1

البطريركية الأورشليمية تحتفل بأحد السامرية

إحتفلت البطريركية الاورشليمية يوم الاحد الموافق 30 أيار 2021 بالاحد الرابع بعد الفصح المجيد المعروف بأحد السامرية, وهو تذكار المرأة السامرية التي تحدثت مع الرب يسوع المسيح عند بئر يعقوب وآمنت بأنه المسيح المخلص وبشرت باسمه في كل السامرة حينها آمن بالمسيح كثير من السامريين (يو الإصحاح 4 عدد 5-42). حسب السنكسار الكنسي اي سِيَر القديسين اسم هذه المرأه هو فوتيني اي المستنيرة.

إحتفالاً بذكرى هذا الحدث الإنجيلي الخلاصي  تم الاحتفال بالقداس الإلهي في الكنيسة الرائعة التي بناها فوق البئر الرئيس الروحي أرشمندريت يوستينوس. الكنيسة مكرسة للمرأة السامرية التي آمنت بالرب وعانت من الاستشهاد هي وأفراد أسرتها, إخوتها وأخوات القديسين أناتولي, فوتوس, فوتيدا, باراسكيفي وكيرياكي وابنيها, القديسين فوتينوس ويوسيس.

ترأس خدمة القداس الإلهي غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يشاركه السادة المطارنة , كيريوس تيموثيوس متروبوليت البصرى والوكيل البطريركي في قبرص, كيريوس اريسترخوس سكرتير البطريركية العام رئيس اساقفة قسطنطيني, آباء من أخوية القبر المقدس, وكهنة الرعية الاورثوذكسية في مدينة نابلس والقضاء بحضور أبناء الرعية والقنصل اليوناني العام في القدس, ورُتلت الصلاة باللغتين العربية واليونانية في اجواء احتفالية.

خلال القداس الإلهي القى صاحب الغبطة عظة روحية:

    تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

      إن الرب المتحنن لمّا وافى إلى البئر فسأَلتهُ السامرية قائلة هبني ماءَ الإيمان يا معطي الحياة فأتناول المعمودية للبهجة والنجاة يا رب المجد لك. هذا ما يقوله مرتل الكنيسة.

أيها الإخوة المحبوبون بالرب يسوع المسيح،

أيها المسيحيون الزوار الأتقياء،

     إن المسيح إلهنا ينبوع الحياة وعدم الموت قد جمعنا اليوم في هذا المكان والموضع والمزار المقدس عند بئر رئيس الآباء يعقوب حيث قابل ربنا المرأة السامرية لكي نُعيّد بتمجيد وفرح وابتهاج فصحي لعيد المرأة السامرية.

     عند مقابلة المسيح للمرأة السامرية عند بئر يعقوب حيث تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ، جَلَسَ هكَذَا عَلَى الْبِئْرِ (يو4: 6) وَقَالَ لَهاَ: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًاوَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ». قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ أَعْطِنِي هذَا الْمَاءَ، لِكَيْ لاَ أَعْطَشَ وَلاَ آتِيَ إِلَى هُنَا لأَسْتَقِي”(يوحنا 4: 13-15).

     ويفسر القديس كيرلس الإسكندري أقوال الرب التي سبق ذكرها قائلاً: يجب أن نعرف أيضاً أن المخلص يسمي نعمة الروح القدس بالماء الذي إن ناله أحدٌ صار مساهماً فيه فإنه يأخذ عطية التعليم الإلهي متدفقاً في داخله حتى أنه لا يصبح بحاجة إلى أن يعلمه آخرون بل هو بالحري يحث أولئك الذين يعطشون إلى الأقوال الإلهية والسماوية كما كان يفعل القديسين الأنبياء والرسل وورثتهم في الخدمة الرسولية الليتورجية خلال حياتهم الأرضية.

