1

خطاب غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث لوفد الكونغرس الأميريكي القادم للبطريركية

“الممثل هيل،

أعضاء الوفد المحترمون،

الآباء الأجلاء،

سيداتي وسادتي،

 

إنه لمن دواعي سرورنا أن نرحب بكم في المدينة المقدسة القدس وفي بطريركيتنا الأورشليمية. زيارتكم لنا تأتي في ظروف حرجة تمر بها شعوب المنطقة، ونحن متشجعون لأنه ومن خلال لقائكم في هذا الاجتماع مع رؤساء الكنائس؛ أنتم تفهمون الأهمية القصوى لدور الدين في حياتنا هنا، ونحن على علم باهتمامكم بحياتنا وأماننا.

للولايات المتحدة علاقة خاصة وفريدة من نوعها مع منطقتنا. هذه العلاقة لا تشمل فقط روابط حكومية واقتصادية وسياسية تعود لسنين بعيدة، بل هناك أيضا روابط دينية. يتشارك اليهود والمسيحيون والمسلمون هنا وفي الولايات المتحدة علاقات عائلية وروحية تاريخية. في الواقع، العديد من العائلات هنا لديها أفراد يعيشون في بلادكم. وبالطبع، من الولايات المتحدة يأتي آلاف الحجاج من جميع التقاليد الإبراهيمية كل عام للحج في الأراضي المقدسة. باختياركم القدوم إلى بطريركتنا، فأنتم تعدون أنفسكم أيضا من بين الحجاج الحقيقيين، مهما كانت الأغراض الأخرى التي قد تحويها رحلتهم. يقال أيضًا أن الرئيس لينكولن كان يريد زيارة القدس للحجيج، ونحن نتطلع للترحيب بعودة الحجاج من الولايات المتحدة عندما تصبح ظروف السفر الدولي أيسر.

كما هو حاصل في باقي أرجاء العالم، كانت الأشهر الماضية صعبة للغاية بالنسبة لنا في الأراضي المقدسة. بسبب الوباء، عانت كنائسنا وأماكننا المقدسة من قيود كبيرة وإغلاق مطول. لم نتمكن من مشاركة كرم الضيافة مع الحجاج والسياح من جميع أنحاء العالم وعانت مجتمعاتنا من صعوبات قاسية وحرمان. بينما أدى فيروس كورونا COVID-19 إلى تقليص مواردنا الاقتصادية بشكل جذري، إلا أننا واصلنا، بحمد الله، محاولة تلبية الاحتياجات الروحية والجسدية والتعليمية والمالية العظيمة لمجتمعاتنا المحلية.

بعد هذه الفترة من المشقة التي طال أمدها، أثبتت النزاعات في الأشهر الأخيرة في الأراضي المقدسة أنها صعبة للغاية ومدمرة. لقد أدت حالات التفشي العنيفة إلى تعميق المشاكل التي تسبب فيها الوباء. بالنسبة للكثيرين في مجتمعاتنا، تحولت الأزمة لكارثة.

جلبت التغطية الإعلامية الواسعة والعنف الأخير اهتمامًا عالميًا لمعاناتنا المحلية. على الرغم من كل هذه التغطية، لا تزال البدايات الحقيقية لهذا الصراع الأخير غير مروية إلى حد كبير. نعتقد أنه من واجبنا أن نكون واضحين أن هذه الأحداث المأساوية هي نتيجة مباشرة لسنوات من نمو الإيديولوجيات المتطرفة والهجمات من قبل عدد متزايد من الجماعات الراديكالية التي مرت دون رادع ودون عقاب. هذه الجماعات عازمة على طرد المسيحيين والمسلمين وحتى بعض الجماعات اليهودية من مدينة القدس المقدسة والمجتمعات الأخرى في منطقتنا.

 

تتراوح الهجمات من الإساءة اللفظية والاعتداءات الجسدية ضد رجال الدين والمصلين أثناء قيامنا بأعمالنا اليومية إلى التخريب المتكرر وتدنيس ممتلكات الكنيسة والأماكن المقدسة. قبل أسابيع قليلة فقط رأينا اعتداءًا شرسًا على اثنين من رجال الدين الأرمن خارج ديرهم في الحي الأرمني في البلدة القديمة وتطفل لمتطرفبن على مدرستنا في جبل صهيون. للأسف، ومما يثير القلق، لم تعد هذه الأنواع من الحوادث استثناءات؛ بل أصبحت جزء اعتيادي من حياتنا اليومية، وهذا أمر غير محتمل.

