1

البطريركية الأورشليمية تحتفل بعيد الرسل القديسين الأطهار

إحتفلت البطريركية الأورشليمية يوم الأربعاء الموافق 13 تموز 2022 (30 حزيران شرقي) بعيد جامع للقديسين الرسل الإثني عشر الأطهار. نعني بالعيد “الجامع” أي لجميع الرسل التلاميذ الإثني عشر وأيضاً جامع تعني أن المؤمنون إجتمعوا لتكريم الرسل تلاميذ السيد المسيح لدورهم في رسالة الكرازة للعالم أجمع.

ثم الإحتفال بهذا العيد في الكنيسة البيزنطية القديمة الموجودة في دير الرسل الواقعة على ضفاف بحيرة طبريا, حيث ترأس خدمة القداس الإلهي غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يشاركه سيادة متروبوليت الناصرة كيريوس كيرياكوس, سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس, آباء من أخوية القبر المقدس وكهنة مطرانية الناصرة. قاد خوروس الترتيل بالغة العربية الأرشمنديت فيلوثيوس الوكيل البطريركي في مدينة عكا والسيد باسيليوس غوتسوبولوس باللغة اليونانية, وحضر الخدمة أبناء من الرعية الأورثوذكسية في المنطقة وأبناء من الجالية الروسية.

بعد الخدمة إستضاف الرئيس الروحي للدير الأرشمندريت بارثينيوس غبطة البطريرك مع السادة الاساقفة والآباء على مائدة غذاء.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة آوروشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد الرسل الاثني عشر الأطهار 

كلمة البطريرك تعريب: قدس الأب يوسف الهودلي

لقد طُفتم الخليقة كلها يا تلاميذ المخلص فأحرَقْتُم بتعاليمكم ضلالة الأوثان كمادة قابلة الاحتراق واصطدتم الأمم من عمق الجهل والغباوة وهديتموهم إلى معرفة الله فخلصتموهم فالآن تشفعوا إلى المسيح الإله طالبين أن يكون لنا في يوم الدينونة شفيقاً رحيماً.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

أيها المسيحيون والزوار الأتقياء

إن نعمة الرسل الاثني عشر المجيدين الكلي مديحهم قد جمعتنا اليوم في هذا الدير المقدس الذي يحمل اسمهم عندما أَظْهَرَ أَيْضًا يَسُوعُ نَفْسَهُ بعد قيامته لِلتَّلاَمِيذِ عَلَى بَحْرِ طَبَرِيَّةَ (يوحنا 21: 10) لكي نعيد لعيد تذكارهم المقدس الجامع.

إن هذا اليوم الجليل الكلي الوقار للرسل الاثني عشر يُشكل امتداداً لعيد هامتي الرسل بطرس وبولس والذي أقمنا بابتهاج تذكارهم السنوي بالأمس على شاطئ بحر مدينة كفرناحوم.

ويذكر القديس لوقا الإنجيلي عن اختيار الرب للاثني عشر تلميذاً وإرسالهم قائلاً: وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ خَرَجَ (يسوع) إِلَى الْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ. وَقَضَى اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي الصَّلاَةِ للهِ. وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ دَعَا تَلاَمِيذَهُ، وَاخْتَارَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِينَ سَمَّاهُمْ أَيْضًا رُسُلًا (لوقا 6: 12-13) ويفسر كلام الإنجيلي الذي سبق القديس كيرلس الإسكندري: إن ربنا يسوع المسيح، إذ قد قضى الليل في الصلاة وقد تحدث مع أبيه في السماء بطريقة لا يمكن التعبير عنها وتفوق قدرتنا على الفهم وهي معروفة له وحده، وبذلك جعل نفسه مثالاً لنا في أمر ضروري لخلاصنا، لأنه علمنا بأية طريقة يمكننا نحن أيضاً أن نقدم صلواتنا بطريقة سليمة وبلا لومٍ. وبعد ذلك نزل من الجبل واختار أولئك الذين سيصيرون معلمي المسكونة.

