1

القديسة تقلا: رمز للعفة والزهد والمثابرة

 

مقال ل: هبه هريمات

 

هي قديسة معروفة على نطاق واسع، وتحظى بنفس القدر من الاحترام والتقدير بين كنائس العالم المختلفة بما فيها الارثوذكسية والكاثوليكية والقبطية. القديسة تقلا التي نكرمها اليوم (24 سبتمبر/7 أكتوبر) هي رسولة وشهيدة بين النساء ومعادلة للرسل في القداسة.

بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس، على وجه التحديد، تعطي قدرا كبيرا للقديسة تقلا التي يحتفى بعيدها داخل كنيسة قد تكون صغيرة انما جميلة مخصصة لها داخل الدير الرئيسي في البطريركية. وعادة ما يقود غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث القداس في كل عام، حيث يصر على حضوره قدر ما تتسع له الكنيسة من الحجاج والمؤمنين المحليين لأخذ بركات القديسة العظيمة.

كونها وُلدت لعائلة من الأثرياء وكانت مخطوبة لرجل من النبلاء، لم يكن من السهل أو المقبول أبداً أن تفضل تقلا المولودة في قونية (في آسيا الصغرى التي هي تركيا حاليًا) العفة على الزواج والزهد على النبل. ومع ذلك، وبالرغم من محاولات والدتها المستميتة وخطط خطيبها لإقناعها بتغيير قرارها والحفاظ على اسم العائلة لم ترضخ تقلا أبدًا لسيطرتهما وتمسكت بسلاح الصبر كما حثها معلمها القديس بولس في ذلك الحين.

لقاؤها مع القديس بولس

أول صدفة عرّفت تقلا بالإيمان المسيحي كانت من خلال القديس بولس. فأول تسجيل للقائهما كان عندما عُرض على القديس بولس استضافته في منزل أنيسيفورس (2 تيموثاوس 1:16)، الذي كان يقع بالصدفة بمحاذاة نافذة تقلا. فقضت وقتها ثلاثة أيام بلياليها بجوار نافذتها، تستمع إلى عظات بولس التي يمدح بها العذرية، وبأن المكافأة الأبدية تنتظر أولئك الذين يعيشون حياة طاهرة. تلك كانت نقطة التحول في حياة تقلا التي جعلتها تقلع آخر شوكة شك لديها وتترك حياة النبلاء والترف لتتبع القديس بولس في حياة جديدة أبسط ما يقال عنها أنها قاسية وصعبة.

إيمان تقلا قيد التجربة

عندما رأت التأثير الذي طبعه القديس بولس في ابنتها، جمعت ثيوكليا مع ثاميريس (خطيب تقلا) مجموعة من ناس المدينة الذين قادوا القديس بولس إلى القاضي المحلي واتهموه بالتأثير على الناس بتعاليم غير طبيعية.

وعندما كان بولس بانتظار محاكمته، تسللت تقلا إلى زنزانته  بغرض اكمال الاستماع للمزيد من تعاليمه، بعد أن كانت قد رشت حراس زنزانته ببعض المجوهرات. تسببت أفعالها هذه في اشعال غضب والدتها التي لم تكتف بِحَثِ الحاكم على جلد بولس وطرده من المدينة، بل أرادت أن تعطِ عبرة لكل امرأة أو فتاة كانت قد لحقت أو استمعت لتعاليم بولس، بأن تضحي بابنتها بأبشع أسلوب ممكن.

أصرت ثيوكليا على احراق ابنتها تقلا حية على الملأ. فنُقلت تقلا إلى مسرح المدينة، وتم تجريدها من ثيابها وربطها بعمود ما ان باشرت المحرقة حولها بالاشتعال حتى أخمدتها بأعجوبة عاصفة بَرَد قوي من السماء، تسببت تلك العاصفة بالمقابل بمقتل العديد ممن كانوا يشاهدون الحدث. بعدها مباشرة هربت تقلا من مسرح احراقها وبدأت في البحث عن القديس بولس.

على الطريق مع القديس بولس

بعد ستة أيام من نجاتها، تمكنت تقلا من العثور على القديس بولس وتبعته. وعلى الرغم من تحذيراته العديدة بأنها ستواجه محنة أخرى أسوأ من الأولى، إلا أن تقلا بقيت ثابتة على قرارها واستمرت في اتباعه. طلبت من بولس بأن يعمدها لتتمكن من مقاومة التجربة والثبات بالتحمل، لكن القديس بولس طلب منها التحلي بالصّبر.

