1

البطريركية الأورشليمية تحتفل بعيد الرسل الإثني عشر الإطهار

 

احتفلت البطريركية الاورشليمية الاورثوذكسية يوم الإثنين الموافق 13 تموز 2020  بعيد الرسل الاثني عشر الأطهار في الكنيسة البيزنطية القديمة الموجودة في دير الرسل في مدينة طبريا. هذه الكنيسة بنيت في الموقع الذي ظهر فيه السيد المسيح لتلاميذه بعد قيامته المجيدة حيث كانوا في المركب يصطادون ولم يعرفوه حينها، ثم أمرهم بإلقاء الشبكة عن يمين المركب واصطادوا سمكاً كثيراً, انجيل يوحنا الاصحاح 21. والكنيسة الأورثوذكسية تًكرم الرسل الإثني عشر بعيد جامع لهم لأن منهم إنطلقت البشارة بالمسيح وحملوا رسالة الخلاص لكل المسكونة.

في هذه المناسبة ترأس خدمة القداس الالهي غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يشاركة أصحاب السيادة متروبوليت الناصرة كيريوس كيرياكوس, متروبوليت إلينوبوليس كيريوس يواكيم, وآباء من أخوية القبر المقدس بحضور عدد قليل من المصلين حسب تعليمات الوقاية.

بعد القداس أعد الرئيس الروحي للدير الأرشمندريت برثينوس مادبة طعام على شرف صاحب الغبطة والآباء.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة تذكار حافل للرسل القديسين الاثني عشر 13-7-2020

كلمة البطريرك تعريب قدس الأب يوسف الهودلي

وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ، إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا.
حِينَئِذٍ قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «الْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ.فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ. ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ. (متى 9: 36، 10: 1-2). وَفِيمَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ اكْرِزُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ. (متى 10: 7)

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

أيها المسيحيون الأتقياء

       إن مصاف الرسل الإلهيين الفائقي الحكمة، رسل المسيح قد جمعونا اليوم في هذا الدير والمزار المقدس الذي يحمل اسمهم حيث ظهر المسيح لتلاميذه على بحر طبريا لكي نعيد سوية تذكارهم المقدس الجامع.

     إن هذا العيد الجامع لهم يخص الاثني عشر رسولاً أي تلاميذ المسيح الذين قال لهم الرب يسوع: الْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَفَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ. (متى 9: 37-38). ويفسر القديس يوحنا الذهبي الفم قول المسيح في الفصل الإنجيلي: فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ، إذ يقول أنَّ المسيح يوضح بصورة غير مباشرة امتيازه الخاص فإنه هو نفسه يرسمهم “يُشرطنهم” للحال… ويتضح من هنا أنه هو نفسه المزارع، وهو نفسه رب الحصاد، وهو نفسه سيد الأنبياء وصاحبهم، فإن كان قد أرسلهم ليحصدوا، فمن الواضح أنهم لا يحصدون ما يخص آخر بل ما زرعه هو نفسه بالأنبياء.

     ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ. (متى 10: 1) وكل هذا وما زال الروح القدس لم يُعطى بعد كما يستشهد بذلك الإنجيلي يوحنا قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ. (يوحنا 7: 39). ويتساءل القديس يوحنا الذهبي الفم: فكيف طردوا الأرواح إذاً؟ فيجيب القديس قائلاً: بأمر المسيح وبسلطانه.

     ويذكر القديس الإنجيلي لوقا في سفر أعمال الرسل، أنه في يوم الخمسين وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا. (أعمال 2: 1-4) ويفسر إيكومينيوس هذه الأقوال قائلاً: بأن الألسن نطقت بعظائم الله. وأما القديس غريغوريوس اللاهوتي فيقول: إن حلول الروح القدس كان على شكل ألسنة لإظهار ارتباط الكلمة باللسان، فقد أظهر كلمة الله عمل الروح القدس، وبالروح القدس فإن المسيح سيخاطب العالم وسيعطي روحه للتلاميذ وذلك لكي يُعطيهم ليس فقط المعرفة الخلاصية بل أيضاً القوة حتى يكرزوا ويعلموا ويعطوا العالم معرفة الحقيقة التي أخذوها هم كما أوصى الرب لتلاميذه فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. (متى 28: 19).

     ويشرح القديس أثناسيوس الكبير قائلاً: ليس فقط أن يُعمدوا بل أولاً أن يُعلموا لكي يصبح إيمانهم مستقيماً عبر التعليم الصحيح وبعد الإيمان الكمال بالمعمودية.

     حقاً إن كرازة تلاميذ المسيح أو بالأحرى تعليمهم الرسولي التي يقول فيها: وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. (متى 28: 20) تشكل المصدر الأساسي للتَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ (2تيم 4: 3) لكنيسة المسيح المقدسة.

     ويعظ بولس الرسول بالقوى الموحدة للكنيسة الصائرة بين الأمم واليهود من خلال يسوع المسيح إذ يقول: فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلًا، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، (أفسس 2: 20)

     وبكلام آخر أيها الإخوة الأحبة، لقد جعل المسيح الرسل القديسين من خلال الروح القدس أساساً للكنيسة في الإيمان وفي إنشاء وتأسيس كنائس محلية في جميع المسكونة ومسؤولين من قبل الرسل ورسامتهم أساقفة، لهذا فإن القديس بولس الرسول يحذر الأساقفة قائلاً: اِحْتَرِزُوا إِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ. (أعمال 20: 28)

     ويشدد القديس يوحنا الذهبي الفم على قيمة الرسولية قائلاً: إن النبي هو رئيس، والراعي والمعلم هو رئيس روحي، ولكن الأعظم منهم كلهم هي رئاسة أو أولوية الرسولية وذلك لأن رسولية الكنيسة تنبع من الروح القدس، إن الروح القدس المساوي في الجوهر للابن والروح القدس هو الذي يضبط ويجمع مؤسسة الكنيسة بحسب القديس غريغوريوس اللاهوتي وعلاوة على هذا فإنه في دستور الإيمان يظهر بشكل خاص أهمية أن الكنيسة هي جامعة رسولية.

     ومن الجدير بالذكر إن رسولية الكنيسة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً وعملياً بالخلافة الرسولية للرعاة أي أساقفة الكنيسة وبالتقليد الرسولي كما يُعلم بولس الحكيم: يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ (1تيم 6: 20)، الوديعة الصالحة(2تيم 1: 14) فَاثْبُتُوا إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ وَتَمَسَّكُوا بِالتَّعَالِيمِ الَّتِي تَعَلَّمْتُمُوهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِالْكَلاَمِ أَمْ بِرِسَالَتِنَا. (2تس 2: 15)

     إن الرئاسة الرسولية بحسب الذهبي الفم هي التي تشمل على الخلافة الرسولية والتقليد الرسولي ولها مرجعية في خبرة الرسل يوم العنصرة المقدس حيث امْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا. (أعمال 2: 4). ويفسر القديس كيرلس الإسكندري قائلاً: لقد نطقوا ما سبق وقاله وتنبأ به الأنبياء القديسين وشهادتهم عن المسيح.

   فها لماذا الكنيسة المقدسة تكرم بشكل خاص تذكار الرسل القديسين ومع المرتل نهتف ونقول: لما شاء المُتقن ابداع كل البرايا أن يقطن في الجسد. حلّ فيكِ يا عروسة الله. لأنه وجدك وحدك أقدس كل الخلائق. فأظهرك أُماً لله في الحقيقة.

آمين

مكتب السكرتارية العامة