غبطة البطريرك يترأس خدمة القداس الإلهي في دير مولد القديس السابق المجيد يوحنا المعمدان
ترأس غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث صباح يوم الأحد الموافق 18 نيسان 2021 وهو الأحد الخامس من الصوم الأربعيني المقدس وفيه تقيم الكنيسة تذكار القديسة مريم المصرية, خدمة القداس الإلهي في دير مولد القديس السابق المجيد يوحنا المعمدان الواقع في منطقة عين كارم في القدس الغربية.
هذا الدير قديم جداً, وكنيسة الدير بنيت على عهد البطريرك الأورشليمي كيرلس عام 1864 في المنطقة الني كانت معروفة بمنطقة الجبال “فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا , وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ” (لوقا الإصحاح 1 عدد 39-40).
شارك غبطة البطريرك في خدمة القداس الإلهي سيادة متروبوليت الناصرة كيريوس كيرياكوس, سيادة متروبوليت إلينوبوليس كيريوس يواكيم, آباء من أخوية القبر المقدس, مسؤول الجالية الروسية التابعة للبطريركية الأرشمندريت نيكولاوس كُلينسكي, والمتقدم في الشمامسة الأب ماركوس. وحضر الخدمة أبناء من الجالية الروسية والجالية اليونانية والقنصل العام السيد إفانجيلوس فليوراس.
بعد القداس أستضاف مُشرف الدير الراهب خاريتون غبطة البطريركمع الأساقفة والحضور في الدير.
كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة آوروشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في عين كارم في الأحد الخامس من الصوم الأربعيني الكبير 18/4/2021
تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي
فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يُحْسَبُونَ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَأَنَّ عُظَمَاءَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ.فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ عَظِيمًا، يَكُونُ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلًا، يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا. لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (مر 10 :42_45)
أيها الأخوة المحبوبون في المسيح
أيها المسيحيون الأتقياء
اليوم هو الأحد الخامس من الصوم الأربعيني الكبير وفيه تصنع كنيستنا المقدسة تذكار أمنا البارة القديسة مريم المصرية والتي أصبحت مثالاً للتواضع وللتوبة لأولئك الذين يريدون أن يتحرروا، من عبودية أهواء الخطيئة، وبالأخص الأهواء والملذات الجسدية لأن الرب يقول لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَة. (مرقس 2: 17).
إن أقوال ربنا يسوع المسيح هذه موجهةً للإنسان الذي خُلقَ على صورة الله ومثاله والذي يُشكل “أي الإنسان” عظمة الخليقة العقلية، أي خلق العالم.
إن التوبة هي عطية الله وهبةً منه وهي تمَنحُ الإنسان الخاطئ القدرة على معْرِفَةِ الْحَقِّ (2تيم 2: 24) أي أن يقوم ويأتي إلى المعرفة الحقيقية الكاملة والمستقيمة والتي من خلالها يستطيع أن ينجح التائب بخلاصه في المسيح. فبحسب القديس يوحنا السلمي إن التوبة هي استعادة المعمودية، التوبة هي تعهدٌ لله بحياة ثانية، التائب هو من يبتاع التواضع، وبكلام آخر إن التوبة تتطلب التواضع أولاً، فالمسيح نفسه صار مثالاً ونموذجاً للتواضع كما يكرز بولس الرسول وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ (فيلبي 2: 8-9)
لهذا فإن المسيح يوصينا قائلاً وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلًا، يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (مرقس10: 45). ويُفسر أقوال الرب هذه القديس ثيوفيلكتوس قائلاً: إن ابن الإنسان قد جاء لِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ فإن الأعظمُ هو الذي يَخدِمُ “فالمسيح”لم يَخدِمْ فقط بل مات من أجل الذين يَخدمهم فما هو أعظم وأعجب من هذا؟ إن خدمة المسيح وتنازله قد جعلته أرفع وأعظم مجداً من الجميع. وأما القديس يوحنا الذهبي الفم فيقول: لأن المسيح قد تواضع فعلى كل الطبيعة البشرية أن تتبع تواضعهُ”
إن الخطيئة والتي نعني بها المرض النفسي والجسدي ترافق الإنسان طيلة حياته الأرضية كما يقول الملك النبي داؤود: لأني أنا عارف بإثمي وخطيئتي أمامي في كل حين (مز 50: 5) وذلك لأن كما يقول أيضاً داؤود النبي: ها أنا ذا بالآثام حُبل بي وبالخطايا ولدتني أمي (مز 50: 7). إن رحمة الله التي لا تحصى وتحننه الذي لا يحد هي على خائفي الله إلى الأبد كما يؤكد المزمور قائلاً: أما رحمة الرب فمن الأزل وإلى الأبد على خائفيه(مز 102: 17) وبحسب شهادة لوقا الإنجيلي إن رَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. (لوقا1: 50). وبكلام آخر أيها الإخوة الأحبة إن الله ينظر بناظره العطوف وبرحمته لأولئك الذين يقبلون إليه بخوف وخشوع وتقوى وقلب متواضع تائب.