كقادة روحيين، ليست لدينا رغبة في الدخول في السياسة أو الإدلاء بتصريحات سياسية. همنا الوحيد هو سلامة مجتمعنا المسيحي وازدهاره المستمر في القدس والأراضي المقدسة. بصفتنا ككنائس، وقفنا أقوياء ومتحدين في مواجهة العنف والتخريب المستمر. لكن الوضع تغير بشكل كبير. لو كنا ببساطة مضايقات، لكان بإمكاننا التعامل مع هذا الأمر. لكن المخاطر كبيرة الآن. لأننا نواجه مجموعات راديكالية تسعى وتعمل بشكل منهجي لطردنا من المدينة المقدسة، سواء في التهديد بالاستيلاء على ممتلكات الكنيسة وبالتحديد عند باب الخليل، وهو المدخل للحي المسيحي وطريق الحج إلى القبر المقدس، أو في الشيخ جراح، حيث اندلعت محاولات تهجير المواطنين المحليين بالقوة في الأيام الأخيرة إلى أعمال العنف وحتى الموت التي رأيناها على شاشات التلفزة.

إن الوجود المسيحي في المدينة المقدسة والأراضي المقدسة أمر حيوي لرفاهية وسلامة هذه المنطقة. لقرون، عشنا في مشهد متعدد الثقافات والأعراق والأديان مما أعطى هذه المنطقة طابعها الفريد كأرض اللقاء الإلهي البشري. وبينما تتمتع جميع الديانات الإبراهيمية الثلاثة بأماكن مقدسة هنا، فإن الأماكن المقدسة المسيحية هي التي تضمن الترحيب العالمي لجميع الأشخاص ذوي النوايا الحسنة، دون تمييز. وبعبارة أخرى، فإن القبر المقدس هو الوجهة الرئيسية لجميع الحجاج القادمين إلى القدس. هذه الميزة الفريدة تتعرض الآن لتهديد خطير لم يسبق له مثيل.

هذا جانب آخر من حياتنا هنا يوحدنا في تفاهم مشترك، لأن بلادكم العظيمة وهذه المنطقة على حد سواء يعيشان في حياة قومية متعددة الثقافات والأعراق والأديان. يجب أن يفهم المرء أن هذه المنطقة، بسبب أهميتها التاريخية والدينية، لا تنتمي إلى مجموعة واحدة فقط. إنه مرتبط بالتاريخ المقدس والقيم الأخلاقية ذات الأهمية العالمية، وكلانا يدرك جيدًا أهمية ازدهارنا المتبادل لحماية هذا التنوع في الخبرة الإنسانية والثقافية والروحية والدفاع عنه.

تظل الكنائس والجماعات المسيحية في الأراضي المقدسة ملتزمة بحزم حتى في مواجهة معارضة وهجوم غير مسبوق، للعمل كصانعة سلام وتنفيذ مهمتنا الروحية. كانت رسالة الكنيسة أساسية في ضمان قدسية التراث الثقافي الغني للأراضي المقدسة. علاوة على ذلك، سوف نستمر في الحفاظ على الأماكن المقدسة كأماكن للعبادة وإتاحتها لجميع القادمين إلى هنا للحج.

ومع ذلك، لا يمكننا أن نظل صامتين تجاه الواقع الذي نواجهه من التحدي المتزايد إلى وجودنا ذاته من الجماعات المتطرفة. ولا يمكننا القيام بذلك بمفردنا. نحن بحاجة إلى شركائنا في المجتمع الدولي، وخاصة أصدقائنا وحلفائنا في الولايات المتحدة، وخاصة في الحكومة، الذين يتبنون احترام كرامة الإنسان، للقيام بذلك ومن خلالكم، ندعو قادة الكونجرس إلى دفاع قوي عن الوجود المسيحي في الأراضي المقدسة، ضد أولئك الذين سيعملون على تدمير حياتنا هنا.

 

وفق الله رسالتكم. من خلالكم نسعى لتوسيع شراكاتنا في الولايات المتحدة. نتطلع إلى العمل معًا، بقناعة أنه وبدعمكم يمكننا الاستمرار في تمكين الشعوب من جميع الأديان في الازدهار معًا في أرضنا المقدسة الحبيبة.

نشكركم.”

 

ترجمت الخطاب للعربية: هبه هريمات