البطريركية الأورشليمية تحتفل بعيد تجلي ربنا ومخلصنا يسوع المسيح

إحتفلت البطريركية الأورشليمية يوم السبت الموافق 19 آب 2023 (6 آب شرقي) بعيد تجلي ربنا ومخلصنا يسوع المسيح على جبل طابور.

وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ. وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ. فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: «يَا رَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ». وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلًا: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا». متى الإصحاح 17 عدد 1-5.
 
السيد المسيح بتجليه أظهر لتلاميذه مجد قيامته، لتقويتهم وتعزيتهم في وقت الآلام، ولإظهار جمال الإنسان الأصلي قبل السقوط، وبهذا المجد أي مجد المسيح المخلص يستطيع الإنسان أن يتجدد. وكما أوضح آباء الكنيسة  فقد أخفى طبيعته البشرية وكشف للتلاميذ بقدر ما يستطيعون عن مجد طبيعته الإلهية.
 
 إحتُفل بهذا العيد السيّدي في دير جبل طابور حيث ترأس صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث خدمة القداس الإلهي المسائية من منتصف الليل حتى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل يشاركه سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس، سيادة المتروبوليت ثيوذوسيوس من بطريركية رومانيا, سيادة المتروبوليت نيقولاوس من بطريركية جورجيا, سيادة رئيس أساقفة قطر كيريوس مكاريوس، عدد كبير من آباء من أخوية القبر المقدس ومن منطقة الجليل, آباء من كنائس أورثوذكسية شقيقة. ورتلت الصلاة باللغة اليونانية من قبل السيد أنجيلوس جيانوبولوس والأب جوارجيوس من مطرانية إيليا, وباللغة العربية من قبل جوقة المغبوط الراحل قدس الأرشمندريت فيلوثيوس البيزنطية. وحضر قداس العيد عدد كبير من المصلين من البلاد وحجاج من مختلف الدول الأرثوذكسية الذين  إضطروا لصعود الجبل سيرًا على الأقدام بسبب الإجراءات التقييدية غير المقبولة من قبل الشرطة الإسرائيلية.
 
كما وأقيمت خدمة القداس الإلهي صباحاً في كنيسة التجلي ترأسها سيادة متروبوليت الناصرة كيريوس كيرياكوس يشاركة آباء من أخوية القبر المقدس وآباء من منطقة الجليل, بحضور عدد كبير من المصلين، هذه الكنيسة الجميلة التي قام بترميمها بالكامل قدس الأرشمندريت أيلاريون الرئيس الروحي لدير التجلي في جبل طابور.
 
إحتفل بهذا الحدث أيضاً في كنيسة التجلي في مدينة رام الله حيث ترأس القداس الإلهي سيادة رئيس أساقفة كيرياكوبوليس كيريوس خريستوفوروس يشاركه كهنة الرعية، وبمشاركة عدد كبير من المصلين.
 
في دير مزار قبر السيدة العذراء المقدس في الجثسمانية ترأس سيادة متروبوليت كابيتولياذا كيريوس أيسيخيوس خدمة القداس الإلهي يإستضافة الرئيس الروحي لدير الجثسمانية سيادة المطران يواكيم، بحضور القنصل اليوناني العام السيد فليوراس وعدد من الرهبان والراهبات ومصلين من المدينة المقدسة وزوار من الخارج.
 

 كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد تجلي ربنا ومخلصنا يسوع المسيح على جبل طابور 

كلمة البطريرك تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

يهتف مرنم الكنيسة قائلاً: لَـمَّا تَجَلَّيْتَ أَيُّهَا الـمَسِيحُ الإِلَهُ عَلَى الجَبَلِ أَظْهَرْتَ مَجْدَكَ لِلتَّلامِيذِ حَسْبَمَا اسْتَطَاعُوا. فَأَشْرِقْ لَنَا نَحْنُ الخَطَأَةَ نُورَكَ الأَزَلِيَّ، بِشَفَاعَاتِ وَالِدَةِ الإِلَهِ، يَا مَانِحَ النُّورِ الـمَجْدُ لَكَ.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

أيها المسيحيون والزوار الأتقياء

    إن النعمة الإلهية لإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح قد جمعتنا اليوم في هذا المكان المقدس جبل ثابور لكي بشكرٍ نُعيّد لتجليهِ سامعين لدعوة المرنم الذي يقول: هلمّوا نصعد إلى جبل الرب، وإلى بيت إلهنا، لنعاين مجد تجلّيه كمجد وحيدٍ من الآب، ونستمدُّ نوراً بنوره. وإذ نرتقي بالروح، نسبِّح على مدى الدهور، الثالوث المتساوي الجوهر.

    إن حدث تجلي مخلصنا المسيح يشكل حدثاً ،تم فيه الكشف عن عمق واتساع عظمة سر التدبير الإلهي، سر خلاص الإنسان،السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ فِي اللهِ.(أفسس 3: 9)

    إن عظمة سر التقوى (1تيم 3: 16) هو ظهور المسيح بالجسد، كما يكرز الرسول بولس الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِلكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِوَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ(فيبليب 2: 5-7 ).

