1

عيد القديس يعقوب أخو الرب أول أساقفة أورشليم

إحتفلت البطريركية الأورشليمية يوم السبت الموافق 5 تشرين ثاني (23 تشرين أول حسب التقويم الشرقي) بعيد القديس يعقوب أخو الرب, وهو عيد الكرسي الأورشليمي كون القديس يعقوب أخو الرب كان أول أسقف على أورشليم.

تقيم كنيسة أورشليم تذكار هذا القديس الذي عينه الرب يسوع المسيح أسقفاً على أورشليم, وترأس المجمع الرسولي الأورشليمي الأول عام 49 بعد الميلاد. في عهده فُتحت أبواب الكنيسة للأمم, وترك إرثاً كنسياً في العهد الجديد وهو رسالته التي هي أولى الرسائل الرعائية السبع وهي عبارة عن مجموعة حكم وإرشادات تتناول السلوك المسيحي والحياة الرعائية. إستشهد عام 62 ميلادي حين كان يبشرالناس بالمسيح فحقد عليه اليهود وألقوه من علوٍ فسقط أرضًا وأصيب ولكنّه لم يمت، فعاجلوه ببضربةٍ عصا على رأسه فقضت عليه وهو في الثالثة والستين من العمر.

إكراماً للقديس يعقوب أخو الرب أقيمت خدمة صلاة الغروب عشية العيد في الكاتدرائية المُكرسة على إسمه الواقعة بين كنيسة القيامة والبطريركية ترأسها غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث. صباح العيد ترأس صاحب الغبطة خدمة القداس الإلهي الإحتفالي يشاركه إصحاب السيادة المطارنة كيريوس كيرياكوس متروبوليت الناصرة, كيريوس أنطونيوس متروبوليت فولوكولامسك من بطريركية موسكو, كيريوس إيسيخيوس متروبوليت كابيتولياذا, كيريوس أريسترخوس رئيس ٍاساقفة قسطنطيني, كيريوس ثيوذوسيوس رئيس أساقفة سبسطية, كهنة كاتدرائية يعقوب أخو الربقدس الأب خارالامبوس (فرح) بندور وقدس الأب جورج برامكي, وكهنة من الكنائس الأرثوذكسية الأخرى. قام بالترتيل باللغة اليونانية الشماس المتوحد الأب سميون مع طلاب المدرسة البطريركية صهيون, وجوقة الكاتدرائية تحت قيادة السيد ريمون قمر باللغة العربية, بحضور القنصل العام لليونان في القدس السيد إيفانجيلوس فليوراس وعدد كبير من المصلين من أبناء رعية القديس يعقوب أخو الرب وحجاج من اليونان وروسيا ورومانيا.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس الرسول يعقوب أخي الرب أول رؤساء أساقفة آوروشليم 

كلمة البطريرك تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي 

 يهتف مرنم الكنيسة قائلاً: لقد استنرت بشعاع الروح القدس الناري يا يعقوب أخي الربّ. فظهرت غيوراً على حسن العبادة الهياَ. ومن ثمَّ فالذي اقتبلك أخاً له ألبسك نظير هارون في القديم حلَّةً أعظم كرامةً من حلَّة الكهنوت الناموسي. فتضرَّع إليه أيها المجيد في الرسل من أجل خلاص نفوسنا.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،

 أيها المسيحيون الزوار الأتقياء،

    إن نعمة الروح القدس قد جمعت اليوم جمعُ المؤمنين لكي تتم بشكرٍ وفرحٍ التذكار المقدس لأخ الإله وتلميذ الرب البار يعقوب الذي صار أول رؤساء أساقفة على كنيسة آوروشليم المقدسة.

    حقاً لقد استبان وظهر القديس يعقوب بقوة الروح القدس المنيرة غيوراً للتقوى أي تلميذاً أميناً للمسيح وكاروزاً بسر التدبير الإلهي، سر تجسد وتأنس كلمة الله الذي سبق وأعلن عنه أنبياء الناموس الموسوي.

    هذا ما يؤكده بوضوح في رسالته الجامعة التي وُجِّهت من آوروشليم إلى المشتتين من الأسباط الاثني عشر أي إلى المسيحيين الذين ينحدرون من أصل يهودي الموجودين في الأمم كما يشهد هو بذاته كاتباً في مستهل رسالته: يَعْقُوبُ، عَبْدُ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، يُهْدِي السَّلاَمَ إِلَى الاثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا الَّذِينَ فِي الشَّتَاتِ. (يعقوب 1: 1)

    إن فحوى رسالته الجامعة التي للقديس يعقوب تشكل تعزية للمتألمين في مواجهة المحن والتجارب المتنوعة و مراقبة والسيطرة على كل ما هو سيء وتصحيح الطرق المعوجة  والتَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ (2تيم 1: 13) للكرازة المسيحية والإيمان الحقيقي الحي الذي ليس هو إلا من الحكمة التي من العلى وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلًا طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ.(يعقوب 3: 17) أي بإسهاب أكثر إن الحكمة المعطاة من السماء من الله هي أولاً وقبل كل شيء حكمة طاهرة نقية خالية من أي شائبة وهي أيضاً حكمة سلامية وديعة رؤوفة ،متعاطفة مع ضعف وجهل الآخرين. حكمةٌ راغبةٌ دوماً بالطاعة والحرية دون غصبٍ وعناد، مملوءة حناناً وشفقةً وكل عمل صالح خالية من ترددات الشكوك والظنون وغريبة بالكلية عن الرياء والنفاق.

