احتفالات لمدة ثلاثة أيام في دير القديس سابا المقدس

من يوم الأحد الموافق 17 كانون الأول لغاية يوم الثلاثاء 19 كانون الأول 2023 (4-6 كانون الأول شرقي)، أقيمت الاحتفالات بدير القديس سابا المقدس. هذا الدير التاريخي يقع في  في صحراء يهوذا على الطريق المؤدي إلى البحر الميت.

هذه اللافرا (وتعني مجموعة أديرة مع دير مركزي) أسسها القديس سابا كدير للرهبان المتنسكين. جاء القديس إلى الأراضي المقدسة من موتالاسكي بكبادوكيا سنة 456م، وتتلمذ لمدة عشرين سنة على يد القديسين ثيوكتيستوس وأوثيميوس الكبير.

وفي هذه اللافرا وجه القديس آلاف الرهبان إلى الحياة والخلاص في المسيح. وتميز بأنه راعي الحياة الرهبانية، ومع مواطنه القديس ثيودوسيوس، أيّدا بثبات عقيدة طبيعتي المسيح في المجمع المسكوني الرابع في خلقيدونية سنة 451م. وفي الديريوجد جسد القديس سابا المقدس غير المنحل والذي  تم إعادته من البندقية في عام 1965. كانت لافرا القديس سابا وما زالت نموذجاً للحياة الرهبانية التنسكية ، والتيبيكون الكنسي للدير يُستخدم في جميع الكنائس الأرثوذكسية حتى يومنا هذا.

وبمناسبة الاحتفالات في الدير حضرهذا العام صاحب السيادة متروبوليت هيلينوبوليس كيريوس يواكيم  إلى اللافرا ليترأس الإحتفال بعيد القديس يوحنا الدمشقي والقديسة العظيمة في الشهداء بربارة  في كنيسة القديس يوحنا الدمشقي يوم الأحد الموافق 17  كانون الأول (4 كانون أول شرقي).

العيد الرئيسي للدير وهو عيد القديس سابا المقدس يوم الاثنين 18/5 كاون الأول 2023، ترأس خدمة صلاة السهرانية صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث، يشترك في الاحتفال يشاركه  أصحاب السيادة كيريوس أرسترخوس رئيس أساقفة قسطنطيني، كيريوس يواكيم متروبوليت هيلينوبوليس، آباء أخوية القبر المقدس، آباء من منطقتي بيت لحم والجليل. قاد الترتيل باللغة اليونانية الشماس المتوحد الأب سيميون يشاركه رهبان الدير، وجوقة بيزنطية من بيت لحم باللغة العربية. كما وحضر الخدمة مؤمنون محليون من آبناء الرعية الأورثوذكسية.

بعد السهرانية أقيمت مائدة رهبانية في الدير.

بعد مباركة الرئيس الروحي للدير قدس الأرشمندريت إفذوكيموس ورهبان الدير رجع غبطة البطريرك الى المدينة المقدسة شاكراً الرب الإله على خدمة السهرانية المقدسة.

كما وتم الاحتفال بعيد القديس سابا في الكنيسة المكرسة على إسمه داخل دير رؤساء الملائكة في البلدة القديمة في القدس حيث ترأس القداس الإلهي قدس الأرشمندريت كلافذيوس وقدس الأب نكتاريوس بحضور عدد من الراهبات والمؤمنين.

كذلك تم الاحتفال بعيد القديسة العظيمة في الشهداء بربارة  في الكنيسة المكرسة على إسمها الموجودة داخل دير القديس نيقولاوس المقدس بجانب البطريركية، حيث ترأس خدمة القداس الإلهي صباح يوم الأحد قدس الأرشمندريت كلافديوس يشاركه مشرف الدير المتقدم في الشمامسة الأب ماركوس الذي يواصل تجديد الكنيسة.

بمناسية عيد القديس نيقولاوس أسقف ميرا ليكيا يوم الثلاثاء 19/6 كانون الأول 2023 أقيمت خدمة القداس الإلهي في الكنيسة المكرسة على أسمه وهي أول كنيسة في اللافرا وتسمى الكنيسة “التي بناها الله” حسب القديس كيرلس سكيثوبوليس، ترأسها سيادة متروبوليت هيلينوبوليس كيريس يواكيم، بحضور عدد من المؤمنين. بعد القداس الإلهي أقيم  صلاة النياحة راحة لنفوس آباء اللافرا الراقدين بالرب، أمام قبر القديس سابا وفي المقبرة.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس سابا المتقدس في لافرا القديس سابا 18-12-2023

كلمة البطريرك تعريب قدس الأب الإيكونومس يوسف الهوذلي

تَقدمَت فرأيْتَ اَلرَّب أَمامِي فِي كُلِّ حِين، لِأَنه عن يَمينِي كيْ لَا أَتَزعزَع مِن أَجْل هذَا فرح قَلبِي، وَتَهلَّل لِساني؛ وأيْضًا جَسدِي يَسكُن على الرَّجَاء لِأَنك لَا تَترُك نَفسِي فِي اَلجحِيم. ولَا تدع صفَّيْك يرى فسادًا. (مز 15: 8 – 10) هذا ما يقوله المزمور.

