1

الإحتفال بعيد القديسَين هامتي الرسل بطرس وبولس في كفرناحوم

 

إحتفلت البطريركية الاورشليمية اليوم الأحد الموافق 12 تموز 2020 بعيد القديسَين هامتي الرسل بطرس وبولس في الدير المسمى على اسمهما في كفرناحوم الواقعه على ضفاف بحيرة طبريا.

في هذا الدير بُنيت كنيسة رائعة من قبل المثلث الرحمات بطريرك القدس داميانوس عام 1931, ومنذ عام 1967 كانت الكنيسة والمنطقة المحيطة بها تحت رعاية المثلث الرحمات متروبوليت البتراء جيرمانوس الذي قام بأعمال الترميم والحفريات الأثرية في منطقة الدير بمساعدة الراهب المتوحد طيب الذكر فيليبوس، ومن بعده الراهب ثادوس، الراهبة طيبة الذكر إفدزكيا من أستراليا وطيبة الذكر الراهبة إفلوجيا.
على مدى السنوات الماضية إهتم الراهب المتوحد إيرينارخوس برعاية الدير وبرسم الأيقونات البيزنطية على جدران الكنيسة وزراعة المنطقة المحيطة بها وما زال حتى اليوم.


بهذه المناسبة ترأس خدمة القداس الإلهي الإحتفالي غبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يشاركه سيادة متروبوليت الناصرة وسائر الجليل كيريوس كرياكوس, سيادة متروبوليت ألينوبوليس كيريوس يواكيم, سيادة رئيس أساقفة مادبا كيريوس أريسطوفولوس,وعدد من الآباء بالإضافة الى عدد  محدد من المصلين بسبب تفشي جائحة كوفيد 19.
بعد القداس استضاف رئيس الدير الاب ايرينارخوس غبطة البطريرك مع الآباء والحضور في ساحة الدير الجميلة الواقعة على ضفاف البحيرة وأعد مأدبة غذاء.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد هامتي الرسل بطرس وبولس في مدينة كفرناحوم 12-7-2020

تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

 

      هلمّوا لنمدح جميعًا هامتي الرسل بطرس وبولس الإلهيّين، كوكبَي المسكونة وكارزي الإيمان، البوقين المتكلّمَين بالإلهيّات، والمظهرَين العقائد، عمودَي الكنيسة، وداحضي الضلالة. هذا ما يقوله مرنم الكنيسة.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

أيها المسيحيون الأتقياء

       قد أقبل علينا عيد ذكرى الزوج المقدس المنتخب الرسولين بطرس وبولس، هذا العيد الذي جمعنا اليوم في هذا المكان والمزار المقدس في كفر ناحوم لكي بشكرٍ وتمجيدٍ نكرم تذكارهم الموقر.

       إن هامتي الرسل بطرس وبولس قد امتلئا من الروح القدس والنعمة الإلهية وقد تميزا عن باقي الرسل بغيرتهم الإلهية الحارة من جهةٍ، وتفسيرهم الخلاصيّ اللاهوتي لكلمة الله المتجسد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح من الجهةِ الأخرى.

      ولنسمع ماذا يرنم مرتل الكنيسة عن بطرس الرسول قائلاً: لا لحمٌ ولا دمٌ، بل الآب قد ألهمك أيها الرسول بطرس، أن تتكلَّم لاهوتيًّا في المسيح، أنّه ابن الله العلي. وأما عن بولس فيقول: إنّ المسيح لا يتراءى لك الآن برموزٍ ولا في مرآة بالكلية، بل بالحري يرى وجهاً بإزاء وجه، كاشفاً لك معرفة اللاهوت تامَّةً.

 

      ويُستَشهَد على هذا الحدث الذي ورد ذكره من المرنم، من القديس الإنجيلي متى حيث يقول ربنا يسوع المسيح لبطرس: طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. (متى 16: 17-18) وفي سفر أعمال الرسل لدينا الحدث الذي يَستشهد عليه المرنم عن بولس الرسول شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ فَقَالَ “شاول”: «مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟» فَقَالَ الرَّبُّ: «أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضطهدهُ. فَقَالَ الرَّبُّ “لحنانيا” فِي رُؤْيَا: يَا حَنَانِيَّا! اذْهَبْ! لأَنَّ هذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ “بولس” اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. (أعمال 9: 4-15).

