1

ألاحتفال بعيد القديس اونوفريوس

إحتفلت البطريركية الأورشليمية يوم الجمعة الموافق 25 حزيران 2021 بعيد القديس البار أونوفريوس المصري. في هذا اليوم تقيم الكنيسة تذكار هذا القديس البار الذي جاء من مصر الى الأرض المقدسة وتنسك في الصحراء في كهف لمدة ستين عامًا في عزلة صارمة وأصبح معروفاً لدى الآباء عندما وجده القديس بافنوتيوس.

تم إحياء ذكرى القديس في الدير المقدس التاريخي المُكرس على إسمه الذي يعود بناءه الى القرن الخامس للميلاد ويقع بالقرب من بركة سلوام في حقل الخزاف الذي اشتراه سنهدريم اليهودي لدفن الأجانب بالثلاثين قطعة من الفضة التي أعادها يهوذا إليهم بعد تسليمه الرب يسوع المسيح (متى 27: 1-11).

من بين المقابر العديدة المنحوتة في الدير يوجد قبر القديس يوفيناليوس بطريرك أورشليم الأول (451 م).

في كنيسة الدير داخل صخرة وهو المكان الذي فيه عاش القديس ترأس غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث خدمة القداس الإلهي يشاركه أصحاب السيادة متروبوليت الناصرة كيريوس كيرياكوس, متروبوليت كابيتاليس إيسيخيوس, رئيس أساقفة قسطنطيني أريسترخوس, قدس الأرشمندريت ماتيوس, قدس الأرشمندريت مكاريوس, كهنة الرعية الأورثوذكسية قدس الأب يوسف, قدس الأب الياس, قدس الأب سمعان, قدس الأرشمندريت إيسيذوروس, المتقدم في الشمامسة الأب ماركوس والشماس المتوحد الأب إفلوغيوس. وحضر خدمة القداس الإلهي القنصل اليوناني في القدس السيد إيفانجيلوس فليوراس وعدد من الرهبان والراهبات وزوار الدير, وخلال القداس القى غبطة البطريرك وعظة روحية.

 بعد الانتها ء من الاحتفال أُقيمت صلاة النياحة عن روح مؤسسة الدير الراقدة الراهبة سيرافيما وبارك غبطة البطريرك العنب والتين, ثم إستضافت رئيسة الدير الراهبة باييسيا غبطة البطريرك مع الأساقفة والآباء والحضور في قاعة الدير.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس أبينا البار أونوفريوس

كلمة البطريرك تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

يقول المغبوط بولس: لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ: لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلًا ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّلأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ، لإِيمَانٍ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا». (رو 1: 16-17)

أيها الإخوة المحبوبون

أيها الزوار الأتقياء

    إن نعمة الروح القدس الكلي الاقتدار الذي حلّ على شكل ألسن نارية على الرسل القديسين وتلاميذ الرب قد جمعتنا اليوم في هذا المكان حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ المسُمِّى «حَقْلَ الدَّمِ» (متى 27: 7-8) لكي نعيّد للتذكار الموقر لأبينا البار أنوفريوس المصري في هذا الدير المقدس المقام على اسمه والذي شُيّدَ من قبل آباء وأخوية القبر المقدس الأجلاء.

    لقد سمع أبينا البار أونوفريوس عن سيرة النساك العظام أمثال القديس يوحنا المعمدان والقديس النبي إيليا الغيور وابن موطنه القديس أنطونيوس فخرج إلى الصحراء حيث تنسك لمدة ستين سنة لم يعاين فيها مطلقاً وجه إنسان.

    حقاً لقد برهنت سيرة حياة أبينا البار أونوفريوس النسكية والملائكية أنه وُجِدَ أهلاً ومستحقاً لإكليل البر الذي أعده المسيح كما يؤكد هذا مرنم الكنيسة: لقد أتممت أيها الأب شوط النسك بدون اعتسافٍ. وحفظت الإيمان. ومن ثم نلت إكليل البر الذي أعده لك المسيح. المانح الجوائز على حسب الاستحقاق والمكافئ عن الأتعاب والمشاق. فابتهل الآن إليه أن ينقذنا من الخطوب والأهوال.