أَيهَا الآبَاء الإجْلاء والْإخْوة المحْبوبون فِي المسِيح،

أَيهَا المسيحيُّون الزُّوَّار الأتْقياء،

إنَّ أَبِينَا اَلْبار سَابَا اَلذِي صار أَدَّاةً لِلرُّوح اَلقُدس قد جمَّعنَا اليوْم هَهُنَا فِي هَذِه اللَّافْرَا المباركة لِكيْ نُكرِّم تِذكار عِيده اَلمُوقر. إنَّ أَبِينَا المتوشِّح سَابَا قد اِسْتبَان مُعَادِل الملائكة ومساكن الأبْرار وَالذِي ذاع صِيتُ النِّعْمة الإلهيَّة الممْنوحة لَه مِن اَللَّه وكداود آخر كان يَصرُخ قائلاً: تَقدمت فرأيْت اَلرَّب أَمامِي فِي كُلِّ حِين ، لِأَنه عن يَمينِي كيْ لَا أَتَزعزَع ( مز 15 : 8 ) وَبِحسَب كَاتِب سِيرة حَياتِه كِيرْلس سكيثوبوليتس إِنَّ أَبِينَا اَلْبار سَابَا ، كان مُخْتاراً مِن قَبْل الإله مِن اَلرحِم ومعْروف لِلَّه قَبْل أن يُجبَل ” فِي أَحشَاء والدَته، كالْقدِّيس اَلنبِي أِرْميَا فكانتْ كَلمَة اَلرَّب إِلي يَقُول أِرْميَا : ” قبْلمَا صُورتك فِي البطْن عرفتْك ، وَقَبلمَا خَرجَت مِن اَلرحِم قدَّستك. جعلتْك نبيًّا لِلشُّعوب ” (أر 1: 4)

اِجْتَاز الشَّابُّ القدِّيس سَابَا فِي دَعوَتِه الإلهيَّة، جميع دَرَجات سُلَّم فَضائِل القدِّيسين والصَّالحين والْأبْرار المخْلصين لِلَّه، لِيصْبح أحد أَعضَاء السِّيرة الرَّهْبانيَّة عندَ كبار مُعَلمِي صَحْراء فِلسْطِين أَمثَال ثِيوذوسيوس وثيوكْتيسْتوس وأفتيميوس اَلكبِير وَآخرِين. لَقد كان النَّاسك سَابَا بَيْن المميَّزين، سَاكنِي الصَّحْراء، سامعًا على الدَّوَام لِقَول المزْمور أَمَّا رَحمَة اَلرَّب فَإلَى الدَّهْر والْأَبد على خَائفِيه، وعدْله على بَنِي اَلبنِين الحافظيْ عَهدُه والذَّاكري وصايَاه لِيعْملوا بِهَا. (مز 102: 17 – 18)

حَافَظ اَلأَب اَلعجِيب سَابَا على وصايَا اَلرَّب بِالْقَوْل وَالفِعل فَالذِين هُم لِلْمسِيح قد صَلبُوا الجسد مع الأهْواء والشَّهوات مِن جِهة، وَمِن اَلجِهة اَلأُخرى نجح مِن خِلَال الفضائل التي أَخذَها مِن اَلرَّب أن يَسكُن فِي دِيَار اَللَّه السَّماويَّة كقوْل المزْمور ” طُوبَى لِلَّذي تخْتاره وَتَقربَه لِيسْكن فِي دِيارك (مز 64: 5) وأنَّ نَفْس قِدِّيس اَللَّه لَم تَترُك فِي اَلجحِيم أيْ فِي القبْر ولم تر فسادًا.

وَهذَا هُو السَّبب لِماذَا يُدعَى أَبِينَا اَلْبار سَابَا المتوشِّح بِاللَّه بَيْن قِدِّيسي وأبْرَار اَللَّه بالْمتقدس وَذلِك لِأَنه مَارَس واخْتَبر شَتَّى أَنوَاع النُّسك مجْتَرحاً العجائب العظَام مُجاهِداً بِصَبر عظيم فاق أقران عصره، والشَّاهد الصَّادق على هذَا هُو رُفَاته المقدَّسة غَيْر الباليه المُفيضةِ لِلطَّيِّب، الموْضوعة أَمَام نَاظِر أَعينِنا، كَامِلة فِي ناووسهَا.