    وبحسب المفسر ايكومينيوس عن الحكمة التي من فوق فيقول: هي حكمةٌ نقية بدون شوائب ولا تحتمل أي شيء جسدي، فهي لا تحوي مطلقاً فكر الجسد وذلك لأنه قلب الإنسان أصبحَ طاهراً نقياً من نور نعمة الروح القدس ولهذا فإن القديس يعقوب يتحدث قوة الصلاة قائلاً: أَعَلَى أَحَدٍ بَيْنَكُمْ مَشَقَّاتٌ؟ فَلْيُصَلِّ. أَمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّلْ. طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا (يعقوب 5: 13)

    ولتأكيد قوله هذا فإنه يذكر النبي إيليا كمثال عن قوة الصلاة قائلاً: كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ.ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا. (يعقوب 5: 17 -18).

    ويقول الرب للملك سليمان: «قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ وَتَضَرُّعَكَ الَّذِي تَضَرَّعْتَ بِهِ أَمَامِي. قَدَّسْتُ هذَا الْبَيْتَ الَّذِي بَنَيْتَهُ لأَجْلِ وَضْعِ اسْمِي فِيهِ إِلَى الأَبَدِ، وَتَكُونُ عَيْنَايَ وَقَلْبِي هُنَاكَ كُلَّ الأَيَّامِ. (3 ملوك 9: 3)

    ويحثنا الرسول بولس أن نواظب على الصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ. (فيلبي 4: 6) فإن ربنا يسوع المسيح الذي أظهر طريقة الصلاة يقول: “وَكُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ فِي الصَّلاَةِ مُؤْمِنِينَ تَنَالُونَهُ. (متى 21: 22)

    فالقديس يعقوب والذي من أجل عِظم بره دُعيّ بالبار، وكان يحيي لياليه في الصلاة بدون توقف حتى أضحت ركبتاه كالحجر من كثرة السجود لله طالباً المغفرة للشعب.

    وإذ كانت تربطهُ بيسوع المسيح قرابةٌ بالجسد وكان ممتلئاً براً وصلاحاً أصبح أول أسقف على آوروشليم من الرب نفسه، وإليه تُنسب أول ليتورجيا إلهية. وفي مجمع الرسل الأول في آوروشليم (أعمال 15: 6) كان للقديس يعقوب البار مكانة بارزة في الكنيسة. ولقد ختم بدم استشهاده خدمته الكهنوتية ورتبته الرسولية. عندما طُلب منه في عيد الفصح أن يقدم أمام الشعب شهادته واعترافه بأن يسوع هو ابن الإنسان الجالس عن يمين عظمة الله.

    ويدعو الرسول بولس البار يعقوب في رسالته إلى أهل غلاطية بأنه أحد أعمدة الكنيسة وذلك لأجل السلطة القيادية البارزة لدى يعقوب والمعرفة الروحية في تفسير تعاليم المسيح والتي على أساسها تم تنظيم المجمع الكنسي في الأرض المقدسة ولا سيما آوروشليم. ومن الجدير بالذكر بأن القديس يعقوب يدعو نفسه عبد المسيح” يَعْقُوبُ، عَبْدُ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ”. (يعقوب 1: 1) لأنه بحسب القديس الرسول بولس أَنَّ مَنْ دُعِيَ فِي الرَّبِّ وَهُوَ عَبْدٌ، فَهُوَ عَتِيقُ الرَّبِّ. كَذلِكَ أَيْضًا الْحُرُّ الْمَدْعُوُّ هُوَ عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ. (1كور 7: 22)

    إن هذه التسمية تحديداً التي ليعقوب بأنهُ ” عبد الرب يسوع المسيح” تُجسدها وتشهد بها عبر العصور، الرعية والمجتمع المسيحي أي أعضاء الجسم الحي لكنيسة آوروشليم المحلية. إن هذه الحرية التي في المسيح التي سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ. (رومية 8: 21) تُذيع بها كنيسة آوروشليم في تذكار عيد القديس الرسول المجيد يعقوب أخو الرب أول رئيس أساقفة آوروشليم لهذا فنحن مع المرتل نهتف ونقول: لقد دمجت حلة الكهنوت بدم الشهادة. يا يعقوب الرسول الشهيد في الكهنة أخو الرب. فإنك وقفت على جناح الهيكل تكرز بالإله الكلمة انه صانع كل البرايا فطرحك اليهود عنه، فاستحققت الأخدار السماوية، فتضرع إلى المسيح الإله طالباً خلاص نفوسنا.

كل عام وأنتم بخير

مكتب السكرتارية العامة