1

البطريركية الأورشليمية تحتفل بعيد بشارة والدة الإله

إحتفلت البطريركية الأورشليمية يوم الجمعة الموافق 7 نيسان 2023 (25 آذار شرقي) بعيد بشارة بشارة العذراء مريم في مدينة الناصرة.

في هذا العيد تحيي الكنيسة وخاصة كنيسة أورشليم تذكار حدث إرسال الله رئيس الملائكة جبرائيل إلى فتاة عذراء نقية تدعى مريم وبشرها بأنها ستصبح والدة ابن الله الوحيد المتجسد. وتذكر رواية البشارة حسب إنجيل لوقا أن مريم قد اضطربت لكلام الملاك وتساءلت عن معنى هذه التحية،(لوقا 29/1) فأجابها الملاك:ل لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ». فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟» فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ.

غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث ترأس خدمة القداس الإلهي في كنيسة البشارة في مدينة الناصرة يشاركه سيادة متروبوليت الناصرة كيريوس كيرياكوس, سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس, سيادة رئيس أساقفة يافا كيريوس ذماسكينوس, سيادة رئيس أساقفة بيلا كيريوس فيلومينوس, آباء من أخوية القبر المقدس, كهنة مطرانية الناصرة, الأرشمندريت ذوميتيانوس ممثل بطريركية موسكو, المتقدم في الشمامسة الأب ماركوس والشماس المتوحد الأب إفلوغيوس.  وشاركت جوقة التراتيل البيزنطية من اليونان بقيادة المرتل الأول السيد بالوجورجيوس, وجوقة كنيسة البشارة, بحضور عدد كبير من المصلين من الناصرة والبلدان المجاورة وحجاج من خارج البلاد.

بعد القداس الإلهي أقيمت المسيرة الكشفية بشوارع المدينة بمشاركة كشافة الناصرة سرايا الكشاف من مدن وقرى الجليل الأخرى. عند الظهر أقام سيادة المطران كيرياكوس ومجلس الرعية وجبة غذاء على شرف الحضور.

كما تم الاحتفال بهذا العيد في دير مزار الجثسمانية حيث ترأس خدمة القداس الإلهي سيادة متروبوليت كابيتولياذا كيريوس إيسيخيوس.

وأيضاً تم الاحتفال بلدة رفيديا في كنيسة البشارة المقدسة حيث ترأس خدمة القداس الإلهي سيادة رئيس اساقفة مادبا كيريوس أريستوفولوس.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد بشارة سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم في مدينة الناصرة

تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

يهتف مرنم المزمور قائلاً: رَنِّمُوا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً. رَنِّمِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ.

رَنِّمُوا لِلرَّبِّ، بَارِكُوا اسْمَهُ، بَشِّرُوا مِنْ يَوْمٍ إِلَى يَوْمٍ بِخَلاَصِهِ. (مزمور 95: 1-2)

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

أيها الزوار المسيحيون الأتقياء

    إن نعمة الروح الكليّ قدسه الذي ظلّل الفائقة البركات المجيدة العذراء مريم قد جمعنا اليوم في هذه المدينة المقدسة الناصرة التي ورد ذكرها في الكتاب المقدس لكي نُعيد لبشارة خلاصنا نحن البشر أي ظهور السر الذي منذ الدهور، الذي هو سر تأنس وتجسد كلمة الله من دماءها النقية.

    لهذا فإن مرنم المزمور يدعو كافة الأمم، سكان الأرض، لكي يُسبحوا ويُمجدوا دون توقف وانقطاع الاسم الذي رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ (فيلبي 2: 9) وأيضاً ليرَنِّمُوا لِلرَّبِّ، ويبَارِكُوا اسْمَهُ، ويبشروا مِنْ يَوْمٍ إِلَى يَوْمٍ بِخَلاَصِهِ (مزمور 95: 2).

    إن خلاص الله هذا ليس هو إلا تحررنا نحن البشر بالمسيح من الخطيئة وفساد الموت، إن هذه الحقيقة أذاعها النبي اشعياء العظيم الصوت قائلاً: فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ (اشعياء 40: 5).

    حقاً لقد ظهر مجد الرب من جهةٍ من خلال الملاك جبرائيل المرسل للعذراء مريم عند قوله لها: افرحي يا ممتلئةً نعمةً اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ (لوقا 1: 26-28) ومن الجهة الأخرى من خلال المولود بالروح القدس من العذراء مريم في مغارة بيت لحم “الصبيُ الجديد” الذي يُدعى اسمه عمانوئيل الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا. (متى 1: 23)

    ويُفسر القديس يوحنا الذهبي الفم أب الكنيسة اسم عمانوئيل قائلاً: إنهم يدعونه عمانوئيل لا يعني شيئاً آخر سوى أنهم سيرون الله بين البشر، لأنه كان دائماً حقاً بين البشر إنما لم يكن أبداً بوضوحٍ كما هو الآن. وأما بحسب القديس كيرلس؛ فالمسيح كإله، غير منفصلٍ عن طبيعته البشرية والمسيح، كإنسانٍ غير متجردٍ من اللاهوت، فالله معنا فهو أخذ الجسد منّا ولأجلنا ظهر كلمة الله.