حقاً إن الرسل القديسين قد صاروا معلمين وكارزين بسر التدبير الإلهي لكل المسكونة كما يشهد بذلك القديس البشير متى الإنجيلي. فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلًا: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ،َ فاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ .وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ. (متى 28: 18-02)

إن تلاميذ المسيح لم يصنعوا أي شيء من ذواتهم، أي من فهمهم وإدراكهم الخاص بل قد عملوا كل ما أُعطي لهم من وصايا، لهذا فإن القديس أثناسيوس الكبير يقول: لم يأمر المسيح ببساطة أن يعمدوا بل قال لهم: أولاً اذهبوا وتلمذوا…. لكي بسبب تعلّمهم يتولد لديهم الإيمان المستقيم وبعد اكتمال إيمانهم ينالوا المعمودية، ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: أولاً تعلُّمْ العقائد ومن ثم دراسة الوصايا التي أمر بها الرب يسوع.

ومن الجدير بالذكر بهذا الصدد ما يُفسره القديس غريغوريوس النيصص قائلاً: تتميز طريقة حياة المسيحيين إلى عنصرين؛ أحدهما الجزء الأخلاقي، والآخر دقة العقائد، فإن العقيدة الخلاصية قد أُعطيت وتأسست، وأما حياتنا فيتم إصلاحها عن طريق حفظ الوصايا.

وبكلام آخر تنقسم كرازة الرسل القديسين إلى قسمين فيما يتعلق بحياة المسيحيين، والتي هي طريقة الحياة التي بحسب المسيح، فمن جهةٍ الوعي ومعرفة الإيمان المستقيم أي معرفة العقائد بدقة من خلال المعمودية ومن جهة أخرى من أجل تطبيق وحفظ وصايا إنجيل المسيح.

فها قد اتضح لنا لماذا بولس الرسول يوصي قائلاً: فَاثْبُتُوا إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ وَتَمَسَّكُوا بِالتَّعَالِيمِ الَّتِي تَعَلَّمْتُمُوهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِالْكَلاَمِ أَمْ بِرِسَالَتِنَا. (2 تس 2: 15) ولتلميذه تيموثاوس يقول: يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ، مُعْرِضًا عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاسْمِ (1 تيم 6: 20)

إن كنيستنا وتقليد الرسل القديسون أيها الإخوة يشكل مصدر الإيمان العقائدي والكرازة الكنسية التي هي التعليم الروحي والأخلاقي بالإضافة إلى الكتاب المقدس كما يقول القديس مكسيموس المعترف قائلاً: من جهة التعاليم والممارسات والعقائد المحفوظة في الكنيسة فقد جاء بعضها عن تعليم كتابي بينما الآخر فقد تسلمناه وقبلناه عن طريق تقليد الرسل باستنارة الروح القدس وكلاهما أي التعليم الكتابي والتقليد المقدس يحمل ذات القوة التي أساسها سر التدبير الإلهي.

إن مساهمة وعمل الرسل القديسين الإلهي يرجع إلى السلطة التي أعطاهم إياها يسوع ومن جهة أخرى إلى وحدة اليهود والأمم في كنيسة المسيح الواحدة. وهذا لأن الرسل والأنبياء هم أدوات وآنية للروح القدس قد استبانوا كأساس للتاريخ الخلاصي المقدس الذي أُعلن عنه للعالم كما يؤكد بوضوح الرسول بولس: وَلكِنِ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلًا بَعِيدِينَ، صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ.

فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلًا، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ (أفسس 2: 13-20)

على أساس الرسل قد بُنيت كل مؤسسات الكنيسة كما يؤكد هذا دستور إيماننا والذي يدعو كنيسة المسيح المقدسة بالرسولية، فعلى رسولية الكنيسة تتأسس وحدة الكنائس الأرثوذكسية المحلية الشقيقة. كما يقول المزمور أَعْلَنَ الرَّبُّ خَلاَصَهُ. لِعُيُونِ الأُمَمِ كَشَفَ بِرَّهُ.(مز 97: 2)

وختاماً نحن محبي عيد القديسين الرسل مع أم إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح نتضرع لكي بشفاعاتها وبتوسلاتها إلى ابنها وإلهها من أجل سلام العالم وخلاص نفوسنا ووحدة الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية.

آمين

كل عام وأنتم بخير

مكتب السكرتارية العامة