1

الإحتفال بعيد القديس ثيوذوسيوس رئيس الأديرة في البطريركية

إحتفلت البطريركية الأورشليمية يوم الأحد الموافق 24 كانون ثاني 2021 بعيد القديس إبينا البار ثيوذوسيوس رئيس الأديرة.

في هذا العيد تحيي الكنيسة كلها وخاصة الكنيسة الأورشليمية تذكار القديس ثيوذوسيوس الذي جاء إلى الأرض المقدسة من مسقط رأسه موغاريستوس في كابادوكيا حوالي عام 450 بعد الميلاد.

بعد أن جاهد في البداية في التتنسك في دير إيكليا المقدس بالقرب من أورشليم جاء إلى صحراء يهودا وأسس الدير المقدس الذي يحمل اسمه حتى يومنا هذا. استقبل هناك الرهبان المبتدئين الذين تدربوا على الطاعة والحياة المشتركة وأعمال الحرف اليدوية وكانوا يعولون الفقراء والمحتاجين. بعد هذا التدريب على حياة الرهبنة كان يحصل الرهبان على البركة للدخول في شكل أكثر صرامة من حياة النسك في لافرا القديس سابا المتقدس.

أصبح القديس ثيودوسيوس الرئيس الروحي ورئيس الأديار في فلسطين بينما ألقديس سابا كان يُعتبر الأب الروحي لحياة اللافرا.  كان كل من القديسين ثيودوسيوس وسابا من وطن واحد, وتعاونا بجهاد بالتصدي لهرطقة الطبيعة الواحدة وفي تأسيس عقيدة المجمع المسكوني الرابع في خلقيدونية عام 451 م، فيما يتعلق بالإتحاد غير المنفصل بين طبيعتي المسيح  الإلهية والبشرية، في أقنوم واحد.

يقع هذا الدير في المكان الذي مكث فيه الحكماء من بلاد فارس طوال الليل عند عودتهم عبر طريق مختلف إلى بلادهم. ولقد أثبت الدير أنه أقوى من الدمار الذي لحق به من مختلف الغزاة عبر الزمن. تم تجديده من قبل الرهبان الكريتيين غلاكتيون و ليونديوس في بداية القرن العشرين، وفي وقت لاحق في نفس القرن من قبل رئيس الأساقفة مادبا بارثولوميوس الذي من جزيرة خيوس، ومؤخراً من قبل الأرشمندريت إيروثيوس، الذي بنى جناحاً جديدًا للدير، وأكمل رسم الأيقونات الجدارية في الكنيسة وقام بحماية ممتلكات البطريركية في محيط الدير.

بسبب قيود covid-19، أقيمت صلاة السهرانية في الدير ترأسها غبطة البطريركي كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث وشاركه سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس، سيادة رئيس أساقفة سبسطية كيريوس ثيوذوسيوس المُحتفل بعيد شفيعه, قدس الأرشمندريت ماثيوس، قدس الأب يوسف وقدس الأب جوارجيوس، رئيس الشمامسةالأب ماركوس والشماس الأب سمعان. قام بالتريتيل سبدة المطران أريستوفولوس والرئيس الروحي لدير القديس سابا قدس الأرشمندريت إفذوكيموس ورهبان الدير.

قبل سر المناولة ألقى غبطة البطريرك كلمة في هذا اليوم المُبارك:

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس ثيوذوسيوس رئيس الأديار 24 -1-2021

تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

 يَا رَبُّ، مَنْ يَنْزِلُ فِي مَسْكَنِكَ؟ مَنْ يَسْكُنُ فِي جَبَلِ قُدْسِكَ؟ السَّالِكُ بِالْكَمَالِ، وَالْعَامِلُ الْحَقَّ، وَالْمُتَكَلِّمُ بِالصِّدْقِ فِي قَلْبِهِالَّذِي لاَ يَشِي بِلِسَانِهِ، وَلاَ يَصْنَعُ شَرًّا بِصَاحِبِهِ، وَلاَ يَحْمِلُ تَعْيِيرًا عَلَى قَرِيبِهِ. (مزمور 14: 1-3). هذا ما يتفوه به صاحب المزمور.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

