيحَ الّذي بِدونِ خَطيئةٍ “إلهٌ حَقٌّ مِنْ إلهٍ حَقٍّ” أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ (فيلبي 2: 7)، ووَضَعَ نَفْسَهُ، وَصَعِدَ على الصّليبِ طَوْعاً وَبِدَمِهِ الطّاهِرِ أَوْفَى ديونَ جميعِ البَشَرِ مُمَزِّقاً الصَّكَّ وَمانِحاً نعمةً بِتَرْكِ الدُّيونِ القديمةِ.

     لَقَدْ تَأَلَّمَ المسيحُ مِنْ أَجْلِنا بِالجَسَدِ وَدُفِنَ، وَانْحَدَرَ إِلى الْجَحيمِ. وَكانَ الجحيمُ يَنْتَظِرُهُ بِجَشَعٍ، يَنْتَظِرُ ابْنَ اللهِ، أَنْ يَبْتَلِعَهُ. وَلَكِنْ بِذَبيحَةِ تَواضُعِه، ِ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمْتَلِكَ قُوَّةً عَلَيْهِ. فَانْخَدَعَ الْجَحيمُ وَتَمَرْمَرَ. فَقَدِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ تَناوَلَ جَسَداً، فَصادَفَ إِلَهاً، إِلَهاً وَإِنْساناً، وهوَ يسوعُ المسيحِ الإلهِ الْمُتَأَنِّسِ، الّذي قامَ مِنْ بَيْنِ الأمواتِ بِقُوَّةِ الآبِ وَبِقُوَّتِهِ الذّاتِيَةِ، بِكراً مِنْ بَيْنِ الأمواتِ، وَفَتَحَ طَريقَ القيامةِ مِنْ بَيْنِ الأمواتِ لِكُلِّ جَسَدٍ. وَطَلَبَ الخروفَ الضَّالَ في الجحيمِ، كَمَا طَلَبَهُ على الأرْضِ وَكَرَزَ لآدمَ وحوّاءَ وَلِنَسْلِهِم بِبِشارَةِ التّوْبَةِ وَالْخَلاصِ وَأَصْعَدَهُمَا مَعَهُ إِلى الفردوسِ كَمَا تُظْهِرُ أيقونةُ القيامةِ الأرثوذكسيّةِ. وَمُنْذُ ذلكَ الحينِ بالإيمانِ وَبِقُوَّةِ القيامَةِ، فَإِنَّ النّاسَ يموتونَ بِالجَسَدِ فَقَطْ، مُتَغَرِّبينَ عَنْ مَسْكِنِهم الأرضِيِّ، وَذلكَ “لِأَنَّ لَحْمًا وَدَمًا لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ” (1كور 15: 50)، وَنَحْيا مَعَهُ بِالنَّفْسِ وَالرُّوحِ، مُتَرَجّيينَ قيامةَ المَوْتى وَالحياةَ في الدَّهرِ العتيدِ.

      إنَّ سِرَّ قيامةِ المسيحِ مِنْ بينِ الأمواتِ سَبَقَ وَقالَهُ المسيحُ لِتَلاميذِهِ وأصدقائِهِ عندما كانَ مَعَهُم على الأرضِ، وَبَعْدَ القيامةِ “أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ” (أع 1: 3)، وتراءى لَهُم كثيراً بِجَسَدِهِ المصلوبِ البهيِّ والمُمَجّدِ الّذي بِهِ أَثَرٌ للمساميرِ. وَمِنْ خِلالِ تَلاميذِهِ شهودِ العيانِ سلّمَ هذا السِّرَّ إلى جَسَدِهِ أَي الكنيسةِ، الّتي أّسّسَها بالرّوحِ المُعَزّي، والّذي أَرْسَلَهُ مِنَ الآبِ في اليومِ الخمسينَ مِنْ قيامَتِهِ بَعْدَ صُعودِهِ إلى السّماواتِ.

     وَمُنْذُ ذلكَ الحينِ وَبِحَسَبِ قَوْلِ الرَّبِّ الصّادِقِ، فَإِنَّ الكنيسةَ، “أَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا” (متى 16: 18)، فَهِيَ تَسْتَمِرُّ بِعَمَلِ الْمسيحِ عَلى الأرضِ. وَتَكْرِزُ بالمسيحِ الّذي تَأَنّسَ، وَصُلِبَ وَقامَ مِنْ بينِ الأمواتِ وَتُعَمِّدُ باسْمِهِ جميعَ المؤمنينَ، وتُقدّسُهُم بِأَسرارِها الْمُقَدَّسَةِ وَتُصَلّي مِنْ أَجْلِ مُصالَحَةِ البَشَرِيَّةِ. وَمِنْ أَجْلِ المسكونَةِ أَجْمَع. وَتَعْضُدُ بِكُلِّ قُوَّتِها الإنسانَ المتألِّمَ، وَتُصَلّي إِلى يسوعَ المسيحِ طَبيبُ أَجْسادِنا وَنُفوسِنا مِنْ أَجْلِ وَقْفِ هذهِ الجائِحَةِ وَهذا المَرَضِ المُعْدي القاتِلِ، في المسكونَةِ وَمِنْ أجْلِ شِفاءِ جَميعِ المصابينَ، وَتُصلّي للّذينَ حَصَدَهُم الموتُ بلا رَحمَةٍ طالبةً لأرواحِهِم الرّحمةَ والمغفرةَ في يقينٍ كَما أَنّ ذاكَ “وَإنْ يَكُنْ قَدْ صُلِبَ بِضُعْفِهِ وَلَكِنَّهُ حَيٌّ بِقُوَّةِ اللهِ. هَكَذا فَنَحْنُ “بِالرَغْمِ” من ضُعفنا فِيهِ، لكِنَّنَا سَنَحْيَا مَعَهُ بِقُوَّةِ اللهِ مِنْ جِهَتِكُمْ.” (2كور 13: 4).

     إنَّ كَنيسةَ صِهْيَونَ أُمُّ الكنائِسِ في يومِ القيامَةِ البَهِيِّ وَمِنَ القَبْرِ القابِلِ الحياةِ حَيْثُ دُفِنَ وَقامَ المسيحُ، تَرْفَعُ الصّلاةَ مِنْ أَجْلِ وحْدَةِ الكنيسةِ وَمِنْ أَجْلِ سَلامِ الشَّرقِ الأوسَطِ راجيةً القوّةَ والبَرَكَةَ مِنْ يسوعَ المسيحِ القائِمِ مِنْ بَيْنِ الأمواتِ لِرَعِيَّتِها في الأرضِ الْمُقَدَّسَةِ، أرضِ السّلامِ، والعالمِ أجمع.

المسيحُ قامَ

في مدينةِ أوروشليمَ المقدَّسَةِ فِصْح 2020

مَعَ أَدعيتِنا وبركاتِنا الأبويَّةِ،

الدّاعي لَكُم بِحرارةٍ مِنْ أعماقِ القَلْبِ،

ثيوفيلوس الثّالث

بطريرك المدينةِ المقدّسةِ أوروشليمَ