1

الإحتفال بعيد القديس ابينا البار جيراسيموس

إحتفلت البطريركية الاورثوذكسية الاورشليمية يوم الخميس من الأسبوع الأول للصوم الأربعيني المقدس الموافق 18 آذار 2021  بعيد القديس جيراسيموس الأردني في الدير الذي أسسه القديس في القرن الخامس بعد الميلاد والمسمى على اسمه والذي يقع في صحراء الضفة الغربية من نهر الاردن بالقرب من البحر الميت.

هذا الدير كان مصدراً للحياة الروحية ولحياة الرهبنة في الاراضي المقدسة. ولغاية اليوم يتوافد المسيحيون المؤمنون للدير للتبارك من أيقونة القديس والتضرع للقديس لشفاء الامراض.

ولد القديس جيراسيموس في آسيا الصغرى وقَدِم الى ألارض المقدسة وتوحد في القرن الخامس ميلادي في منطقة نهر ألارن وتميز بقدرته على التنسك وأصبح في ما بعد بمثابة أب روحي ومعلماً لتلاميذ كثيرين قد سمعوا عنه واتوا ليسلكوا طريقه التنسكية. وتميز أيضا بكفاحه من اجل إثبات حقيقة طبيعيتي السيد المسيح, الطبيعة الإنسانية والطبيعة الإلهية.

وبمناسبة هذا العيد ترأس غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث خدمة القداس الالهي في دير القديس (المسمى ايضأ دير حجله), يشاركه أصحاب السيادة متربوليت كابيتاليس إسيخيوس, رئيس أساقفة قسطنطيني أريسترخوس, متروبوليت إلينوبوليس يواكيم, وآباء من أخوية القبر المقدس. وحضر الخدمة القنصل اليوناني العام في القدس السيد إيفانجيلوس فليوراس وعدد من المصلين من القدس والجليل.

 

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة آوروشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في عيد القديس جراسيموس الأردني 17/3/2021

تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

 

يقول صاحب المزمور”اَلصِّدِّيقُ كَالنَّخْلَةِ يَزْهُر، كَالأَرْزِ فِي لُبْنَانَ يَنْمُو” (مزمور 91: 14).

تبتهج اليوم بريّة الأردن وذلك لأنّه اليوم كالنخلة أزهر التذكار المقدس لأبينا البار المتوشح بالله جراسيموس السائح الذي نشأ في ليكية، ويفرحُ أيضاً ديرهُ المشيد والمقام على اسمه حيث جمعتنا اليوم في اللافرا المقدسة نعمة الروح القدس لكي بشكرٍ وتمجيد نمجد الإله الذي مجد قديسه.

لقد سمع البار جراسيموس إلى أقوال الرب “. أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا (يو 6: 35) وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا. (يو 6: 37) فذهب إلى أقاصي صحراء ثيبه ثم منها إلى بريّة الأردن المباركة حيث لمعَ كنجمٍ، باذراً بذار التقوى كما يقول كيرلس سكيثوبوليتس.

أصبح أبينا البار جراسيموس مقتدياً بِالَّذِينَ بِالإِيمَانِ وَالأَنَاةِ يَرِثُونَ الْمَوَاعِيدَ. (عبرانيين 6: 12) وأصبح ساكناً برية الأردن وذاع صيته وكان في علاقاتٍ مع أبرز نساك وكبار عصره أمثال أفثيميوس الكبير وسابا المتقدس والبارين ثيوكتيستوس ومرتيريوس وأيضاً الكثير من الآباء السوّاح في برية الأردن الذين سمعوا لما يوصينا به النبي الملك داؤود اُطْلُبُوا الرَّبَّ وَقُدْرَتَهُ. الْتَمِسُوا وَجْهَهُ دَائِمًا. اذْكُرُوا عَجَائِبَهُ الَّتِي صَنَعَ، آيَاتِهِ وَأَحْكَامَ فِيهِ (مزمور 104: 4-5).

يعرضُ الكتاب المعاصرون وشهود العيان المتوشح بالله جراسيموس ليس فقط بأنه “عاشق للإلهيات” بل أيضاً “خزانة كنز محبة البشر” وأرضاً للوداعة” وعدا عن هذا أنهُ أماتَ أهواءهُ البشرية، لهذا فإن جراسيموس الإلهي كان يلبث صائماً منقطعاً طيلة الصوم الأربعيني المقدس مكتفياً فقط بتناول القدسات. لهذا فقد ارتقى إلى علو معاينة المجد الإلهي كما يؤكد على هذا مرنم الكنيسة قائلاً:”لقد صَعِدتَ على سلم الفضائل ووَصلت إلى علو النظر العقلي، وأظهرت جلياً أسرار المسيح الإلهية أيها المتوشح بالله لهذا نكرمك عن حُسن عبادة ونهتف قائلين: المجد للمسيح الذي أعطاك القوة، المجد للذي كللك، المجد للذي يصنع بك الأشفية للجميع

إن “المعاينة العقلية” للعلو الذي ارتقى إليها أبينا البار جراسيموس ليس هو إلا معاينة مجد إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي سْأَلُ أبيه ليس مِنْ أَجْلِ تلاميذه فَقَطْ بَلْ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكَلاَمِهِمْ (أي بكرازة الرسل) لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ. (يوحنا 17: 20-24).