    إن اعتراف القديس الرسول بولس هذا يؤكد عليه بدقةٍ ناظم تسابيح الكنيسة، ويفسر بوضوحٍ السبب الذي لأجله صار تجلي المسيح إذ يقول: لقد تجلَّيت أيها المسيح الإله على الجبل، فعاين تلاميذك مجدك بحسب ما استطاعوا. حتى أنهم لما أبصروك مصلوبا أدركوا أن موتك طوعيُّ باختيارك. وكرزوا للعالم بأنك أنت شعاع الآب حقاً.

    وبكلام آخر عند تجلي الرب على هذا الجبل العالي، جبل ثابور، قد تم الكشف فيه عن اقتران الناسوت باللاهوت في أقنومه. أي اتحاد الطبيعتين (الإلهية والبشرية) في شخص المسيح والكشف أيضاً عن مجد الله، أي شعاع الله الآب. إن الشعاع يعني البهاء أو الإشراق كما يقول المرنم: لما اتَّحدت بالناسوت الطبيعة التي لا تستحيل ،كشفت للرسل عن نور اللاهوت الغير الهيولي المحجوب إذ أشرقت تسطع على منوال يمتنع وصفه. وأيضاً . إنك وأنت كلك إله صرت كلك إنساناً. وقرنت الناسوت بملئ اللاهوت في أقنومك الذي رآه موسى وإيليا بجوهرين على جبل ثابور.

    ويفسر القديس غريغوريوس النيصص أقوال الرسول بولس قائلاً:” إنهُ كما يرتبط الشعاع بالشمس والمصباح بالنور الذي ينبعث منه، هكذا هو النور الذي يشرق من مجد الآب.

     ويستخدم الأب القديس غريغوريوس النيصص مثاله هذا لكي يوضح أن ابن وكلمة الله، هو مساوٍ للآب والروح القدس في الجوهر لذلك فإن النور الذي يُشرق من الآب هو نور الثالوث القدوس غير المخلوق الذي لا يُدنى منه.

    ويقول القديس يوحنا الدمشقي الذي اندهش وتحير من سر التجلي قائلاً: لأن الكلمة صار جسداً والجسد كلمة، ولو أن هذا “الكلمة” لم يخرج عن الطبيعة الإلهية، فيا للمعجزة التي تفوق كل عقل!! فالمجد لم يأتِ إلى الجسد من الخارج بل من الداخل، من ألوهية كلمة الفائقة الألوهية والمتحدة بالجسد بحسب الأقنوم على نحو يتعذر وصفه.

    ومن الجدير بالذكر إنه عند تجلي يسوع في هذا الموضع والمكان المقدس فمن جهة أَضَاءَ وَجْهُ ” يسوع” كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ.(متى 17: 2) ومن الجهة الأخرى إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلًا: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا».(متى 17: 5).

    وبحسب القديس يوحنا الدمشقي إن السحابة التي ظللت يسوع ترمز إلى بهاء ولمعان الروح القدس، إذ يقول :”وظللتهم سحابة منيرة بإشعاع الروح.:” وأما الصوت الذي جاء من السحابة فإن القديس يوحنا الدمشقي يقول:” إن صوت الآب قد خرج من سحابة الروح “القدس” وقال: هذا هو ابني الحبيب. هذا هو إنسانٌ وذو مظهر إنسانيّ. هذا الذي تأنس أمس. هذا الذي في تواضعه قد تحادث معكم والذي قد تلألأ وجهه الآن، وأما عن الوصية والأمر الإلهي فله اسمعوا فيقول “إن من يقبلهُ يقبلني أنا الذي أرسله، أباً له وليس سيداً، فبصفته إنساناً هو مرسل ،ٌ وأما بصفته إلهاً، فيبقى فيّ وأنا فيه. ومن لا يُكّرِمُ ابني الوحيد والحبيب لا يُكرِمُ الآب، أنا الذي أرسله فاسمعوا له. لأن عنده كلام الحياة الأبدية، هذه هي خلاصة ما يحتفل به وهذا هو قوة ومعنى سر التجلي.

    إن هذه القوة أي مجد ربنا يسوع المسيح، مدعوون نحن أيضاً أن نعاينها أيها الإخوة الأحبة، ليس بعيوننا الجسدية بل بالعيون العقلية للذهن الطاهر والقلب النقي طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ.(متى 5: 8) كما يقول الرب. لهذا فنحن مدعوون أيضاً أن نتمثل بتلاميذ المسيح الذين كانت عيونهم مثقلة بالنوم ولكن بعد قليل استيقظوا وعاينوا مجده “فَلَمَّا اسْتَيْقَظُوا رَأَوْا مَجْدَهُ، وَالرَّجُلَيْنِ الْوَاقِفَيْنِ مَعَهُ.(لوقا 9: 32).

فلنطرح نحن عنا أيها الإخوة الأحبة ثقل نوم الضجر ولننهض بنشاطٍ مع المرنم هاتفين: فاشرق لنا نحن الخطأة بنورك الأزلي بشفاعات والدة الإله يا مانح النور المجد لك.

كل عام وأنتم بألف خير

 

مكتب السكرتارية العامة