أيها المسيحيون الأتقياء

     في زمن الظهور الإلهي الذي ظهر فيه المسيح لنا في نهر الأردن وأنار العالم أشرق لنا اليوم بهياً عيد تذكار أبينا البار ثيوذوسيوس، لهذا فقد التأمنا نحنُ كهنةً وشعباً في مكان نسكه المقدس ههنا لكي بشكرٍ نعطي مجداً للثالوث القدوس الذي كرّم قديسه.

     إن أبينا البار ثيوذوسيوس الذي أخصبَ هذه البرية، برية اليهودية الجدباء، وظهر مستحقاً لأن يُقيم ويقطن في مساكن الرب، الأرضية والسماوية متمماً كل وصايا الله، كما يقول القديس باسيليوس الكبير أنه لا يجب عليك أن تفعل فقط أعمال البر والعدل بل عليك أن تقوم بها برغبةٍ كما يقول سفر التثنية الْعَدْلَ الْعَدْلَ تَتَّبعُ (تثنية 16: 20) وبمعنى آخر إن أبينا البار ثيوذوسيوس العجائبي قد جمع في نفسه كل الفضائل متميزاً بأنه إنسان عادلٌ وقديسٌ رجل الله.

     وعدا عن هذا فإن مرنم الكنيسة يؤكد بوضوح في تسابيحه معترفاً عن القديس ثيوذوسيوس وقائلاً: أيها الأب البار ثيوذوسيوس المتوشح بالله. لقد جاهدت في هذه الحياة الوقتية الزائلة جهاداً عظيماً. بتسابيح وأصوام وسهر وقنوت. وصرت قدوة لتلاميذك. فأنت الآن مواطنٌ للملائكة العديمي الأجساد. لا تبرح تمجد المسيح الكلمة الإله من الإله والفادي. الذي حنى هامته للسابق وقدّس طبيعة المياه. فإليه تضرع مبتهلاً أن يمنح الكنيسة الوئام والسلام وعظيم الرحمة.

     وأما كيرلس سكيثوبوليتس كاتب سيرة حياة القديس ثيوذوسيوس يدعوه بأنه مستحق الغبطة ومستوطن السماء مجد فلسطين العظيم، وافتخار البرية وعضد للرهبان المتوحدين، ومحامياً ومدافعاً عن العقائد القويمة ومرشداً ودليلاً للأديار ولقوانينها.

     لقد جاء أبينا البار ثيوذوسيوس إلى الأرض المقدسة ونشئ مع كبار وعظماء شخصيات عصره من قديسي الصحراء كأفثيميوس الكبير وسابا المتقدس وأبينا الجليل في القديسين مركيانوس الذي في بيت لحم والذي سبق وأنبأ له قائلاً: لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل (متى 5: 14) وإن كنت متوارٍ ومختفٍ عن الجميع، فالله سيظهرك بوضوحٍ.

     وقبل أن يأتي إلى ههنا حيث هذا الموضع أعلى الجبل الذي أنشأ فيه هذا الدير المقدس، كان مع الشيخ لونجينوس الذي من كبادوكية الذي كان من طغمة المُهمين التابعة لكنيسة قيامة المسيح إلهنا، هذا الشيخ قد سلّمهُ إلى امرأة مغبوطة قديسة اسمها إيكيليا، كانت تملكُ قلايةً صغيرة وكنيسة جلوس والدة الإله. حيثُ انتُخبَ رئيساً على هذه الكنيسة بعد رقادها.