ويفسّر القديس كيرلس الإسكندري أقوال الرب هذه قائلاً: إن رؤية مجد المسيح لن تُعطَ للدنيويين والخطأة، ولا لمن يهينونُ ناموسَ الله بل فقط للقديسين والأبرار وهذا نعلمه أيضاً من كلام النبي “فليبعد الشرير بعيداً لكيلا يرى مجد الرب. (إشعياء 26: 10) وأيضاً نقرأ في إنجيل مخلصنا المسيح أنهُ” طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ. (متى 5: 8). ومن هم الذين يمكنهم أن يكونوا أنقياء القلب، سوى هؤلاء الذين باتحادهم بالله بالابن في الروح القدس، قد حرروا أنفسهم من الشهوات الجسدية وأبعدوا عن أنفسهم ملذات ومطربات العالم وأنكروا ذواتهم وسلّموا أنفسهم من جهةٍ بالكلية لمشيئة الروح القدس والذين من جهةٍ أخرى بكلّ نقاوةٍ وإخلاص صاروا مواطنين مع المسيح، وذلك مثلما كان بولس الذي بسبب نقاوته وطهارته التامة لم يخف أن يقول ” مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. (غلاطية 2: 20)

وعن سؤالنا بأي طريقةٍ يتحد الأبرار والخيّرين أي أنقياء القلوب بالله أو بالأحرى أن نقول كيف ينجحون بتألههم. فيجيب أب الكنيسة المميز القديس كيرلس الإسكندري أن الرب قال: أنا فيهم وأنت فيّ ليكونوا مكملين إلى واحد لأن الابن يسكن فينا بمعنى جسمي كإنسان إذ يتحد بنا عبر سر الشكر الإلهي ويسكن فينا أيضاً بمعنى روحي كإله بواسطة عمل روحه الفعّال ونعمته إذ يجدد أرواحنا فينا للحياة الجديدة ويجعلنا شركاء طبيعته الإلهية. فالمسيح هو رباط الاتحاد بيننا وبين الله الآب وهذا ما يؤكد عليه أبينا القديس كيرلس الإسكندري بأننا قد جُعلنا مكملين في الوحدة مع الله الآب من خلال وساطة المسيح.

إن هذا الكمال الإلهي في المسيح وبالمسيح قد حصل عليه القديس جراسيموس عبر جهاده النسكي وصومه وامساكه وصلاته المستمرة واستطاع بذلك أن يدحرَ معسكرات وجحافل الأبالسة كما يؤكد بذلك مرنم الكنيسة قائلاً: بسهام صلواتك دحرتَ جحافل الشياطين بشجاعةٍ فسبحت يا جراسيموس المسيح ابن الله.

إن عيد تذكار أبينا البار القديس جراسيموس الذي نُقيمه اليوم في هذا الدير الذي يحمل اسمه في هذا الأسبوع الأول من الصوم الأربعيني المقدس ولا سيما في خضمّ تفشي جائحة الوباء المعدي المميت مرض الكورونا فإن تذكار عيد القديس يشجعنا أيها الإخوة الأحبة أن نعمل ما أوصانا به القديس الرسول بولس فَلاَ نَنَمْ إِذًا كَالْبَاقِينَ، أي” الذين يجهلون المسيح” بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ. لاَبِسِينَ دِرْعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ، وَخُوذَةً هِيَ رَجَاءُ الْخَلاَصِ. (1تس 5: 6-8) وهذا لأن مرنم الكنيسة

يهتف قائلاً: إن غنى نعمة الروح القدس تُعطى لجميع الذين يجمعونها بتعب الزهد والإمساك.

ختاماً نتضرع إلى القديس جراسيموس المعاين الله ومع المرنم نهتف ونقول: إن الذي تجسد من دماء أحشائك النقية يا طاهرة هو يطهرنا من أدناس الجسد بالصوم والنسك فلا تَكُفّي متشفعةً فينا يا والدة الإله العذراء لكي بالتوبة والتواضع والصبر نَلِجُ إلى قيامة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح البهية قائمين معه الذي له المجد والعزة إلى الأبد آمين.

بعد القداس أعد الرئيس الروحي للدير الأرشمندريت خريسوستوموس مائدة طعام صيامية على شرف غبطة البطريرك والوفد المافق له.

مكتب السكرتارية العامة