1

تذكار القديسين جوارجيوس ويوحنا الخوزيفيين في دير الخوزيفا

احتفلت بطريركية الروم الاورثوذكسية بعد يومين من عيد الظهور الالهي يوم السبت الموافق 21 كانون الثاني 2023 (8 كانون ثاني شرقي), بعيد دير الخوزيفي تذكاراً واكراماَ لبانيَي الدير القديسين جوارجيوس ويوحنا الخوزافيتي.

يقع هذا الدير غربي مدينة اريحا في الوادي الذي يسمى وادي قلط, وسكن النساك والرهبان هذا الوادي منذ القرن الثالث الميلادي، فقد سكنوا في البداية في الكهوف ثم في كوات صغيرة في الصخر، لكنهم بدؤوا في بناء الأديرة في القرنين الخامس والسادس، ودير القديس جوارجيوس هو الوحيد الذي نجا من التدمير خلال فترة الغزو الفارسي سنة 614 بعد الميلاد، وبعد ذلك دُمر هذا الدير وقتل العديد من الرهبان والنساك في داخله، ويعرض فيه العديد من الجماجم للرهبان القتلى.

القديس يوحنا أتى الى هذا الوادي للتنسك من اسقفية قيصاريا في فلسطين في القرن الخامس ميلادي, اما القديس جوارجيوس فقد أتى من جزيرة قبرص في القرن السابع ميلادي.

غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث ترأس خدمة صلاة الغروب وخدمة القداس الالهي في الدير يشاركه سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس, سيادة رئيس أساقفة إيرابوليوس كيريوس إيسيذوروس, رهبان الدير وآباء من أخوية القبر المقدس. وشارك في الترتيل نخبة من المرتلين في كنائس مختفلة في اليونان.  وحضر ايضاً عدد من المصلين المحليين وزوار من الخارج.

بعد خدمة القداس في الليل أعد الرئيس الروحي الأرشمندريت قسطنطين ورهبان الدير مادبة طعام على شرف غبطة البطريرك والآباء والزوار.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس جاورجيوس الخوزيفي في دير خوزيفا

تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

يهتف صاحب المزمور قائلاً: “فقلت الآن ابتدأت. هذا هو تغير يمين العلي. (مزمور 76: 18)

أيها الآباء والإخوة المحبوبون في المسيح

لقد ظهرت النعمة الإلهية المخلَّصة في مجاري نهر الأردن، التي قد جمعتنا اليوم في موضع خوزيفا الجليل لكي نكرم معيدين للتذكار الموقر لأبينا البار جاورجيوس الخوزيفي.

    لقد التهب البار شوقاً منذ طفولته إلى التوحد وحياة النسك منجذباً إليهم بشدة وقد لبث خادماً لوالديه المسنين حتى رقادهم. فترك موطنه الأصلي جزيرة قبرص متوجهاً إلى الأرض المقدسة. حيث قَدِم إلى أخيه الراهب هيراكليذس وأخذه إلى دير أخوية خوزيفا في هذا المكان وذلك لتقشفه ورهبانه القديسين.

    وإذ نسمع مرنمه يتفوه قائلاً: لا بُعد الطريق ولا عورة الأماكن استطاعا أن يُضعفا حرارة عزمك على السفر نحو الله أيها البار. ولما صرت إلى هناك وسررت بالأماكن التي وطئتها قدما إلهنا. لم تتهاون أصالةً بأن تبلغ بواسطة النسك والمشاق إلى صهيون السماوية.   

      حقاً إن حرارة عزم أبينا البار جاورجيوس على السفر نحو الله كانت توقدها أقوال المزمور اشْتَقْتُ إِلَى خَلاَصِكَ يَا رَبُّ، وَشَرِيعَتُكَ هِيَ لَذَّتِي. (مزمور 118: 174) من جهةٍ، وجهاداته الشاقة في الدير من الجهة الأخرى كما يقول مرنمه: قد حفظت نفسك من محاربك العدو الهائل سالماً لم يَنَلك ضرراً أصلاً. وذلك لأن جاورجيوس المغبوط قد اقتدى وتمثل بربنا يسوع المسيح كما يوصي الرسول بولس قائلاً: فَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِاللهِ كَأَوْلاَدٍ أَحِبَّاءَ، وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً. (أفسس 5: 1-2).