     بالفعل لقد نالت المرأة السامرية نعمة الروح القدس وصارت مساهمة فيه بحسب قول الرب بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ (يوحنا 4: 14). ومن الجدير بالذكر أن المرأة السامرية لم تكن في حالةٍ وموقف تدرك فيها عمق وأهمية أقوال الرب ولكن وبالرغم من هذا فإن المسيح قد كشف نفسه لها كما يشهدُ بذلك القديس الإنجيلي ُيوحنا:” قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ.قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ (يو4: 25).

     حقاً إن المسيح لم يُظهر لها ذاته فقط بل علّمها الحقيقة أيضاً التي كُرزَ بها أيضاً في العهد القديم (3ملوك 8: 27) وهي أن اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا (يو 4: 23-24).

     ونقول هذا لأنه كما يوضح القديس كيرلس الإسكندري أن المسيح لا يعلن نفسه فقط للناس غير المتعلمة كالرسل الذين كانوا صيادين، أو لغير المتعلمين والذين في الخطيئة والجهل كالمرأة السامرية، بل لأولئك الناس أيضاً الذين تتعطش نفوسهم للحقيقة وفي داخل نفوسهم وُلِد الإيمان من أجل معرفة الأسرار الأكثر كمالاً. فالمسيح لا يُعلن ذاته للنفوس الجاهلة جهلاً مطبقاً بل يشرق ويظهر لأولئك الذين هم أكثر استعداداً واشتياقاً للتعلم وبالرغم من أولئك الذين يتصعبون في بداية إيمانهم بكلمات بسيطة إلا أنهم ينطلقون إلى معرفة ما هو أكثر كمالاً.

     وبكلام آخر إن المسيح الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ. (1تي 2: 4) يدعو المرأة السامرية بطريقة ما وذلك لكيلا تبقى في إيمانها البدائي البسيط بل أن تنطلق إلى الإيمان الأكثر عمقاً والأكثر كمالاً، هذا الإيمان الذي يقود إلى التأله أي إلى استنارتها في الروح الكلي قدسه. وهذا ما حصل حقاً لأنها أضحت معادلة للرسل وشهيدة لمحبة المسيح.

     إن الرغبة الحية للإيمان الكامل يؤكد عليها بوضوح القديس إغناطيوس المتوشح بالله في رسالته إلى أهل روما قائلاً: لقد صُلب حبي الشهواني (أي حبي للعالم) وما عاد في داخلي أي نارٍ لاشتهاء الماديات بل يتكلم في باطني الماء الحي (يوحنا 4: 10) قائلاً: تعال إلى الآب، لم أعد أتلذذ بطعامٍ فاسدٍ أو بلذة ومباهج هذه الحياة. أريد خبز الله الذي هو جسد المسيح من نسل داؤود والشراب الذي أريده هو دمه الذي هو المحبة عديمة الفساد.

     إن المرأة السامرية والتي عُرفت من المسيح فيما بعد باسم فوتيني قد نالت إكليل الشهادة على عهد الإمبراطور نيرون وأُحصيت مع جوق القديسين الشهداء في السماوات. وهي لم تتوقف قط القديسة فوتيني مبشرةً إيانا بالطريقة المستقيمة للسجود للهُ الآب بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ. (يو 4: 24) من جهةٍ، ومعلمةً إيانا بالتقوى ومخافة الله التي هي ممارسة الحياة المسيحية بالقول والفعل من الجهة الأخرى.

     ونقول هذا لأن الرب يقول “لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. (متى 7: 21). لقد وبخ يسوع أولئك الذين أفكارهم وشهواتهم ورغباتهم وأعمالهم هي غريبة عن مشيئة الله وإرادتهِ، إذ يقول مستشهداً بقول النبي اشعياء يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُني بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا وَبَاطِلًا يَعْبُدُونَني وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ (متى 15: 8-9) (اشعياء 29: 13).

     وبكلام آخر أيها الإخوة الأحبة إن من نعيّد لها ونكرمّها المرأة السامرية تشكل بحد ذاته مثالاً لنا لكي نقتدي ونحتذي بها نحن وبالأخص فيما يتعلق باهتمامنا بحقيقة تقليدنا المقدس وإيماننا الأرثوذكسي وعبادتنا النقية الطاهرة لله.