     لقد لمع وبرع المتوشح بالله ثيوذوسيوس أبينا البار بالإيمان الحقيقي الأرثوذكسي والنسك الدقيق حتى أن مرنم الكنيسة هتف قائلاً: لقد كنت إنساناً بالطبيعة أيها الأب ولكنك كنت مستوطناً مع الملائكة في السماء، كنت تحيا على الأرض أيها الحكيم كأنك بدون جسد راذلاً كل عناية واهتمام بالجسد لهذا فإنك تسمع تضرعاتنا، افرح لأنك منذ شبابك تبعت المسيح، افرح لأنك وطئت ملذات الجسد.

    حقاً إن مستوطن الصحراء ثيوذوسيوس قد هذّب فكر الجسد واهتماماته وروّضه ووطئ ملذات الجسد، سامعاً لوصية القديس الرسول بولس التي يقول فيها: لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ، وَلكِنَّ اهْتِمَامَ الرُّوحِ هُوَ حَيَاةٌ وَسَلاَمٌ.لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ للهِ، إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعًا لِنَامُوسِ اللهِ، لأَنَّهُ أَيْضًا لاَ يَسْتَطِيعُ. فَالَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللهَ. (رومية 8: 6-8)

    حقاً لقد تبعت المسيح منذ شبابك أيها البار المتوشح ثيوذوسيوس حتى أنك أصبحت تحيا مع الملائكة وذلك لأنه لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ. (رومية 8: 14) بحسب القديس الرسول بولس. ويفسر هذه الأقوال القديس يوحنا الذهبي الفم قائلاً: لم يقل لأن كثيرين يعيشون بروح الله إنما قال: لأن كثيرون ينقادون بروح الله مظهراً أنه يستخدم الروح سلطاناً وسيداً على حياتهم ويقتادهم كربانٍ يقود سفينة أو كسائق مركبة على زوج من الفرس. وأما بولس الحكيم فيقول: وَأَمَّا الرَّبُّ فَهُوَ الرُّوحُ، وَحَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ. (2كور 3: 17).

     وبكلام آخر إن إكليل ظفر الروح على الناموس أو بالأحرى على اهتمامات وفكر الجسد هي الحرية في المسيح كما يكرز بهذا الرسول بولس قائلاً: لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ. (رومية 8: 2) إن هذه الحرية في المسيح نستطيع الحصول عليها وذلك من خلال حرية إرادة الإنسان من جهة والتعاون مع نعمة الروح القدس من جهة أخرى.

     لهذا من هنا نستطيع أن نفهم لماذا يهتف مرنم الكنيسة قائلاً: لأنك بذلت دم العزيمة عن غيرةٍ شهيدية فأصبحت شهيداً عن حسن العبادة والتقوى بدون إراقة دمك يا ثيوذوسيوس المتأله اللب.

     تفرح وتفتخر كنيسة أوروشليم المقدسة في المسيح، وذلك لأنها لم تُظهر فقط وتُخرج شهداء دمٍ من أجل محبة المسيح، بل أيضاً شهداء التقوى وحسن العبادة وهؤلاء شهداء بدون إراقة الدماء أي شهداء للحفاظ على وصايا الله، فإفغاريوس أسخولستيكي يقول: ليس فقط الشهداء (شهداء الدم) هم الذين اقتبلوا الموت من أجل الإيمان بالمسيح بل هناك أيضاً من اقتبل موت الشهادة (بدون دم) من أجل الحفاظ على وصايا الله.  

     إن موت الشهادة بدون إراقة الدماء من أجل محبة وصايا المسيح وسُلّم الفضائل وجمال نساك برية فلسطين ثيوذوسيوس المتوشح بالله نتضرع إليه لكي مع الفائقة البركات والدة الإله الدائمة البتولية مريم يتشفع لدى الذي اعتمد من يوحنا المعمدان في نهر الأردن ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح لكي يمنح نفوسنا السلام وعظيم الرحمة ولمنطقتنا وعالمنا أجمع.

         لسنون عديدة سلامية خالية من وباء الكورونا المميت والمعدي

آمين

بعد خدمة القداس الإلهي أعد الرئيس الروحي للدير الأرشمندريت إيروثيوس مادبة طعام متواضعة.

مكتب السكرتارية العامة