      ويفسر القديس يوحنا الذهبي الفم أقوال القديس الرسول بولس هذه قائلاً: انظر إذ كنت تعاني من أجل أعدائك فأنت حينها كرائحة طيب وذبيحة مقبولة ولو مت بسببهم فأنت أيضاً ذبيحة لأنك بهذا تتمثل بالله.

     إن الاقتداء والتمثل بالله أي بمخلصنا المسيح ليس هو إلا تغيير يمين العلي وذلك لأن المسيح قد صار مثلنا وغيرنا نحن نحو الأفضل كما يقول القديس كيرلس الإسكندري، ويُضيف قائلاً: كل ما تجنبنا وحِدنا عن الشر عندها سنبقى في الفضيلة وننجح، ويقول الآن ابتدأت هذا التغيير الذي تمنحه يمين العلي، وكل شيء ينجح بالنسك وجهاد التقوى. والذي يتقوم وينجح بالفضيلة لا يشعر بأي تغيير تماماً كما أن كلمة الله الابن الوحيد قد تنازل بطبيعته الإلهية ووُجد في هيئة بشريتنا ولم يفقد شيء من طبيعته الإلهية ولم يرذل طبيعتنا البشرية.

      إن هذا التغيير بحسب المسيح قد نجح فيه أبينا البار جاورجيوس إذ لبث مجاهداً في التقوى وحسن العبادة فنجح بالفضيلة من خلال أعماله النسكية وإيمانه الأرثوذكسي القويم. ومن الجدير بالذكر بأن أبينا البار جاورجيوس هو كبولس آخر كما يقول مرنمه إنك تسكن على الأرض كأنك ملاك بدون جسد تمجد بغير انقطاعٍ الإله الثالوث القدوس وتتقبل منه الإشراق.   

     لقد أصبح أبينا البار يوحنا الخوزيفي إناءً لنعمة الروح القدس المنيرة متتبعاً خطى القديس النبي السابق يوحنا المعمدان الذي كرز بالتوبة في برية الأردن كذلك عمل البار كارزاً ومبشراً بفم المزمور بعظائم وبحقيقة الخلاص مخلصنا المسيح الذي اعتمد في نهر الأردن لَمْ أَكْتُمْ عَدْلَكَ فِي وَسَطِ قَلْبِي. تَكَلَّمْتُ بِأَمَانَتِكَ وَخَلاَصِكَ. لَمْ أُخْفِ رَحْمَتَكَ وَحَقَّكَ عَنِ الْجَمَاعَةِ الْعَظِيمَةِأَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَلاَ تَمْنَعْ رَأْفَتَكَ عَنِّي. تَنْصُرُنِي رَحْمَتُكَ وَحَقُّكَ دَائِمًا. (مزمور 39: 10-11).

    ومن الشهود الصادقين على قداسة أبينا البار هو جمهور النساك المتوحدين الذين نسكوا في دير خوزيفا كيوحنا الذي أصبح أسقف قيصرية فلسطين وأبينا البار يوحنا الجديد الذي من رومانيا والذي جسده المقدس غير البالي موضوع أمام ناظر أعيننا ينضح رائحة زكية مذيعاً بقيامة إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح وبقيامتنا نحن معه كما يكرز بولس الرسول أَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ. (رومية 6: 5).

    فنحن أيها الإخوة الأحبة والرهبان الأتقياء النساك في هذه اللافرا المقدسة نتضرع للقديس البار جوارجيوس الخوزيفي الماثل أمام الله لكي يمنح مكرمي تذكاره الشريف استنارة الروح القدس الذي ظهر بهيئة حمامة في نهر الأردن حتى نشترك في الغبطة الإلهية. ومع المرتل نهتف ونقول: أيها المؤمنون، لنمجد بالترانيم حكمة الله الذي لا يوصف كلمة الله الذي جاء من الله لتجديد آدم الذي سقط في الفساد، والذي تجسد من العذراء القديسة من أجلنا.

آمين

مكتب السكرتارية العامة