     ختاماً نشكر ونسجد للذي وُلد من العذراء والدة الإله الدائمة البتولية مريم، إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي نسجد له بالحق والروح في توبةٍ وتواضع قلبٍ شاكرين إياه ومتوسلين له ومع المرنم نهتف ونقول:” إن السامرية هتفت نحو المسيح الكلمة أنت هو ماء الحياة فاسقني إذاً كل حين أنا الظامئة إلى نعمتك الإلهية أيها الرب يسوع لئلا أنضبط أيضاً بغليل الجهل بل أنذر مخبرة بعظائمك”.

المسيح قام

كل عامٍ وأنتم بألف خير

وعلى مائدة المحبة التي أعدها قدس الأرشمندريت يوستينوس على شرف غبطة البطريرك والحضور القى صاحب الغبطة الخطاب التالي:

تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

هكذا يقول الرب للسامرية لو عرفتِ موهبة الإله ومن هو القائل لكِ اعطيني ماءً لأشرب لكنتِ استمحتهِ انتِ واعطاكِ أن تشربي لكيلا تعطشي إلى الأبد يقول الرب.

سعادة قنصل اليونان العام

قدس الأب الأرشمندريت يوستينوس الجزيل الوقار

الإخوة والآباء الأجلاء

الحضور الكريم كلٌ مع اسمهِ مع حفظ الألقاب

     نشكر إلهنا وربنا ومخلصنا يسوع المسيح القائم من القبر الذي أهلّنا اليوم أن نعيّد بفرح فصحيّ لعيد المرأة السامرية في هذا الموضع المبارك عند بئر يعقوب رئيس الآباء حيث شربت المرأة السامرية المشروب الروحي لعطية الله.

     إن عطية الله هذه هو الروح القدس الذي يُثبتُ ويجمعُ مؤسسة الكنيسة أي جسد إلهنا ومخلصنا المسيح. إن مقدار عظمة هذه العطية الإلهية ليس بالمقدور أن يُعبر عنهُ بالأقوال كما يقول القديس الرسول بولس: فَشُكْرًا للهِ عَلَى عَطِيَّتِهِ الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا. (2 كو 9 : 15 ).

     نحن أيها الإخوة المحبوبون في المسيح أعضاء جسد المسيح الكريم قد نلنا الروح القدس وصرنا مشاكرين في العطية والموهبة الإلهية السماوية وذلك عند المعمودية المقدسة.

     إن هذه العطية السماوية تمتلكها كنيستنا المقدسة والتي عبر العصور تشهد بحب الذي لا يُسبر غوره، محبة الله لجنس البشر في العالم بشكل عام وفي منطقتنا بشكل خاص. فهذه العطية التي لا تقدر بثمن، عطية دعوتنا للمسيح ولكنيسته، التي نحن مدعوون أن نعرف وبالأخص في هذه الأيام وفي هذا الوقت من الزمان الذي يسود فيه الاضطراب والفوضى والانشقاقات أن نصغي لما يحثنا عليه القديس بولس الرسول قائلاً:  لاَ أَزَالُ شَاكِرًا لأَجْلِكُمْ، ذَاكِرًا إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِي،كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ، مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ، (أفسس 1: 16-18).

     ختاماً نتضرع إلى من نكرمها ونعيد لها اليوم المرأة السامرية والتي أصبحت شهيدة لمحبة المسيح إلهنا لكي مع أبينا الجديد في الشهداء فيلومينوس الذي من أخوية القبر المقدس لكي يتشفعوا إلى ربنا وإلهنا من أجلنا جميعاً ومن أجل سلام الأرض المقدسة وأيضاً من أجل أن ننجو جميعاً من جائحة وباء الكورونا المعدي.

المسيح قام

مكتب السكرتارية العامة