1

أحد المخلع في البطريركية

إحتفلت البطريركية الأورشليمية يوم الأحد الموافق 15 أيار 2022 (2 أيار شرقي)  بأحد المخلع وهو الأحد الرابع بعد الفصح المجيد. ترأس صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث خدمة القداس الإلهي في بلدة الرينة قضاء الناصرة حيث كان بإستقباله فرق الكشافة وأبناء الرعية الأورثوذكسية.

شارك غبطة البطريرك في خدمة القداس الإلهي سيادة متروبوليت الناصرة كيريوس كيرياكوس, سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس, قدس الأرشمندريت نيكتاريوس, قدس الأرشمندريت أرتيميوس, راعي الكنيسة الأورثوذكسية في الرينة قدس الأب سمعان بجالي, قدس الأب إستيفانوس من الكنيسة اليونانية, المتقدم في الشمامسة الأب ماركوس, والشماس الأب إفلوغيوس.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة الأحد الرابع من الفصح “أحد المخلع” في الرينة 

تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

كان إنسانٌ طريحاً في الأسقام عند البركة الغنميّة فلما شاهدك يا رب هتف: ليس لي إنسانٌ حتى إذا تحرك الماء يلقيني فيه. فللحين ترأفت عليه يا مخلص وقلتَ له لأجلك صرت إنساناً ومن جرائك اشتملت بشرةً وتقول ليس لي إنسانٌ. ارفع سريرك ماشياً. هذا ما يتفوه به مرنم الكنيسة.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

أيها المسيحيون الأتقياء

عجيب هو الله الذي جمعنا هنا اليوم مع رعيتكم المُحبة للمسيح في مدينتكم الرينة، لكي بفرحٍ وابتهاج نُعيّد لفصح الرب مقيمين تذكار عجيبة شفاء المخلع الذي كان له في المرض ثمانية وثلاثين سنة عند البركة الغنميّة.

وقد صنع ربنا يسوع المسيح خلال حضوره على الأرض علامات وعجائب لكي من جهةٍ يظهر مجده الإلهي ويؤمنوا به ومن الجهة الأخرى لكي يوضح أنه من خلال طاعته والإيمان به أي الإيمان بابن الله وكلمته يمنح قوة الشفاء والصحة لكل الذين يسألونه.

ويقول القديس يوحنا الإنجيلي:” وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً .هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعًا، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَانًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟ »أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. (يوحنا 5: 5-7)

ويفسر قول الإنجيل هذا آباء الكنيسة القديسين قائلاً: لماذا مخلصنا المسيح قد اختار هذا المخلع؟ وذلك لأنه كان يُعاني من مرضٍ عضال وحتى يُظهر محبته للبشر وقوته، فأمّا قوته لأن المرض هو عضال وغير قابل للشفاء وأصبح مرضه ميؤوس منه، وأما لمحبته للبشر فلأّن هذا المخلع مستحق للرحمة والشفقة لهذا فقد نظر إليه أولاً المسيح المحب البشر قبل أي مريض آخر.

وحَوْلَ سؤال يسوع للمخلع (أتريد أن تبرأ؟) فيقول القديس يوحنا الذهبي الفم بأن يسوع بما أنه طبيب نفوسنا وأجسادنا فهو يذكر الشلل المزدوج، شلل النفس الذي نتج بسبب الخطايا والشلل الأخر هو شلل الجسد. وبكلام آخر عندما يتكلم

الكتاب المقدس عن الخطيئة فعلينا أن نعلم أنه مرض البشر النفسي والجسدي الذي جلب لنا الموت والفساد كما يقول الرسول بولس آخذاً بعين الاعتبار آدم القديم :مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ (رومية 5: 12).

ويستند القديس يوحنا المعمدان على قول النبي أشعياء قائلاً: لكِنَّ “أي المسيح” خطايانا حَمَلَهَا (اشعياء 53: 4) وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلًا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَم (يوحنا 1: 29) والحكيم بولس يقول فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا على ما في الْكُتُبِ (1كور 15: 3).

وعدا عن هذا فإن القديس كيرلس الأوروشليمي يقول بأن الرب قد جاء إلى الأرض” لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ (عبرانيين 2: 14) ولِيعْطِيَ شَعْبَهُ مَعْرِفَةَ الْخَلاَصِ بِمَغْفِرَةِ خَطَايَاهُمْ (لوقا 1: 77) ولنسمع ماذا يقول هذا الأب القديس: حيثما يظهر يسوع، هناك يكون أيضاً الخلاص. إذا رأى عشاراً جالساً عند مكان الجباية يجعله رسولاً ومبشراً، إذا كان مدفوناً بين الموتى يقيمه، يعطي البصر للعميان والسمع للصم. عندما يمشي حول البركة، لا يفعل ذلك لكي يُعاين البنايات بل لكي يشفي المرضى.

