1

القديس إفثيميوس الكبير

 

مقال لِ: هبه هريمات 

 

ولد لأبوين تقيين بعد سنوات طويلة من زواج خالٍ من الأطفال، وفي ذات يوم سمع الوالدان في رؤية صوتًا يقول “كونا فرحين! سوف يمنحكم الله ابناً يجلب الفرح للكنيسة”. وهكذا سمي الطفل إفثيميوس (معناه: ابتهاج عظيم)، أما حياته الزاهدة واعترافه الراسخ بالإيمان الأرثوذكسي منحاه لقب “الكبير” أو “العظيم”.

منذ نعومة أظفاره كان مكرسًا للكنيسة لذا حين بلغ السن المناسب عُهد إلى القديس إفثيميوس الإشراف على جميع أديرة المدينة. وعادة خلال فترة الصوم الكبير كان ينسحب إلى البرية. ولأن مسؤولياته عن الأديرة أثقلت كاهل حياته الزاهدة وتعارضت مع رغبته في السكون، غادر المدينة سراً وتوجه إلى القدس.

استقر القديس في خلية انفرادية في لافرا الثاران، بالقرب من القديس ثيوكتيستوس الذي كان أيضًا يعيش في زهد. كانا يتشاركان نفس الحماسة والنضال الروحي. كان لديهم مثل هذا التعاطف لبعضهما البعض بحيث بدا أنهما يتشاركان نفسًا واحدة وإرادة واحدة.

بدأ الناس الذين يسعون وراء المنفعة الروحية يتدفقون على الراهبين ويقدمون لهما الطعام. وتدريجياً نشأ مجتمع رهباني (لافرا) حولهما. بعدها قدم عدة رهبان من دير ثاران، من بينهم مارينوس ولوقا، فيما عهد القديس إفثيميوس  مهمة رعاية الدير المتنامي إلى صديقه ثيوكتيستوس.

خلال تلك السنوات قام القديس إفثيميوس بتعميد العديد من السكان العرب، وكان من بينهم  قائد العشيرة البدوية أسبيبت وابنه تريبون، وكلاهما قد شفيا من المرض على يد القديس إفثيميوس. مُنِحَ أسبيبت في المعمودية اسم بطرس وبعد ذلك أصبح أسقفًا للعرب فيما يعرف ب “مطران البدو”.

من ناحية أخرى، بدأت أخبار المعجزات التي تجري على يدي القديس إفثيميوس بالانتشار بسرعة في المنطقة. فلم يعد بمقدوره تحمل شهرة الإنسان ومجده وترك الدير سرًا، آخذاً بصحبته أقرب تلميذ له دومتيان إلى صحراء ربى واستقر في جبل مردا بالقرب من البحر الميت.

في سعيه وراء العزلة والسكون، استكشف القديس برية زيف (7 كم جنوب الخليل) واستقر في الكهف الذي اختبأ فيه النبي داود ذات مرة من الملك شاول. أسس القديس إفثيميوس ديرًا بجوار كهف داود وبنى عليه كنيسة، أثارها لا زالت موجودة ليومنا هذا. وخلال فترة اقامته وخدمته هناك، علم القديس إفثيميوس الرهبان على الثبوت بالإيمان الأورثوذكسي، كما شفى العديد من المرضى وأخرج الشياطين.

وفي كل مرة حاول فيها القديس الحفاظ على السكون وهدوء البرية في ديره، إلا أن الأخبار عن المعجزات التي تحصل على يديه استمرت بجذب الناس مما اضطره لترك المكان مرة أخرى والعودة إلى دير القديس ثيوكتيستوس، وفيما كان عائداً لهناك، وجد مكانًا هادئًا على رأس تل وقرر البقاء فيها. لاحقاُ، أصبحت تلك البقعة موقع لافرا القديس إفثيميوس التاريخي، الذي خدم ككهفٍ صغيرٍ لإقامته فترة حياته هناك، ثم تحول إلى قبره بعد وفاته.

ترعى بطريركية الروم الأرثوذكس ديراً للقديس أفثيميوس في البلدة القديمة بالقدس، والذي يبعد مسافة دقيقتين، سيرًا على الأقدام، من مقر البطريركية بجوار دير سيدتنا صيدنايا. ويحوي الدير جزءاً من رفات القديس أفثيميوس.