البطريركية الأورشليمية تحتفل بعيد الرسل القديسين الأطهار

إحتفلت البطريركية الأورشليمية يوم الخميس الموافق 13 تموز 2023 (30 حزيران شرقي) بعيد جامع للقديسين الرسل الإثني عشر الأطهار. نعني بالعيد “الجامع” أي لجميع الرسل التلاميذ الإثني عشر وأيضاً جامع تعني أن المؤمنون إجتمعوا لتكريم الرسل تلاميذ السيد المسيح لدورهم في رسالة الكرازة للعالم أجمع بحلول الروح القدس عليهم مبشرين بالمسيح القائم.

ثم الإحتفال بهذا العيد في الكنيسة البيزنطية القديمة الموجودة في دير الرسل الواقعة على ضفاف بحيرة طبريا, حيث ترأس خدمة القداس الإلهي غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يشاركه سيادة متروبوليت الناصرة كيريوس كيرياكوس, سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس, آباء من أخوية القبر المقدس وكهنة منطقة الجليل. رُتلت الصلاة باللغة العربية من قبل جوقة عكا وباللغة اليونانية من الأرشمندريت أرتيميوس, وحضر الخدمة أبناء من الرعية الأورثوذكسية في المنطقة والقنصل اليوناني الفخري في حيفا السيد قسطنطين زونوفيوس.

بعد الخدمة إستضاف الرئيس الروحي للدير الأرشمندريت بارثينيوس غبطة البطريرك مع السادة الاساقفة والآباء على مائدة غذاء.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة تذكار حافل للرسل القديسين الاثني عشر 

تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

     فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَ تلاميذهُ قَائِلًا: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِوَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ.(متى 28: 18-20)

    أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

    أيها المسيحيون الأتقياء.

    إن الرسل القديسين الاثني عشر الذين نالوا نعمة الروح القدس، قد جمعونا اليوم في هذا المكان المقدس حيث ظهر يسوع المسيح مخلصنا بعد قيامته من بين الأموات عَلَى بَحْرِ طَبَرِيَّةَ. (يوحنا 21: 1) وذلك لكي نعيد مكرمين لتذكارهم المقدس الجامع.

    إن الرسل القديسين يشكلون الأساس لأعضاء جسد الكنيسة المؤمنين كما يكرز القديس بولس الرسول قائلاً: فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلًا، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ(أفسس 2: 19-20).

    وهذا لأن الرب أوصى تلاميذه أولاً بأن يذهبوا ويتلمذوا كل الأمم ويعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وثانياً أن يُعلموا الأمم بجميع ما أوصى به الرب تلاميذه، وثالثاً بأنه أكّد لهم بأنه سيبقى مع تلاميذه كل الأيام حتى انقضاء الدهر.

    إن هذه الخصائص الثلاثة المميزة للرسل تشكل رسولية المؤسسة الكنسية ونقول هذا لأن رسل المسيح حازوا على نعمة الروح القدس جوهرياً وليس أخلاقياً وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ فَكَانُوا يَمْتَلِئُونَ مِنَ الْفَرَحِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ.(أعمال 13: 52) كما يكرز الرسول لوقا عندما كان متواجداً في أنطاكية بيسيدية وأما عن الرسول بطرس فإن الرب يقول  وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا.(متى 16: 18). وكما يرنم ناظم تسابيح الكنيسة قائلاً: لقد اقتبلتم جميعاً أيها الحكماء نور الروح القدس كله، ظاهراً فيكم ظهوراً جوهرياً في العلية، فتلقنتم أسرار التعليم السامي، فتُغبّطون الآن عن استحقاق.

    على أساس جوق الرسل القديسين المختارين من مخلصنا المسيح قد بُنيت من جهةٍ في العالم الكنيسة الأرضية والتي مواطنيها ورعاياها هم المسيحيون الذين هم بحسب الرسول بولس رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ(أفسس 2: 19) وبحسب ذيوغنيتو فإن “المسيحيون يحيون على الأرض ولكن سيرتهم في السماء”، ومن الجهة الأخرى قد أُظهروا بالروح القدس سيرة الكنيسة أي طريقة حياة التقوى وطريقة قيادة دفة الكنيسة على أساس النظام المجمعي الذي تشكل وانعقد من الرسل في آوروشليم بحسب شهادة كاتب سفر أعمال الرسل القديس الإنجيلي لوقا الذي يقول فَاجْتَمَعَ الرُّسُلُ وَالْمَشَايخُ لِيَنْظُرُوا فِي هذَا الأَمْرِ.(أعمال 15: 6).