بينما كانا في انطاكيا (أعمال الرسل 14:21)، أرادت السماوات اختبار تقلا مرة أخرى. هذه المرة عبر كاهن رفيع المقام يدعى ألكساندر، الذي سلب جمال تقلا عقله وأرادها لنفسه، فما كان من تقلا الا أن تقاومه وتمزق ثيابه لتبعده عنها فقام الأخير بالحكم عليها بأن تنهش جسدها الوحوش الضارية.

في فترة انتظار عقوبتها، سُمح لتقلا بالبقاء مع الملكة القوية أنطونيا تريفينا ذات النفوذ والسيطرة، والتي هي من أقارب قيصر. وبالرغم من أن الوقت الذي قضته الملكة مع تقلا كان قصيراً، إلا أنه كان كافٍ كي تنال تقلا بإعجاب الملكة.

 ندما وصل يوم الإعدام، رُبطت تقلا بلبؤة شرسة وطافوا بها في المدينة، ثم تم تجريدها من ملابسها وإلقاؤها للوحوش. أسود وثيران وفقمات شرسة وحيوانات عدوانية على أشكالها كانت تضور جوعاً وعلى أهبة الاستعداد لتناولها وجبة سهلة، ولكن تقلا كانت تنجو من كل واحدة منها بأعجوبة في كل مرة. روايات تذكر أن لبؤة قامت بحماية تقلا وحاربت المعتدين عليها من ذكور الأسود. تبعتها سلسة من المعجزات عملت على حماية القديسة العفيفة انتهت بتدخل نساء المدينة والملكة تريفينا بنفسها.

بعد أن أفرج عن تقلا، مكثت لمدة ثمانية أيام مع الملكة تريفينا. ويعتقد أنها خلال ذلك الوقت تمكنت من تحويل الأسرة بأكملها إلى المسيحية.

ختم المسيح، عِماد تقلا

وفقًا للفصل التاسع من سفر ’أعمال بولس وتقلا‘* يذكر أنه بينما كانت تقلا في الساحة محاطة بالحيوانات المفترسة، رأت حوضاً من الماء يحوي فقمات/عجول البحر، ولأنها اعتقدت أنها قد تكون فرصتها الأخيرة لتعتمد، قفزت في الوعاء وأعلنت أنها تعمد نفسها. وفي ذلك الوقت، برق من السماء ضرب جميع الفقمات قبل أن تقترب من ثقلا لتأكلها.

سنواتها الأخيرة

حال عودتها إلى قونية علمت أن ثامريس قد مات، بينما ما زال قلب والدتها بنفس القسوة تجاهها وبقيت صماء عن رسالة ابنتها. بعدها قررت تقلا مغادرة مسقط رأسها واتجهت إلى سلوقية حيث عاشت داخل كهف لمدة 72 عامًا، تخدم وتعيش كراهبة ناسكة وتجري علاجات معجزة. الأمر الذي بعث الاستياء والغيرة منها لدى طبيب المنطقة، عندما بدأ سكان القرية  باللجوء إليها عوضا ً عن التوجه له. ردا على ذلك، استأجر الطبيب مجموعة من الرجال بغرض اغتصابها. عند سماعها بالنبأ، هربت تقلا وذهبت إلى صخرة فُتحت لها بأعجوبة فدخلتها وأُغلقت الصخرة من بعدها، ومن وقتها لم تُرَ تقلا مرة أخرى.

 

هناك عدد من الأضرحة المتفرقة في أنحاء من العالم مرتبطة بحياة ومعجزات القديسة تقلا، وهي تشكل عوامل جذب سياحي للحجاج من جميع أنحاء العالم. اثنان منها يعدان من أكثر الأماكن قدسية: الأول هو ضريح القديسة تقلا في سيليفكي/تركيا والثاني قبر القديسة تقلا في معلولا/سوريا. أما الثلاث الآخرين فَهُم: دير القديسة تقلا بالقرب من لارنكا، ومزار القديس ميناس في قبرص، وسراديب الموتى للقديسة تقلا في روما.

* تعد الكنيسة كتاب ’أعمال بولس وتقلا‘ كتاباً غير رسمي، بمعنى أنه لا يدرج بنفس قيمة ومصداقية الكتاب المقدس (الإنجيل) بعهديه القديم والجديد. لذا فإن قاموس أوكسفورد للكنيسة المسيحية الذي حرره ف. ل. كروس يشير بأنه “على الرغم من أن هذه الأعمال تحتوي على نواة من التاريخ الحقيقي، إلا أنه لا يزال من الصعب فصل الحقيقة عن الأسطورة “.