    وربما يتساءل أحدٌ ما قائلاً ما هو إكليل البر الذي نالَهُ أبينا البار أونوفريوس من ربنا يسوع المسيح؟  فلنسمع أولاً للقديس بولس الرسول ماذا يقول حتى نستطيع أن ندرك ما هو إكليل البر إذ يقولإِنْ كَانَ أَحَدٌ يُجَاهِدُ، لاَ يُكَلَّلُ إِنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيًّا. (2تيم 2: 5) وأيضاً يتحدث الرسول بولس عن نفسه قائلاً: قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا (2 تيم 4: 7)

    ويفسر القديس يوحنا الذهبي الفم أقوال بولس الرسول هذه قائلاً: إن الذي يحب ويشتاق لظهور (الرب الديان العادل) في مجيئه سيعمل جاهداً حتى أن يراهُ ولو قليلاً قبل اللقاء به في ظهوره العام (في المجيء الثاني) حسب إنجيل يوحنا إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا. (يوحنا 14: 23)

    ويفسر القديس كيرلس الإسكندري أقوال الرب هذه: إن الذين استنارت أذهانهم بكل فضيلة وقد صاروا في حالةٍ مناسبةٍ لأن يدركوا الأسرار الإلهية الخفية فإنهم ينالون مصباح الروح القدس وبالتالي سينظرون بعيون النفس الرب نفسه الذي سكن في داخلهم. لذلك فإن المعرفة التي يملكها القديسون ليست هي التي عند بقية الناس كلها بل هي معرفة خاصة ومتميزة عن معرفة بقية المؤمنين.

    فها قد أصبح من الواضح بأن إكليل البر الذي ناله أبينا البار أنوفريوس هو المعرفة الخاصة والمتميزة عن باقي المعارف الأخرى.

    إن هذه المعرفة هي تلك التي تنير وتشرق في الذهن من خلال قوة الروح القدس المنيرة إذ يقول القديس كيرلس الإسكندري: إن المسيح هو الذي يساعدنا بكلِ طريقةٍ وبكل كلامٍ. فأولاً “المسيح” هو الذي يحدد من هو الذي يحبه ومن هو مستحق أن ينال قوة نعمته أي فعل الروح القدس المنير. هو ذلك الذي كان له فخر ومجد الاتحاد بالمسيح وعلاقته الوطيدة به عن طريق حفظ وصايا المسيح.

    فها قد اتضح أيها الإخوة الأحبة لماذا تعرضُ لنا كنيستنا كنيسة المسيح المقدسة تذكار القديسين وتكرمهم من جهةٍ وتدعونا جميعنا بفم هامة الرسل القديس بطرس الرسول من الجهة الأخرى” نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ.لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ». (1 بط 1: 15-16).

    إن الله الآب الذي دعانا قدوسٌ هو ومنزه عن كل دنسٍ وليس أحدٌ بمقدوره الاقتراب إليه لأَنَّ «إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ، (عب 12: 29) غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ (يع 1: 13) سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، (1 تيم 6: 16)

    لقد حاز أبينا البار أونوفريوس من خلال جهاده ونسكه القاسي في البرية أن يطهر قلبه بحسب وصية ربنا طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ. (متى 5: 8) وأن يرتقي سلم البر أي سلم التأله والقداسة صائراً شريكاً للطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ (2بط 1: 4)

    ختاماً نتضرع إلى ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي توّج أبينا البار القديس أونوفريوس بإكليل البر والمجد ومع المرنم نهتف ونقول: إننا جماهير المتوحدين نكرمك يا معلمنا ومرشدنا البار أونوفريوس لأننا بك تعلمنا سلوك الصراط المستقيم حقاً. فالطوبى لك لأنك تعبدت للمسيح. فاستظهرت على قوة العدو يا نجيّ الملائكة ومساكن الأبرار والصديقين. فتشفع وإياهم إلى الرب أن يرحم نفوسنا.  

آمين

مكتب السكرتارية العامة