1

نقل رفات القديس سابا: رحلة الرجوع إلى الديار

مقال ل: هبه هريمات

 

شهد يوم 26 أكتوبر 1965 أهم حدث لدير القديس سابا في الأعوام الحديثة، فرفات هذا القديس العظيم كانت تتوق بشدة للرجوع إلى مثواها الأصلي لقرون عدة، حتى أعيدت أخيرًا من إيطاليا إلى مقرها في قلب الدير الصحراوي، قرب بيت لحم.

ففي عهد الصليبيين في القرن الثاني عشر، نُقلت الآثار المقدسة للقديس سابا (الجسد بأكمله) إلى القسطنطينية ثم في وقت لاحق إلى البندقية في ايطاليا. ولأكثر من 800 عام تم الاحتفاظ بالرفات بعيدًا عن دير مار سابا الأرثوذكسي الذي أسسه بنفسه والذي يضم حاليًا حوالي 20 راهبًا، يواصلون السير على خطاه معتنقين إرثه العظيم.

في الحقيقة كان هذا الحدث ثمرة مفاوضات أخوية وجهود مشتركة بين بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس والكنيسة الكاثوليكية اللاتينية في روما، والتي سبقتها الزيارة التاريخية للبابا بولس السادس إلى الأراضي المقدسة عام 1964، حيث التقى ببطريرك القدس آنذاك بنديكتوس الأول والبطريرك المسكوني أثيناغوراس الأول. وكبادرة حسن نية تجاه الكنيسة الأرثوذكسية، قرر البابا إعادة رفات مار سابا إلى موطنها في الأراضي المقدسة.

وأشار أولئك الذين شهدوا الحدث ذلك العام أنه اكتسب الطابع الاحتفالي، ويذكر الدكتور جون طليل مؤلف كتاب ’أنا القدس‘ إلى أن “نقل آثار مار سابا المقدسة كانت حدثًا لم تشهد مثله المدينة المقدسة في الآونة الأخيرة.”

بدأت رحلة عودة الرفات إلى دير القديس سابا المتقدس من كنيسة القديس أنطونيوس في مدينة البندقية الإيطالية، حيث كانت الآثار محفوظة في داخلها. مرورا بأنهار المدينة عبر الجندول، وصلت الرفات إلى مدينة روما حيث كان بانتظارها البابا بولس السادس ووفد من رجال الدين اليونان الأرثوذكس بقيادة رئيس أساقفة الأردن فاسيليوس، السكرتير العام لبطريركية القدس في ذلك الوقت.

سرعان ما وصلت الرفات إلى كاثوليكون (نصف الدنيا) كنيسة القيامة في القدس، حيث مكثت هناك لأسبوع واحد؛ لإعطاء المؤمنين فرصة لتبجيلها والصلاة لها عن قرب، قبل نقلها مرة أخيرة إلى وجهتها النهائية في ديرالقديس سابا بالقرب من بيت لحم.

منذ ذلك الحين، تحتفل بطريركتنا الأورشليمية بهذا الحدث التاريخي بشكل سنوي، من خلال سهرانية تمتد الليل بأكمله ابتداء من مساء يوم 25 أكتوبر وتنتهي في الساعات الأولى من اليوم التالي، 26 أكتوبر.

هذا العام بدت السهرانية أقل ازدحامًا مقارنة بالأعوام السابقة؛ نظرا لاتباع البطريركية بعناية قواعد السلامة التي تفرضها الحكومات المحلية لكون العالم ما يزال يعاني من جائحة COVID-19 المستمرة. في هذه المناسبة المقدسة، رفع غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث صلاته لجميع الأفراد والعائلات الذين يعانون من الفيروس وتبعاته، داعيًا الله أن يرفع معاناة شعوب العالم بأسره وأن يعيد الحياة لطبيعتها.