البطريركية الأورشليمية تحتفل بعيد النبي ايليا (مار الياس)

إحتفلت البطريركية الاورشليمية يوم الأربعاء الموافق 2 آب 2023 (يعادله 20 تموز شرقي) بعيد النبي ايليا التسبيتي.

في هذا اليوم تقيم الكنيسة حسب ما ذكر في العهد القديم في سفر الملوك وكذلك في العهد الجديد في رسالة القديس يعقوب, تذكار القديس المجيد ايليا النبي الذي يرجع إصله من تسبيت, رجل الله الذي كان مملوءاً غيرة على إيمانه بإله إسرائيل على أنه هو الإله الحي الحقيقي لذلك دُعي بالغيور. كان لهذا النبي العظيم إيمان عميق وتقوى قوية لدرجة أن الرب سمع صلاته وحبس الأمطار لمدة ثلاث سنوات وبصلاته أيضاً فُتحت أبواب السماء وهطلت الأمطار ثانية. سمع الله صلاته وتحدا ايليا انباء البعل وانزل ناراً من السماء واكلت ذبيحة التقدمة التي قدمها على جبل الكرمل. 

بالنسبة للكنيسة  إيليا هو ” الملاك بالجسم، قاعدة الأنبياء وركنهم، السابق الثاني لحضور المسيح، إيلياس المجيد الموقر، لقد أرسلت النعمة، من العلى لأليشع، ليطرد الأسقام، ويطهر البرص، لذا يفيض الأشفية لمكرميه دائما” (طروبارية العيد).

كانت نهاية النبي إيليا أنّه عبر وتلميذه أليشع الأردن. وفيما هما يسيران ويتكلّمان إذا مركبة من نار وخيل من نار فصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء

اقيمت خدمة القداس الالهي بهذه المناسبة في دير النبي ايليا الواقع على الطريق ما بين القدس وبيت لحم حيث سيادة متروبوليت ذيقيصارية كيريوس فيلينذكتوس خدمة صلاة الغروب عشية العيد, وصباحاً ترأس خدمة القداس الإلهي صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يشاركه سيادة متروبوليت كابيتولياذا كيريوس إيسيخيوس, سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس, سيادة رئيس أساقفة سبسطية كيريوس ثيوذوسيوس آباء من أخوية القبر المقدس, وآباء من بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور. رتل خورس كاتيدرائية القديس يعقوب أخو الرب الترانيم الكنسية بقيادة السيد ريمون قمر باللغة العربية والمرتل الأول السيد أنجلو باللغة اليونانية. وحضر القداس القنصل اليوناني العام السيد إيفانجيلوس فليوراس في القدس وعدد من المصلين من القدس وبيت لحم.

بعد القداس أعد مشرف الدير الراهب أخيليوس مائدة غذاء إحتفالاً بعيد شفيع الدير.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث،في عيد القديس النبي إيليا التسبيّ 

تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي 

   لمّا كنتَ قدْ امتزجتَ بالله بواسطة الفضيلة والسيرة المُثلى يا إيليا النبي العجيب نلتَ من لدنهِ سلطاناً فأعدتَ نظام الخليقة على مُقتضى رأيكَ وأغلقتَ أبواب المطرِ بإرادتكَ واستنزلتَ ناراً من العلاء فأهلكتَ بها المُلحدين فتضّرع طالباً خلاص نفوسنا. هذا ما يتفوه به مرنم الكنيسة.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

أيها المسيحيون الأتقياء

    إن الملاكَ بالجسدِ قاعدةُ الأنبياءِ وركنهم، إيليا الشريف الموقر قد جمعنا كلّنا في هذا المكان والموضع المقدس لكي بشكرٍ نُعيّد لتذكار صعودهِ إلى السماواتِ بالمركبة النارية.

    ويتحدثُ سيراخ عن شخصية إيليا التسبيّ قائلاً: وَقَامَ إِيلِيَّا النَّبِيُّ كَالنَّارِ، وَتَوَقَّدَ كَلاَمُهُ كَالْمِشْعَلِبَعَثَ عَلَيْهِمِ الْجُوعَ، وَبِغَيْرَتِهِ رَدَّهُمْ نَفَرًا قَلِيلًاأَغْلَقَ السَّمَاءَ بِكَلاَمِ الرَّبِّ، وَأَنْزَلَ مِنْهَا نَارًا ثَلاَثَ مَرَّاتٍمَا أَعْظَمَ مَجْدَكَ، يَا إِيلِيَّا، بِعَجَائِبِكَ، وَمَنْ لَهُ فَخْرٌ كَفَخْرِكَ(حكمة سيراخ 48 :1-4 )

    ويورِدُ لنا القديس يعقوب أخو الرب في رسالتهِ الجامعة عن قوة صلاة الإنسان البار، إذ يقول: “طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَاكَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا.“(يع 5: 16-18).

    ويذكر الإنجيليين مرقس ولوقا عن حضور النبي إيلي، عند تجلي مخلصنا يسوع المسيح على جبل ثابور قائلاً: وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ وَحْدَهُمْ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ،.وَظَهَرَ لَهُمْ إِيلِيَّا مَعَ مُوسَى، وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ مَعَ يَسُوعَ(مرقس 9: 2-4 ) 

    إن التحدث أي تكلّم إيليا وموسى مع المسيح يؤكدُ ويشهدُ أن المسيحَ هو ربُّ الناموس والأنبياء، فأمّا موسى فإنه يظهرُ كممثلٍ عن الناموس، وأمّا إيليا كممثلٍ عن الأنبياء و وفقاً لتفسير أوريجانوس والقديس كيرلس الإسكندري “إن في شخص موسى يستبان الناموس، وفي إيليا الأنبياء، لأن المسيحَ هو ربُّ الناموس والأنبياء”.