    وعدا عن هذا فإن الرسل قد تعينوا من قبل الرب خلفاء له كما يؤكد هذا البار باخوميوس قائلاً: إن كلمة الله عند صعوده إلى السماوات عيّن واختار مسبقاً الرسل خلفاء له. إن أهمية وفحوى الخلافة الرسولية للكنيسة ولعملها الخلاصي يُصيغها بدقة هيبوليتوس الروماني قائلاً: إن الروح القدس قد أُعطيَ لنا في الكنيسة،فقد أخذهُ أولاً الرسل ،والرسل أعطوه للمؤمنين حقاً باستقامةٍ،ونحن صرنا خلفاء الرسل مساهمين ومشاركين في النعمة ذاتها وفي رئاسة الكهنوت وفي التعليم ، لهذا نعتبر حراس الكنيسة.

    حقاً أيها الإخوة الأحبة إن الرسل القديسين هم بمثابة حراس الكنيسة وذلك لأن الرسولية هي عنصر أساسي وخاصٌ للكنيسة، ولنسمع ماذا يقول الرسول لوقا في سفر أعمال الرسل وَإِذْ كَانُوا يَجْتَازُونَ فِي الْمُدُنِ كَانُوا يُسَلِّمُونَهُمُ الْقَضَايَا الَّتِي حَكَمَ بِهَا الرُّسُلُ وَالْمَشَايخُ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ لِيَحْفَظُوهَا.(أعمال 16: 4). وبتوضيح أكثر أي عندما كان الرسل يسيرون ويجتازون في المدن كانوا يسلمون التعاليم شفهياً للمؤمنين الذين في المدن لكي يحفظوا القرارات والأوامر التي حكم فيها الرسل والشيوخ بشكل قاطع التي كانت في أوروشليم.

    ومن الجدير بالذكر ما أوصى به الرسول بولس تلميذه تيموثاوس بهذا الصدد قائلاً له: يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ، مُعْرِضًا عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاسْمِ، الَّذِي إِذْ تَظَاهَرَ بِهِ قَوْمٌ زَاغُوا مِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ.(1تيم 6: 20-21)و احْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا.(2تيم 1: 14).

    إن آباء الكنيسة القديسين المجتمعين في الروح القدس قد برعوا في صياغة رسولية الكنيسة في دستور الإيمان وأذاعوا بأبلغ بيان قائلين: (أومن بإله واحد آب ضابط الكل ….وبكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية)، وذلك لأن الرسل القديسين هم أولئك الذين طافوا المدن وساموا أساقفة وكهنة ليرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ (أعمال 20: 28).  

    فها قد اتضح لنا لماذا يدعو القديس غريغوريوس بالاماس الرسل بأنهم رؤساء رعاة ومعماري التقوى العامة وفضيلة الجميع، وها أيضاً لماذا الانشقاق في جسد الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة يُشكل خطيئة كبيرة، وذلك لأنه ينتج عنه زعزعة الخلافة الرسولية واضطرابها، لأن الحاملون الحقيقيون للخلافة هم الأساقفة القانونيون المشرطنون في الكنائس المحلية.

    فنحن أيها الإخوة الأحبة مكرسين التذكار الموقر للرسل القديسين المجيدين وهاتفين مع المرنم وقائلين: أيها المخلص الصالح العطوف والمحب لطبيعة جنس البشر بالتوسلات الإلهية من أمك العذراء وبتضرعات الرسولين بطرس وبولس والاثني عشر رسولاً أرسل إلينا رحمتك ومعونتك من السماء.  

آمين

كل عامٍ و أنتم بالف خير

مكتب السكرتارية العامة