ومن الجدير بالذكر بأن المخلع لم يشفَ بسبب طبيعة مياه البركة بل من فعل وقوة كلمة مخلصنا يسوع المسيح كما يقول المرنم: يا رب إن المخلع لم تشفهِ البركة لكن كلمتك جددته ولم يعوقه السقم الكثيرة سنينه لأن فعل صوتك ظهر قاطعاً أحد من السقم وطرح الوزر العسر الحمل وحمل ثقل السرير شهادة بوفور رأفتك المجد لك.

إن الإنسان المخلع كما يشهد القديس يوحنا الإنجيلي أصبح صحيحاً مُعافًى عندما سمع صوت يسوع قائلاً له: “قم احمل سريرك وامشِ” إن سرعة فعل وقوة الصوت الشفائية ليست هي إلا نعمة الروح القدس روح المسيح التي ظللت المخلع.

ونقول هذا بأن كنيسة المسيح المقدسة هي البِركة أي عيادة نفوسنا وأجسادنا وأما الأسرار المقدسة والتي تتم بنعمة الروح القدس هي أدوية الشفاء كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: فإن طريقة العلاج هي عامة وشائعة والأدوية متاحة للجميع ولكن الشفاء ليس شائعاً ومتاحاً للجميع، لكنه ينجح وفقاً لإرادة أولئك الذين يستخدمونه.

إننا معيدون اليوم لفصح الرب أيها الإخوة الأحبة ولنسمع صوت مخلصنا الإلهي القائم من بين الأموات قائلاً: هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ. (متى 28: 20) ومع المرنم نهتف قائلين: أيها الرب المخلص لما نهضت من الأموات أنهضتنا معك من الآلام بقيامتك وأبطلت كل اعتزاز الموت لأجل هذا نصرخ إليك بإيمان هاتفين: اذكر إيانا أيضاً في ملكوتك.

المسيح قام

كل عامٍ وأنتم بألف خير

على مائدة المحبة القى صاحب الغبطة الخطاب التالي:

يهتف صاحب المزمور قائلاً:”اَلرَّبُّ عَاضِدٌ كُلَّ السَّاقِطِينَ، وَمُقَوِّمٌ كُلَّ الْمُنْحَنِينَ. (مز 144: 14).

أيها الآباء الأجلاء والإخوة المحترمين

السادة أعضاء لجنة الكنيسة المحترمين

أيها المسيحيون الأتقياء

إن نور مخلصنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات قد ملأ السماء والأرض وما تحت الثرى هو قد جمعنا اليوم ههنا لكي نرتل مع القديس يوحنا الدمشقي قائلين: لقد تمسكنت طوعاً لمسكنة آدم أيها المسيح الإله، فأتيت إلى الأرض متجسداً من عذراء. واقتبلت الصلب لكي تعتقنا من عبودية العدو. فيا ربّ المجد لك.

ونتساءل من هو عدو الإنسان؟ هو الشيطان الذي هو رئيس عالم ظلمة هذا الدهر، الذي يتسلط على الناس لذلك فإن المسيح قد حررنا من الشيطان وتسلطه بقيامته كما يقول الإنجيلي لوقا في سفر أعمال الرسل: أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أن يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ، الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ. (أعمال 10: 37-38) لهذا فإن ابن وكلمة الله ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي تأنس وتجسد من دماء النقية الدائمة البتولية والدة الإله العذراء مريم بالروح القدس قد صار على شكلنا نحن البشر حتى يغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده أي جسده القائم من بين الأموات.

وبكلام آخر أيها الإخوة الأحبة إن المسيح قد داس الموت بنفسه أي انتصر على موت الفساد وموت الخطيئة وبتوضيح أكثر على موت شلل وكُساح النفس والجسد وذلك لأنه بحسب القديس أثناسيوس الكبير حتى يتصالح الله مع الإنسان وتكون هناك حرية كاملة لكل الجنس البشري من خلال إنسان الشكل الجديد لصورة ابن الله ربنا يسوع المسيح.

فنحن أيها الإخوة الأحبة بما أننا أعضاء كريمة لجسد المسيح فإنه لدينا بيتنا “البركة الغنمية” والذي هو كنيسة المسيح المقدسة، حيث أن بها دائماً طبيب نفوسنا وأجسادنا حاضرٌ باستمرار بصورة منظورة وغير منظورة. إن هذا الإحسان العظيم الفريد قد منحه لنا بتدبيره الله المحب البشر.

إن هذا التدبير الإلهي ليس هو إلا أمنا وغذائنا الطبيعي وهي كنيسة آوروشليم والتي هي بطريركية أوروشليم العامرة والتي على مر العصور قد برهنت أنها عامود الحق وقاعدته في المسيح، فهي ثبات الإيمان في المسيح وحارسة المؤسسات الوطنية ومعاديةً لكل عبادةٍ نافلةٍ جديدةٍ كالعولمة والنظام الجديد.

إن المسيح وفقط المسيح وكنيسته هي جرن الحياة وميناء أماننا فلا نذهب إلى أي مكان آخر ولتكن أعيننا وانتباهنا فقط على المسيح لا غيره والذي هو رئيس إيماننا وأساسه ومكمله كما يكرز بولس الرسول قائلاً: نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ (عبر 12: 2).

المسيح قام  كل عام وأنتم بخير

مكتب السكرتارية العامة