وَإذَا نظرْنَا فِي رُفَات وَبَقايَا جسد القدِّيس سَابَا المتقدِّس فَإِننَا نُعَايِن الإنْسان اَلجدِيد. اَلذِي لَبِس اَلمسِيح. هذَا الإنْسان اَلجدِيد هُو الخليقة الجديدة وَالذِي أُبدَع وَجبَل بِحَسب مَشِيئَة اَللَّه، وَذلِك لِكيْ نسير ونحْضر بِالْبرِّ والْعَدْل بَيْن النَّاس مكرسينَ أَنفسِنا لِلَّه بِالْفضائل اَلتِي هِي ثمر الحقيقة الإنْجيليَّة كمَا يَقُول الرَّسول بُولُس: “وتلْبسوا الإنْسان اَلجدِيد المخْلوق بِحَسب اَللَّه فِي اَلبَر وَقَداسَة اَلحَق. (إِف 4: 24)

ويفسِّر زِيغافينوس أَقوَال القدِّيس الرَّسول بُولُس هَذِه قائلا: إِنَّ الحيَاة الفاسدة وَحَياة الرَّذيلة خُلِقَت بِحَسب الشَّيْطان وَأمَّا حَيَّاةُ الفضيلة وَحَياة اَلبَر والتَّقْوى اَلتِي بِحَسب اَللَّه فَهِي تِلْك اَلتِي شرّعهَا اَللَّه وأوضِّحهَا. وبمعْنًى آخر أنَّ فِقْدَان صورة اَللَّه بِداخلنَا كان نَتِيجَة خطَّيْئة الإنْسان السَّاقط وَبُؤسَه وشقائه. وَلكِن عِنْدمَا نَلبَس الإنْسان اَلجدِيد فَإِننَا نَستعِيدُ بِداخلنَا الصُّورة الإلهيَّة اَلتِي فقدْناهَا، واسْتعادة هذه الصورة الإلهية يُشكِّلُ الجمَال الإلَهيُّ لِلنَّفْس وَمجدِ وبرِّ الإنْسان اَلجدِيد.

وَمِن اَلجدِير بِالذِّكْر أنَّ قُوَّة الرُّوح اَلقُدس المنيرة اَلتِي شَملَت وَأَنارَت أَبِينَا البار سابَا قد اِمْتدَّتْ إِلى أَقاصِي المسْكونة لِهَذا فَإِن القدِّيس سَابا يُعرَف بِأَنه رَسُولٌ وكارزٌ بِحقيقةِ الإنْجيل كمَا يَكرِز الرَّسول بُولُس اَلذِي يَستشْهِد بقَوْل المزْمور القائل: لاَ قَوْلَ وَلاَ كَلاَمَ. لاَ يُسْمَعُ صَوْتُهُمْ. فِي كُلِّ الأَرْضِ خَرَجَ مَنْطِقُهُمْ، وَإِلَى أَقْصَى الْمَسْكُونَةِ كَلِمَاتُهُمْ (مز 18: 5-4)

وعدا عن هذَا فَإِن كاتِبُ سِيرته كِيرْلس يُؤكِّد قائلاً:” إِنَّه الملَاك اَلأرْضِي والْإنْسان السَّماويُّ اَلحكِيم والْعارف اَلدقِيق بِالْحقِّ الإلَهيِّ، حَامِي الأرْثوذكْسيَّة وَدَيان الضَّلالة، اَلذِي ظهر مُديرًا حكيمًا وأمينًا مُضاعَفا لَلْوزْنات، ومتشدِّدًا بِالْقوَّة مِن اَلعَلِي بِإرادة اَللَّه الآب ورضاه ومساندة اَلمسِيح وإلْهَام الرُّوح اَلقُدس، لَقد شاد سَبعَة أَديَار كَبِيرَة ومشْهورة.

إِنَّ كنيستنَا الأرْثوذكْسيَّة وبالْأخصِّ كَنِيسَة أُورْشليم المقدَّسة تُكرِّم اليوْم بِامْتياز أَبِينَا اَلْبار سابَّا المتقدِّس المتوشِّح بِاللَّه لَيْس كَبارٍ قطْنَ الصَّحْراء فقط، بل كمجاهدٍ لِسرّ التَّقْوى مُتضرِّعين إِلَيه بِمَا لَه مِن الدَّالَّة لَدى اَللَّه مع توسُّلَات الفائقة البركات المجيدة سيِّدتنَا والدة الإله الدَّائمة البتوليَّه مَريَم أن يَمنَح السَّلامة لِنفوسنَا ولمنْطقتنَا الممْتحنة بِشَتى أَنوَاع التَّجارب وللْعالم أَجمَع عظيم الرَّحْمة وأن يُؤَهلنَا أن نُعيد لِميلَاد إلهنَا ومخلِّصنَا يَسُوع اَلمسِيح فِي بَيْت لَحْم.

آمين

كل عام وأنتم بألف خير

مكتب السكرتارية العامة