1

الإحتفال بعيد القديس ثيوذوسيوس رئيس الأديرة في البطريركية

إحتفلت البطريركية الأورشليمية يوم الثلاثاء الموافق 24 كانون ثاني  2023 (11 كانون ثاني شرقي)  بعيد القديس إبينا البار ثيوذوسيوس رئيس الأديرة.

في هذا العيد تحيي الكنيسة كلها وخاصة الكنيسة الأورشليمية تذكار القديس ثيوذوسيوس الذي جاء إلى الأرض المقدسة من مسقط رأسه موغاريستوس في كابادوكيا حوالي عام 450 بعد الميلاد.

بعد أن جاهد في البداية في التتنسك في دير إيكليا المقدس بالقرب من أورشليم جاء إلى صحراء يهودا وأسس الدير المقدس الذي يحمل اسمه حتى يومنا هذا. استقبل هناك الرهبان المبتدئين الذين تدربوا على الطاعة والحياة المشتركة وأعمال الحرف اليدوية وكانوا يعولون الفقراء والمحتاجين. بعد هذا التدريب على حياة الرهبنة كان يحصل الرهبان على البركة للدخول في شكل أكثر صرامة من حياة النسك في لافرا القديس سابا المتقدس.

أصبح القديس ثيودوسيوس الرئيس الروحي ورئيس الأديار في فلسطين بينما ألقديس سابا كان يُعتبر الأب الروحي لحياة اللافرا.  كان كل من القديسين ثيودوسيوس وسابا من وطن واحد, وتعاونا بجهاد  في تأسيس عقيدة المجمع المسكوني الرابع في خلقيدونية عام 451 م، فيما يتعلق بطبيعتي المسيح الإلهية والبشرية في أقنوم واحد.

يقع هذا الدير في المكان الذي مكث فيه الحكماء من بلاد فارس طوال الليل عند عودتهم عبر طريق مختلف إلى بلادهم. ولقد أثبت الدير أنه أقوى من الدمار الذي لحق به من مختلف الغزاة عبر الزمن.

أقيمت صلاة السهرانية في الدير ترأسها غبطة البطريركي كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث وشاركه سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس، سيادة رئيس أساقفة سبسطية كيريوس ثيوذوسيوس المُحتفل بعيد شفيعه, قدس الأرشمندريت ماثيوس، المتقدم الشمامسة الأب ماركوس والشماس المتوحد الأب إفلوجيوس. قام بالترتيل السيد باسيليوس غوتسوبولوس و خوروس من أبناء الرعية, بحضور عدد من الرهبان وزوار الدير.

بعد القداس أعد الرئيس الروحي للدير الأرشمندريت إيروثيوس ضيافة للوفد البطريركي.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس ثيوذوسيوس رئيس الأديار

تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

بعد أن دخلتَ ضباب النور الإلهي العقلي يا ثيوذوسيوس وكَلَوْحَيّْ الشريعة نُقش قلبك بإصبع الله فأنتَ نقلتَ كتاب الحياة لنور تعاليم عقائد حسني العبادة والتقوى أيها السعيد الذكر.

 أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

أيها المسيحيون الأتقياء

    إن المسيح ابن وكلمة الله الذي اعتمد في مجاري نهر الأردن وجدد طبيعة البشر المتعتقة بالخطيئة وأعاد جبلتها قد جمعنا اليوم في هذا الدير الذي يحمل اسم القديس ثيوذوسيوس رئيس الأديار لكي نُعيد بتقوى لتذكاره المقدس.

    لقد أحب المسيح أبينا البار ثيوذوسيوس منذ طفولته فترك موطنه الأصلي الذي هو في قرية كبادوكيّة تُدعى موغاريسوس وأتى إلى الأراضي المقدسة حيث رغب أن يسلك في حياة النسك والتوحد وارتدى الثوب المقدس على عهد الامبراطور مركيانوس الشريف.

    وأما كيرلس سكيثوبوليتس كاتب سيرة حياة أبينا البار ثيوذوسيوس يدعوه بأنه مستحق الغبطة ومستوطن السماء مجد فلسطين العظيم، وافتخار البرية وعضد للرهبان المتوحدين، ومحامياً ومدافعاً عن العقائد القويمة ومرشداً ودليلاً للأديار ولقوانينها.

    ومن الجدير بالذكر بأن ثيوذوسيوس المتوشح بالله لم يكن فقط سنداً وعضداً للرهبان المتوحدين بل أيضاً مدافعاً ومحامياً عن العقائد الأرثوذكسية فعند قدومه إلى مدينة آوروشليم المقدسة هداه الله إلى شيخ مبارك يُدعى لونجينوس الذي من كبادوكية وكان من طغمة  “المثقفين” التابعة لكنيسة قيامة المسيح إلهنا، والتي تُعرف اليوم بأخوية القبر المقدس فأقام معه زماناً قرب برج داؤود، ولم يسمح له بأن يُغادر إلى أديرة فلسطين في البرية وذلك بسبب الانشقاق الحاصل بين رهبان البرية فالكنيسة الجامعة لم تشترك في الشركة مع أتباع افتيخيس و ذيسقوروس أصحاب الفتن و البدع و الهرطقات.