إن عطف الله ورحمته هي التي اكتنفت البارة مريم، عندما جاءت إليه عازمةً أن تغيرَ حياتها وتستعطف الله بالتوبة لهذا فإن المرنم يقول: أيُّها المسيح، إنّ قوة صليبكَ قد صنعتْ العجائب، لأن التي كانت زانيةً بدءاً، قد جاهدتْ جهاداً نسكيّاً. ولهذا أطَّرحتْ الضعف الطبيعي، وقاومت الشيطان بشجاعة. لذلك، بما أنّها أقتبَلت جائزة الغلبة، تتشفَّع من أجل نفوسنا.
لقد نجحت البارة مريم في تطهير قلبها بالتوبة وبالطبع بقوة الصليب الكريم حتى يسكن الروح القدس في قلبها كما قال داؤود النبي قلباً نقياً اخلق فيّ يا الله وروحاً مستقيماً جدد في أحشائي (مز 50: 12) ويفسر القديس ايسيخيوس الأوروشليمي أقوال المزمور هذه قائلاً: إن الروح المستقيم ليس هو الروح “النفس” الذي يُحيي الإنسان بل هو روح الله الذي هو في أحشاء الإنسان الذي يوجد في قلب ونفس الإنسان الصالح الذي يتجدد بإرادته وبحسب أوريجانس إن القلب يُبنى أولاً طاهراً ونقياً وعلى هذا القلب الطاهر يُجَدّد الروح المستقيم أحشاءه.
فها قد اتضح السبب لماذا تسمى التوبة تجديد أو استعادة المعمودية وتعهد لله بحياة ثانية فلنسمع ماذا يقول بولس الرسول وَكَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ، هكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضًا، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ. (عب 9: 27-28) وبتوضيح أكثر إن المسيح سيظهر للمرة الثانية أي في المجيء الثاني دون أن يحمل على نفسه خطايا الآخرين بل سيظهر لأولئك الذين ينتظرونه بشوقٍ ورجاءٍ لكي يخلصهم.
فها قد أصبح واضحاً وبكل تأكيد أن نبع التوبة هو التواضع ونبع التواضع هو صليب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح المحيي ففي هذه الطريق أي في طريق التواضع والتوبة وقوة الصليب الكريم المحيي قد سلكت فيها بالقول والفعل أمنا البارة مريم المصرية التي نكرمها اليوم، وهي التي أصبحت مثالاً ونموذجاً للتوبة الخلاصية يُقتدى ويُحتذى بها، كما يكرز الرسول بولس قائلاً: وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ. (غلاطية 5: 24)
ختاماً نتضرع أيها الأخوة الأحبة إلى والدة الإله العذراء مريم أم الله ومع المرنم نهتِفُ ونقولامنحينا معونة بطلباتكِ يا كلية النقاوة وادحضي عنا صدمات النوائب الصعبة.ويا مريم المجيدة. الآن، بما أنّك ماثلة بدالّةٍ لدى المسيح، توسّلي من أجل نفوسنا.
كل عام وأنتم بألف خير
مكتب السكرتارية العامة