1

كاترينا قديسة الإسكندرية

 

مقال لِ: هبه هريمات

 

عادة ما تظهر جالسة على مكتب يعلوه كتاب مفتوح وكتب أخرى وفلك سماوية عند قدميها، لتعكس معرفتها الواسعة والحكمة التي تلقتها على أيدي خيرة من فلاسفة ومعلمي العصور القديمة.

جمعت القديسة كاترينا التي نحتفل بها اليوم، بين الجمال والمعرفة والحكمة غير المألوفين. فقد كَسَحَت الروح العاطفية الجامحة لماكسيميان، طاغية الإسكندرية. وبفصاحتها أوقفت أفواه من يسمون أنفسهم بالفلاسفة الذين اجتمعوا لجدالها.

 

دخولها للمسيحية:

يروي التقليد الأرثوذكسي أن العديد من الشبان من أغنى عائلات الإمبراطورية سعوا للحصول على يد كاترينا الجميلة، لكن لم يقع الاختيار على أي منهم. فقد أعلنت كاترينا لوالديها أنها ستوافق فقط على الزواج من شخص يتفوق عليها في الثروة والجمال والحكمة.

فما كان من الأب الروحي لأمها، التي كانت تعتنق المسيحية سراً، إلا أن يخبرها أنه على وجود مرادها، فهناك شاب يتجاوزها في كل شيء، بحيث “كان جماله أكثر إشراقًا من لمعان الشمس، وحكمته تحكم كل الخليقة، وثرواته منتشرة في العالم أجمع – ولكن هذا لم ينقص، بل زاد من عظمة نسبه الذي لا يوصف.” كلام الرجل المؤمن المسن ولّدت صورةً للمسيح في روح الشابة العذراء ورغبة شديدة في رؤيته. وقبل مغادرتها للكهف الذي كان يعلم فيه، سلم الأب الروحي لكاترينا أيقونة والدة الإله مع الطفل يسوع على ذراعها وطلب منها أن تصلي بإيمان لمريم لتمنحها رؤية ابنها.

وبالفعل صلت كاترينا طوال الليل وأعطيت رؤية السيدة العذراء، التي أرسلت ابنها الإلهي لينظر إلى الشابة الجاثية أمامهما. لكن الطفل أبعد وجهه عنها قائلاً: إنه لا يستطيع النظر إليها لأنها قبيحة ومن سلالة رثة مثل كل شخص لا يغسل بمياه المعمودية المقدسة ولا يختم بالختم المنير من الروح القدس. عادت الشابة إلى أبيها الروحي وهي بغاية الحزن. فاستقبلها بمحبة ووجهها إلى الإيمان بالمسيح، وحثها على الحفاظ على طهارتها والصلاة بلا انقطاع، ثم منحها سر المعمودية المقدسة. وعندما رأت كاترينا والدة الله مع طفلها في المرة الثانية، وقتها نظر الرب إليها بحنان وأعطاها خاتمًا، كهدية من عريسها السماوي.

 

لقاء كاثرين مع ماكسيميان والحكماء:

في ذلك الوقت، كان الإمبراطور ماكسيميان في الإسكندرية لحضور وليمة وثنية. لذا بدا العيد صاخباً ومزدحماً على نحوٍ خاص. فملأت شوارع الإسكندرية صرخات الأضاحي والدخان ورائحة القرابين واشتعال النيران التي لا تنتهي والحشود الصاخبة في الساحات. كما قُدمت الذبائح البشرية لمن لقوا حتفهم في النار بعد اعترافهم بالمسيح، الذين لم يتراجعوا عنه حتى تحت التعذيب. دفع حب كاترينا القديسة للشهداء المسيحيين ورغبتها الشديدة في تخفيف عذابهم للذهاب إلى رئيس الكهنة وحاكم الإمبراطورية ماكسيميان.

عندما قدمت نفسها، اعترفت كاترينا بإيمانها بالإله الحقيقي الواحد وشجبت بحكمة أخطاء الوثنيين؛ لكن جمالها أسر قلب الإمبراطور المضطهد. الذي من أجل إقناعها وإظهار تفوق الحكمة الوثنية عليها، قام بإصدار أمرٍ فوري بجمع أكثر من 50 رجلاً من المثقفين البلاغيين في الإمبراطورية لكي يناقشوها. لكن حكمة القديسة تفوقت عليهم جميعاً، وأصبحوا هم أنفسهم يؤمنون بالسيد المسيح. ورسمت كاترينا إشارة الصليب على الشهداء، الذين قبلوا بشجاعة الموت من أجل المسيح وتم إحراقهم بأمر من الإمبراطور.

حاول ماكسيميان، الذي لم يعد يأمل في ردّ كاترينا عن قناعاتها، إغرائها بالثراء والشهرة. لكن بعد تلقيه رفضاً غاضباً منها، أصدر الأوامر بإخضاع القديسة لتعذيب رهيب ثم رميها في السجن. في نفس الوقت، أرادت الإمبراطورة أوغوستا رؤية تلك القديسة العظيمة التي سمعت عنها الكثير. فبعد أن تمكنت الامبراطورة من اقناع القائد العسكري بورفيري لمرافقتها مع مفرزة من الجنود، دخلت أوغوستا خلية السجن التي كانت تحوي القديسة، وتعجبت من الروح القوية التي امتلكتها تلك الشابة وكيف رأتها تتوهج بالنعمة الإلهية. وبعد التعارف، شرحت كاترينا التعاليم المسيحية للوافدين في حجرتها، وهم أيضاً تحولوا للإيمان بالمسيح.

في اليوم التالي، أحضر الجنود المحكوم عليها إلى محكمة القضاء مرة أخرى، وتحت تهديد الكسر تحت العجلة، حثوا كاترينا بالابتعاد عن الإيمان المسيحي وتقديم التضحية لآلهتهم. إلا أن محاولاتهم تبددت بعد أن اعترفت القديسة بالمسيح مرة أخرى واقتربت بنفسها من العجلة. وما لبثت أن اقتربت وإذ بملاكٍ يحطم أدوات الإعدام فتتفتت إلى أشلاء. بعد مشاهدتهم لتلك العجائب التي كانت تحصل، اعترفت الإمبراطورة أوغوستا والقائد بورفيري مع 200 من الجنود بإيمانهم بالمسيح أمام الامبراطور والجميع، وتم قطع رؤوسهم. ثم حاول ماكسيميان مرة أخيرة إغراء كاترينا وعرض الزواج عليها ولكنها أصرت على الرفض. واعترفت بحزم وإخلاص لعريسها السماوي، وبقلب خشوع وضعت رأسها على خشبة قطع الرأس تحت سيف الجلاد.

ذخائر القديسة كاترينا نقلها الملائكة إلى جبل سيناء. وفي القرن السادس، وبوحيً إلهي، تم العثور على رأسها ويدها اليسرى ونقلهم إلى ديرٍ كان قد شُيد حديثًا تحت اسمها في صحراء سيناء، بني على يد الإمبراطور جوستنيان (527-565).

يُقام قداس احتفالي سنويًا لتقديس ذكرى الشهيدة كاترينا في ديرها في سيناء، والذي غالباً ما يكون بترأس من غبطة البطريرك الأورشليمي ثيوفيلوس الثالث، ويقام تذكار آخر في الكنيسة الصغيرة التي تحمل اسمها في البلدة القديمة في القدس، على مرمى حجرٍ من البطريركية.