    وبكلام آخر إن كنيسة أوروشليم ولا سيما رهبانها وأديرتها التي في البرية والتي لا تُعد ولا تُحصى قد امتُحنت وتعرضت لكثير من محاربات الهرطقات والبدع أي من أصحاب الطبيعة الواحدة وأصحاب المشيئة الواحدة وأصحاب الفعل الواحد لهذا فإن أبينا البار ثيوذوسيوس قد وُجد مدافعاً ومحامياً عن العقائد الأرثوذكسية وتعاليم الإيمان الأرثوذكسي لهذا فإن مرنمه يؤكد بوضوح قائلاً: إنّا نتذكر تعاليمك يا ثيوذوسيوس فنكرز بالمسيح ذا جوهرَيْن ونعتقد بمشيئتين وطبيعتين وفعلَيْن وسلطتين مستقلتين في الإله الذي اعتمد بالجسد. 

    إن اهتمام ثيوذوسيوس المتوشح بالله في تعاليم الإيمان الأرثوذكسي القويم قد أوضحته هيكلاً للروح القدس لابساً قوةً من الأعالي، بحسب وعد ربنا يسوع المسيح إلى تلاميذه وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي(لوقا 24: 49) وأيضاً اجترح البار الكثير من العجائب.

    ويذكر كاتب سيرته بأن القديس ثيوذوسيوس كان ذائع الصيت خصوصاً لثلاث مزايا اقتناها؛ أولاً: النسك بدقة بإيمان حقيقي وأرثوذكسي منذ طفولته وحتى شيخوخته، وثانياً: الضيافة بحبور دونما محاباة للوجوه، وثالثاً: التركيز بغيرةٍ حارة على القداس الإلهي بدون انقطاعٍ أي إقامة القداس الإلهي بدون توقف.

    لهذا السبب نرى أن مرنمه يهتف قائلاً: بعد أن دخلتَ ضباب النور الإلهي العقلي يا ثيوذوسيوس وكَلَوْحَيّْ الشريعة نُقش قلبك بإصبع الله فأنتَ نقلتَ كتاب الحياة لنور تعاليم عقائد حسني العبادة والتقوى أيها السعيد الذكر.

    وبكلامٍ آخر إن المغبوط ثيوذوسيوس هو كموسى آخر قد دخل اقْتَرَبَ إِلَى الضَّبَابِ حَيْثُ كَانَ اللهُ. (خروج 20: 21) وبحسب القديس ذيونيسيوس الأريوباغي فإن هذا الضباب الإلهي هو النور الذي لا يُدنى منه، وبحسب القديس يوحنا اللاهوتي إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ. (1يوحنا 1: 5) وبحسب القديس غريغوريوس النيصص إن اللوحين المكتوبين بإصبع الله هما صوت الله المكتوب “إن الكتابة على اللوحين استبانت مع صوت الله والتي من خلالها ظهرت العظائم والأسرار.   وبحسب القديس بولس الذي صعد إلى السماوات فإن الله ربنا هو الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ.(1تيم 6: 16).

    ومما سبق يتضح لنا أيها الإخوة الأحبة بأن أعضاء الكنيسة المؤمنين هم جسد المسيح وهم ينتمون لشركة القديسين أَمِينٌ هُوَ اللهُ الَّذِي بِهِ دُعِيتُمْ إِلَى شَرِكَةِ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا.(1كور 1: 9) كما يكرز بولس الرسول والذي يصلي من أجلنا قائلاً: كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ، مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ. (أفسس 1: 17-18).

    إن غنى مجد الله هذا قد ورثه من نكرمه اليوم أبينا البار ثيوذوسيوس رئيس الأديار وعن هذا الغنى يقول القديس يوحنا الذهبي الفم هذا المجد لا يُعبر عنه، لإنه أي لغة أو قول يستطيعُ أن يعبر عن مجد الله هذا

    إن غنى مجد الله هذا يُمنح كميراث المسيح في كنيسته من خلال قديسيه كما يؤكد صاحب المزمور قائلاً عجيبٌ هو الله في قديسيه(مزمور 67: 36)

    ختاماً نتضرع إلى القديس ثيوذوسيوس أيها الإخوة الأحبة مع الفائقة البركات والدة الإله الدائمة البتولية مريم لكي يتشفعوا لنا عند شمس البر العقلية الذي أتى واعتمد في نهر الأردن من يوحنا المعمدان لكي ينيرنا ويخلص العالم أجمع.

آمين

مكتب السكرتارية العامة