1

البطريركية الأورشليمية تحتفل بعيد القديس البار سابا المتقدس

إحتفلت الكنيسة الأورثوذكسية البطريركية الأورشليمية في الأراضي المقدسة يوم الأحد الموافق 18 كانون الأول (5 كانون أول شرقي) 2022 بعيد القديس سابا المتوشح بالله وأقيمت الصلاة الإحتفالية في لافرا دير القديس سابا الذي أسسه القديس في القرن الخامس ميلادي مع تلاميذه الرهبان.

في هذا اليوم تحيي الكنيسة الأورشليمية تذكار القديس سابا الذي جاء من مسقط رأسه موتالاسكي في كابادوكيا إلى الأراضي المقدسة في عام 456 وكان يبلغ من العمر 18 عامًا.

في البداية درس على يد القديس أوثيميوس الكبير والقديس ثيوذوسيوس لمدة عشرين عامًا، ثم عاش حياة هدوئية تنسكية في كهف مقابل الدي، وهو محفوظ حتى يومنا هذا.

تميز بالطاعة والتواضع ومكرساً لكل الفضائل، استدعاه رهبان الصحراء وأسس لهم دير لافرا، أي ديراً للرهبان الذين تقدموا إلى الزهد والنتسك، وتتلمذ في هذا الدير آلاف الرهبان وفي الأديرة الأحد عشر الأخرى التي أسسها القديس سابا. إلى جانب رفيقه القديس ثيودوسيوس، أصبح مدافعًا عن عقيدة المجمع المسكوني الرابع لخلقدونية في عام 451 م حول طبيعتي السيد المسيح . كما كان هناك العديد من القديسين الذين عاشوا في ديره المقدس، مثل القديس يوحنا الدمشقي، والقديس إستيفانوس، ويوحنا أسقف كولونيا وغيرهم.

ترأس غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث خدمة صلاة السهرانية والقداس الالهي في هذا الدير التاريخي, يشاركة، سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني أريسترخوس، سيادة متروبوليت إيلينوبوليس يواكيم، آباء من أخوية القبر المقدس وكهنة الرعية الأورثوذكسية والرئيس الروحي للدير قدس الأرشمندريت إفذوكيموس مع الآباء الرهبان. ورُتلت الصلوات باللغيتين العربية واليونانية من قبل رئيس أساقفة مادبا أريستوفولوس والشماس المتوحد الأب سيميون وخورس بيت لحم. وشارك عدد من أبناء الرعية الأورثوذكسية من بيت لحم, بيت جالا وبيت ساحور والمنطقة.
 
بعد خدمة القداس أعد رهبان الدير مائدة طعام للحاضرين, ثم قام غبطة البطريرك مع اللآباء بزيارة دير القديس ثيوذوسيوس كما هي العادة.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة آوروشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس سابا المتقدس

    تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

    يتفوه مرنم الكنيسة قائلاً: يَا سَابَا المُتَألِّهُ العَزْمَ، عَمُودُ الفَضَائِلَ النَّارِيَّ، المصباح المُرْشِدُ الشُّعُوبَ مِنَ البَحْرِ العَالَمِيِّ إلَى المينَاءِ الإلَهِيِّ، الدَّاحِضُ أرْواحَ الضَّلالَةِ، الإنَاءُ الطَّاهِرُ للرُّوحِ القُدُسِ، قَائِدُ المُتَوحِّدينَ، قَانُونُ الإمْسَاكِ المُدَقَّق، العُلُوُّ الشَّاهِقُ للتَّواضِعِ، العَيْنُ المُفيضَةُ لُجَجَ الأشْفِيَةِ، ابتهل أيُّهَا البَارُّ، مُتَوسِّلاً إلَى المَسيحِ، أنْ يَمْنَحَ الكَنيسَةَ الوئام والسَلامَ، والرَّحْمَةَ العُظْمَى.

    أيها الإخوة المحبوبون بالرب

    أيها الآباء الأجلاء

     إن كنيسة الله المقدسة وبالأخص كنيسة آوروشليم تُكرم بوقارٍ وإجلال اليوم تذكار أبينا البار سابا المتقدس والمتوشح بالله في هذه اللافرا التي تحمل اسمه.

    لقد تمرن على الفضيلة أبينا البار سابا منذ طفولته، فأصبح إناءً وأداة لمواهب الروح القدس فظهر بهذا معلماً لرهبان الصحراء وهامة المتوحدين ونجياً للملائكة ومعاشراً للصديقين وذاع صيته في جميع أنحاء المسكونة كما يقول صاحب المزمور الصِّدِّيقُونَ يَرِثُونَ الأَرْضَ وَيَسْكُنُونَهَا إِلَى الأَبَدِ. (مزمور 36: 29).

   إن أبينا البار سابا نبتة كبادوكيا قد جاء إلى الأرض المقدسة في عمر الطفولة وتعرف على آباء الصحراء العظماء مثل ثيوذوسيوس رئيس الأديار وثيوكتيستوس وجراسيموس ومعلم البرية العظيم افثيموس والذي تعلم منه سيرة النساك صائراً بذلك كوكباً روحياً ومنارة للمسكونة يتلألأ بالعجائب كما يشهد بذلك رفاته المقدسة غير البالية والتي تنضح طيباً.