    يتميزُ النبي إيليا أنّه وحدهُ بين الأنبياء قد استحق مع موسى التكلم مع المسيح المُتجلي، اللذان كليهما عرفا المسيح على جبل سيناء قديماً. فأما موسى ففي دخان النار والضباب وأما إيليا ففي النسيم اللطيف. هؤلاء قد عرفوا الإله بأبصارهم في شخص يسوع المسيح المتجلي على جبل ثابور، صانعين بهذا اسثناءً لقول الرب لتلاميذه:” فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَنْبِيَاءَ وَأَبْرَارًا كَثِيرِينَ اشْتَهَوْا أَنْ يَرَوْا مَا أَنْتُمْ تَرَوْنَ وَلَمْ يَرَوْا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا.(متى 13: 17).

    حقاً أيها الإخوة الأحبة، لقد نالَ إيليا التسبيّ نعمةً خاصةً من الله وذلك لأنّهُ امتزج أي اتحدَ بالله بواسطةِ الفضيلة والسيرة المُثلى كما يقول ناظم التسابيح: يا إيليا النبي العجيب نلتَ من لدنه سلطاناً فأعدتَ نظام الخليقة على مُقتضى رأيكَ وأغلقتَ أبواب المطر بإرادتكَ واستنزلتَ ناراً من العلاء فأهلكتَ بها المُلحدين.

    لقد نالَ تلاميذُ المسيح وقديسوهُ هذا السلطان ، كما يشهدُ بذلك الإنجيليّ لوقا قائلاً:” هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُوِّ، وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ.(لوقا 10 : 19 ).

   ويفسرُ القديس باسيليوس العظيم أقوال الرب هذة قائلاً”  إنّه من غير المعقول ، أي أنه من المستحيل أن يمارسَ الإنسانُ هذا السلطان ما لم يكن قد طهّرَ نفسهُ من قَبلُ وتشدّدَ من قِبَل الرب.إذ يقول””من المستحيل على الإنسان أن يسلك في حرب ضد الترس والتنين والأسد إذا لم يُطهر نفسه أولاً ويتشدد من قبل الرب القائل للرسل وها أنا أعطيكم سلطاناً لتدوسوا على الحيات والعقارب “”.

    وبكلام آخر أيها الإخوة الأحبة إن الذي يسمعُ ويحفظُ وصايا الله فإنّهُ يستطيعُ من خلالِ فعلِ النعمة الإلهية أن يكونَ مُساهماً ومُشاركاً في قوةِ النبي إيليا كما حصل تماماً مع النبي أليشع الذي كان يتبعهُ، لهذا فإن الرسول بولس يوصي قائلاً: فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ.(فيلبي 1: 27)

    ومن الجدير بالذكر أن شخصيةَ النبيّ إيليا، لها مكانةً خاصةً ومميزةً في العهد القديم وأيضاً في العهد الجديد، وذلك لأنّ إيليا النبي يُعرَفُ بأنّه السابق الثاني لحضور المسيح، أي في الأيام الأخيرة للدينونة . وعن الأواخر أي الأيام الأخيرة ،يورِدُ النبيُ ملاخيا قائلاً حول إعادة ظهور إيليا الغيور إذ يقول:هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ. (ملاخي4: 4).وأما يسوع فقد أجاب تلاميذهُ عندما سألوهُ قائلين: «لِمَاذَا يَقُولُ الْكَتَبَةُ: إِنَّ إِيلِيَّا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلًا؟ فقال لهم إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَوَّلًا وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْءٍ(متى 17: 10).

     ولنتنبهُ هنا إلى تفسيرِ آباءِ الكنيسة العِظام، إذ أن الربَّ يتحدثُ هنا عن مجيئه الثاني الرهيب، والذي سيكونُ فيهِ إيليا النبيُ سابقاً لمجيئهِ الثاني الرهيب. ويكمِلُ الربَّ قولهُ:  وَلكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ(متى 17: 12) إذ أن إيليا في المرة الثانية هنا لقول الرب ” هو يوحنا المعمدان السابق” الذي جاءَ قبلَ مجيء ربنا يسوع المسيح، فإن يوحنا السابق والمعمدان كان مشابهاً للنبي إيليا في كثير من الأمور لهذا فإن الكتاب المقدس يسمي يوحنا المعمدان أنه يَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ( لوقا 1 :17 ) وربما يتسألُ أحدٌ ما قائلاً، ما المقصود هنا بروح وقوة إيليا؟

    لهذا فإن زيغافينوس وأوريجانوس يفسران أقوال الرب هذه قائلين: إن الكتاب المقدس يسمي الموهبة النبوية بالروح وأما القوة فبالفعل، ويقولان بأن الروح والقوة التي لإيليا النبي سيحوز عليها “القديس النبي يوحنا المعمدان”.

   ختاماً فنحن الذين بشوقٍ نكرم تذكار النبي القديس إيليا مع المرنم نهتف ونقول: امنح شعبكَ بشفاعات الفائقة البركة والدة الإله الدائمة البتولية مريم وبتضرعات نبيّكَ القديس المجيد إيليا التسبيّ أيها الرب المُتحنن غفران الخطايا وعظيم الرحمة.

آمين

مكتب السكرتارية العامة