    صار حدث بشارة العذراء مريم والدة الاله في مكان وزمان هذا الحدث الذي يُشكل حجر زاوية التاريخ المقدس بشكل عام، وسر التدبير الإلهي في المسيح بشكلٍ خاص، كما يعلم القديس يوحنا الدمشقي قائلاً: ولما كان إلهاً كاملاً، فقد صار إنساناً كاملاً وتمّ الأجدد من كل ما هو جديد بل الشيء الجديد الفريد تحت الشمس الذي تظهر به قوة الله التي لا حدّ لها. فما هو أعظم من أن يصير الله إنساناً؟ 

    ومن الجدير بالذكر بأن بشارة والدة الإله العذراء مريم الدائمة البتولية قد تصور وقتاً ما أمام عينا النبي موسى معاين الله على جبل سيناء كما يذكر الكتاب قائلاً: وَجَاءَ موسى إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَوَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ. فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ، وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ. إن ظهور و رؤية ملاك الرب في داخل العليقة ليس هو إلا بحسب القديس يوحنا الذهبي الفم رسول الرأي العظيم الذي هو ابن الله لإنه بحسب الكتاب المقدس:” الرَّبَّ إِلهَكَ هُوَ نَارٌ آكِلَةٌ.(تثنية 4: 24).

    يمدحُ القديس يوحنا الدمشقي ويغبط عظمة ومجد العذراء مريم والدة الإله الذي لا يُسبر غوره ويسبحها قائلاً: إن البرايا بأسرها قد اعتراها الذهول من مجدك الإلهي لأنك حملت في أحشائك إله الكل وولدت الابن غير المحدود في زمن ومنحت الخلاص لكل الذين يُسبحونك.

    حقاً أيها الإخوة الأحبة إن البرايا بأسرها الملائكة والبشر والسماويات والمخلوقات الأرضية العاقلة والغير عاقلة قد اعتراهم الذهول وذلك أن العذراء مريم قد حبلت بدون زرع رجل في أحشاءها الرب وكلمة الله الذي هو إله الكل كما يدعوه الربٌ والإله القديس بولس قائلاً:” إِلهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي كُلِّكُمْ. (أفسس 4: 5).

    إن جواب العذراء مريم هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ (لوقا 1: 38) على تحية الملاك جبرائيل افرحي أيتها الممتلئة نعمة، اَلرَّبُّ مَعَكِ. (لوقا 1: 28). قد أوضح العذراء مريم بحسب القديس ايريناوس عندها كل شيء سبباً للخلاص أي سبباً للتأله. إن هذا الحدث التاريخي الحقيقي الذي لا يمكن إنكاره تذكر دوماً كنيسة المسيح المقدسة في دستور الإيمان النيقاوي: أومن وبربٍ واحد يسوع المسيح ..الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنس.

    إن شخص مريم العذراء الفائقة البركات هو ذلك الذي يؤكد ويشهد على عظمة سر حسن العبادة أي سر التدبير الإلهي كما يقول القديس كيرلس المتوشح بالله في إبسلاتهِ:”ليكن مُبسلاً كل من لا يعترف أن عمانوئيل هو إله حق وأن القديسة العذراء هي لذلك والدة الإله لأنها بحسب الجسد ولدت كلمة الله الذي صار جسداً. ولا سيما أن المجمع المسكوني الرابع المنعقد في خلقيدونية يعترف بأن المسيح هو تامٌ في لاهوته وتامٌ في ناسوته في رب واحد بطبيعتين متحدتين بدون اختلاط أو انفصال. بموافقة ومساهمة العذراء مريم في سر التدبير الإلهي والذي بدون شك يشكل كما يقول المرنم “رأس خلاصنا”.

    فنحن أيها الإخوة الأحبة بكل تواضعٍ وكتعبير عن شكرنا وعرفاننا نهتف مع المرنم قائلين: افرحي يا من وحدها حملت لنا المسيح الشمس، افرحي يا مسكن النور، وذلك لأن الفائقة القداسة المجيدة سدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم قد بشرت العالم بنور الحق الذي هو المسيح. لهذا النور نحن مدعوون أن نلج جميعنا الذين يريدون بر الله بالتوبة كما يقول القديس سمعان اللاهوتي الحديث إن أولئك الذين يجلسون في الظلمة هم أبناء الظلمة ولا يريدون أن يتوبوا لأن التوبة هي البوابة التي تُخرج من الظلمة وتدخل إلى النور.

    ختاماً فإننا نتضرع إلى والدة الإله لكي بتوسلاتها تجعلنا مستحقين أن نكون شركاء ومساهمين في نور قيامة الذي حُبل منها بلا زرع ووُلد من الروح القدس وتجسد، بدون تحول، كلمة الله ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وأن يمنح العالم السلام ونفوسنا عظيم الرحمة.

كل عام وأنتم بخير

فصح مجيد وأسبوع مبارك

مكتب السكرتارية العامة