     لقد أخذ الأب سابا العجيب في قلبه استنارة فعل الروح القدس لا يخصب فقط بمجاري دموعه البرية الجدباء بل أيضاً الإيمان الأرثوذكسي والعقائد وذلك في المجمع المسكوني الخامس المنعقد في خلقيدونية إذ صار مُدافعاً عن الإيمان القويم والعقائد أمام ملوك القسطنطينية أناسطاسيوس ويوستينيانوس العظيم لهذا فإن المرنم يهتف متعجباً ويقول: واه لهذا العجب الرهيب! فاللسان الترابي والطبيعة الطينية والجسم الأرضي يمنحه الروح القدس العقلي وغير الهيولي معرفةً. 

    إن سابا المتوشح بالله قد أخذ استنارة الروح القدس وذلك لأنه لم يهتم مطلقاً بالأرضيات بل بالسيرة السماوية مصغياً لما يقوله الرسول بولس فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ. (فيلبي 3: 20 -21).

    ومن الجدير بالذكر بأنه كرئيسٍ للافرا وراعٍ للخراف العقلية أي الرهبان فقد قادهم متمثلاً بسيرة الرسول بولس الذي أَخْدِمُ الرَّبَّ بِكُلِّ تَوَاضُعٍ وَدُمُوعٍ كَثِيرَةٍ، وَبِتَجَارِبَ أَصَابَتْنِي بِمَكَايِدِ عدو الخير (أعمال 20: 19).

    إن كاتب سيرة أبينا البار سابا، كيرلس سكيثوبوليتس يكتب عنه قائلاً: ومنذ ذلك الحين وُهبت له قوة إلهية وأخذ يعيش حياة الإمساك أكثر، هذه الحياة التي تطرد الأفكار الشريرة مع ثقل النوم. ومع الإمساك كان ينهض بأعباء جسدية متذكراً أحد أقوال داوود النبي في المزامير: انظر إلى تواضعي وتعبي واغفر جميع خطاياي. “مزمور 24: 18”. لذلك فقد حاول بكل نشاط أن يجعل نفسه متواضعة بالصوم ويقهر جسده بالكدّ والتعب. ومع أن الدير كان يحوي ستين راهباً أو أكثر، يجاهدون الجهاد الروحي، فقد سبقهم جميعاً في التواضع والطاعة وتحمّل الأتعاب من أجل الفضيلة. 

     مما سبق ذكره يتضح لنا بأن أسلحة النسك أي الأسلحة الروحية لجهاد أبينا البار سابا كانت الطاعة والتواضع وأما فيما يخص الطاعة فإن القديس يوحنا السلمي يقول: الطاعة قبر للإرادة ونهوض التواضع وبكلام آخر إن الطاعة تعني دفن إرادتنا الخاصة وقيامة التواضع. وعدا عن هذا فالمسيح هو المثال والنموذج البارز للتواضع الذي هو الطاعة وإنكار الذات كما يكرز الرسول بولس وَإِذْ وُجِدَ” ابن الله وكلمته” فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِلِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ (فيلبي 2: 8-9).

    إن ابن وكلمة الله الذي وُجِدَ بالهيئة كإنسان من الروح القدس ومن دماء النقية العذراء مريم من أجل خلاصنا لكي نتأله نحن كما يقول أب الكنيسة العظيم القديس أثناسيوس لقد تأنس الإله لكي نتألَّه نحن! وهو صار ظاهرًا بواسطة الجسد، لكي نقبل نحن فكر الآب غير المنظور. هو احتمل الإهانات من البشر، لكي نرث نحن عدم الفساد.

   لقد نال القديس سابا المتقدس ميراث عدم الفساد في المسيح بسبب تواضعه وطاعته لإرادة الله كما يؤكد الرب قائلاً: لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي. (متى 12: 50).

  حقاً أيها الإخوة الأحبة إن أبينا البار سابا قد استبان أخاً لربنا يسوع المسيح وله الدالة عليه لهذا فإننا نهتف مع المرنم قائلين: إلى كل الأرض خرج صوت أعمالك الباهرة أيها الأب البار فنلت بها في السماوات ثواب أتعابك فإنك أفنيت مربعات الشياطين ولحقت بطغمات الملائكة الذين غرت من سيرتهم فماثلتهم في العيشة الغير الملومة فحصلت على الدالة لدى الرب فواصل الابتهال إليه من أجل نفوسنا.

وأيضاً نتضرع إلى الصدّيق البار سابا المتقدس حتى نجتاز صوم الميلاد المجيد المبارك ويؤهلنا أن نسجد للمولود من الفائقة البركات المجيدة والدة الإله العذراء مريم، في بيت لحم في المغارة القابلة الإله. آمين

ميلاد مجيد

 
مكتب السكرتارية العامة