       إن العظمة الروحية والأخلاقية لصخرة الإيمان بطرس والإناء المختار بولس تتضح من شيئين اثنين: الأول:” بأن هذين الرسولين القديسين أصبحا شاهدين بعيونهم وآذانهم لأسرار مجد الثالوث القدوس غير المنظورة والتي ظهرت في شخص يسوع المسيح إذ يقول القديس بطرس الرسول” لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً، إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ (2بطرس 1: 16) وثانياً:” اعتراف القديس بولس الرسول عن نفسهِ قائلاً:” إِنَّهُ لاَ يُوافِقُنِي أَنْ أَفْتَخِرَ. فَإِنِّي آتِي إِلَى مَنَاظِرِ الرَّبِّ وَإِعْلاَنَاتِهِ.وَأَعْرِفُ هذَا الإِنْسَانَ: أَفِي الْجَسَدِ أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. اللهُ يَعْلَمُ.أَنَّهُ اخْتُطِفَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا. (2كور 12: 1-4).

        إن كرازة زوج الرسل لكافة الأمم بحسب وصية الرب فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ (متى 28: 19) قد كانت بإلهام من المسيح وبنور المسيح كما يؤكد بذلك بولس الرسول لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ: (غلاطية 3: 27).

وإن دلّ هذا فهو يدُلّ على أن الكرازة الرسولية هي كرازة توبة وبر وقداسة في المسيح المصلوب والقائم من بين الأموات.

       إن كنيسة المسيح تكرِمُ بواجبٍ ودينٍ عليها، وبشكلٍ خاص عيد هامتي الرسل لأن هؤلاء الرسولين قد ساهما وبدرجة كبيرة في إنشاء “كنيسة الأمم” والمقصود بالأمم تلك الشعوب التي لم تعرف مطلقاً دين التوحيد الأخلاقي الذي أُعلِنَ على جبل سيناء من خلال النبي موسى. ولنسمع بطرس متكلماً في مجمع أوروشليم الرسولي قائلاً إذ: قَامَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُمْ: أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنْذُ أَيَّامٍ قَدِيمَةٍ اخْتَارَ اللهُ بَيْنَنَا أَنَّهُ بِفَمِي يَسْمَعُ الأُمَمُ كَلِمَةَ الإِنْجِيلِ وَيُؤْمِنُونَوَاللهُ الْعَارِفُ الْقُلُوبَ، شَهِدَ لَهُمْ مُعْطِيًا لَهُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا لَنَا أَيْضًا. (أعمال 15: 7-8).

     وأما ما يختص ببولس الرسول فإن الرب الذي اختارهُ يقول عنه إنّ هذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. (أعمال 9: 15) ويكتب بولس الرسول في ختام رسالتهِ إلى أهل رومية مرسلاً سلاماً إلى العاملين معهُ سَلِّمُوا عَلَى الْعَامِلَيْنِ مَعِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، اللَّذَيْنِ لَسْتُ أَنَا وَحْدِي أَشْكُرُهُمَا بَلْ أَيْضًا جَمِيعُ كَنَائِسِ الأُمَمِ، (رومية 16: 3-4).

      وفي رسائل القديسين بطرس وبولس وبالأخص رسائل القديس بولس تُشكل لاهوتياً المؤسسة البشرية الإلهية للكنيسة كبيتٍ روحي والمسيح لها هو حجر الزاوية بحسب بطرس الرسول. (1بطرس 2: 4-5) وهي جسد المسيح، والمسيح هو رأس الكنيسة بحسب بولس الرسول وَإِيَّاهُ “أي المسيح” جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ الِكَنِيسَةِ الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ. (أفس 1: 23) ولِكَيْ يُعَرَّفَ الآنَ عِنْدَ الرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، بِوَاسِطَةِ الْكَنِيسَةِ، بِحِكْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ، (أفس 3: 10).

      ومن الجدير بالذكر بأن التمييز بين هامتي الرسل القديسين عن باقي الرسل لا يمكن بأي حال من الأحوال تفسيره على أنه تفوق روحي على القديسين الآخرين، وذلك لأن عطية وموهبة الروح القدس قد أُعطيت من يسوع المسيح الناهض من بين الأموات لتلاميذه وللرسل وقد صار هذا عندما كَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ (يوحنا 20: 19) وقد أعطيت النعمة دون تمييز وفرق في النوعية أو الكمية إذ للجميع أُعطيت على السواء ويفسر القديس كيرلس الإسكندري أقوال الرب يسوع المسيح لتلاميذه خذوا الروح القدس. (يوحنا 20: 22) إذ يقول بأن المسيح قد أعطى “الروح القدس” لجميع التلاميذ وليس لجزء منهم.

     لهؤلاء الكوكبين العظيمين بطرس صخرة الإيمان وبولس المعلم الحقيقي أن يتشفعوا إلى مخلصنا المسيح ومع المرنم نهتف ونقول: يا رسولي المسيح الإله استمدَّا غفران الزلاّت للمعيّدين عن رغبةٍ لتذكاركما المقدَّس.  

كلُّ عامٍ وأنتم بألف خير

 

مكتب السكرتارية العامة