المغبوط الأرشمندريت أنطونيوس الرئيس الروحي لدير الخوزيفا (+1993)

المغبوط الأرشمندريت أنطونيوس (†1993) الرئيس الروحي لدير الخوزيفا

يصادف هذا العام مرور ثلاثين عامًا على الوفاة المفاجئة والمأساوية للمغبوط قدس الأرشمندريت أنطونيوس رئيس دير لافرا خوزيفا المقدس التاريخي. ولد الأب أنطونيوس يوسيفيديس من قرية أفليس صربيون في كوزاني عام 1958 وسمي بإسم أبوستولوس. هو الابن الثالث لأبوين تقيين، طفل قلق بالنفس لكنه ديناميكي وجريء لا يعرف الخوف. نال بركة بأن والديه الصالحين علماه الإيمان المستقيم، وعندما انتقلا إلى مدينة تسالونيكي عام 1966، أرسلاة الى المركز الروحي الرعوي ليقوده إلى التعليم المسيحي، عمل المغبوط الأب ألكسندروس كالباكيديس الذي فيما بعد أصبح مطران ستافروبيجيو على نفسيته وروح طفولته! كتب الأب أنطونيوس نفسه:

” أشفق عليّ الرب الرحيم، الذي لا يريد موت الخاطئ، وقد حماني، وها هنا يا شيخي المعجزة الكبرى، لأنني الآن أنظر خلفي بفكر واضح وأظل كسمكة عاجزة عن الكلام. الآن أفهم حماية الله لي، والآن أرى وأقول إنني عرفت المسيح من خلالك، المسيح تكلم فيّ بصوتك، بموعظتك، وكانت حياتك قدوة لي. …. لقد حفرت في روحي عميقًا جدًا منذ أن كنت صغيرًا وزرعت كلمة الإنجيل التي بمرور الوقت مع وعظك أصبحت طبيعة ثانية وعندما أردت أن أفعل شيئًا جيدًا أو سيئًا كنت أزنه بالإنجيل، حيث حماني من ذنوب كثيرة كبيرة.” 1

وعلى إثر دعوة قلبه وميله، توجه بخطواته إلى دير القديس سابا المقدس سنة 1985 حيث كان عمره 27 عاماً. كراهبٍ في الديرتميز بالطاعة، ونكران الذات، ولكن أيضاً بالاحترام والتواضع والمحبة للجميع. حصل على الدرجة الأولى من الكهنوت في عهد البطريرك الأورشليمي المغبوط ذيوذوروس في كانون الأول عام 1985 في يوم عيد اللافرا المقدسة، وبعد سنة بالضبط حصل على الدرجة الثانية من الكهنوت. في عام 1990 عُين كاهنًا في بيت ساحور – قرية الرعاة – حيث نال محبة وتقدير الرعية الأورثوذكسية الناطقة بالعربية بأكملها. وفي نفس العام أظهر طاعة شديدة للبطريرك ذيوذوروس وانتقل بأمر البطريرك إلى لافرا ديرخوزيفا التاريخية بسبب شغور منصب رئاسة الدير. بذل قصارى جهده لمدة ثلاث سنوات في إعادة تنظيم الدير ماديًا وروحيًا. اهتم بتجديد البنية التحتية وصيانة الموجود منها وإعادة بناء قلايات الدير الرهبانية. لكن الأمر الأكثر أهمية هو أنه شرع في إنشاء برنامج رهباني وحفظه بأمانة: احتفال يومي بالقداس الإلهي وجميع الخدمات الكنسية على مدار الأربع والعشرين ساعة حسب النظام الكنسي الرهباني. ولانه كان مثالا صالحاً  لمن كان يعيش في الدير في ذلك الوقت، اقتنع الجميع باتباعه!

لقد انقطع خيط حياته الأرضية في وقت مبكر، لأنه كان ينتمي إلى أولئك “الَّذِينَ اِفْتَدُوا مِنْ الأَرْضِ” (رؤيا 14، 3). في 27 كانون الأول عام 1993 (14 كانون الأول شرقي)، بعد انتهاء خدمة القداس الإلهي، وأثناء العمل اليدوي في الدير، “…فجأة… دوي يصم الآذان… يا إلهي، ما هو الارتطام الرهيب… ضجيج عالٍ، وكأن شيئًا قد انهار”. سحابة من الغبار… وبقفزة خاطفة يندفع ابنه الروحي (الأب جرمانوس) إلى الغرفة، لقد انهار الجدار، أو بالأحرى انفصل جزء من الصخر وسحق الجيروندا أنطونيوس (الشيخ)، وترك رأسه سليمًا! … الأب أنطونيوس في كامل وعيه ويتكلم! …بدون تردد للحظة {الأب. جرمانوس}، أو بسبب حجم ووزن صخور الجرانيت، يبدأ في الإمساك بها واحدة تلو الأخرى ورميها بيديه بجهد كبير لتحرير المصاب. وعندما ينجح، يلتقطه بعناية ويحمله بلطف قدر استطاعته إلى السرير. لا يرى أي علامات لإصابة خارجية، لكن الجيروندا أنطونيوس بصعوبة يكرر:

” يؤلمني… يؤلمني… في ظهري…”

لقد بدأ الأب جرمانوس يخاف حقًا الآن! ربما للمرة الأولى والأخيرة في حياته يختبر الرجل ذو القلب الأسدي، ما يعنيه “الخوف”!… لاحقاً، في التاكسي، يمسكه بقوة، ولكن بحذر حتى لا يؤذيه ويخاف جرمانوس. ! إنه خائف جدًا الآن لأنه يسمع شيئًا مثل التنفس الثقيل وتنفس الجيروندا انطونيوس يجعل الأمر صعبًا… صعبًا… يزداد ثقل تنفسه أكثر واكثر… حتى توقف تمامًا……!” 2

وكما يقول القديس غريغوريوس النيصي في خطبة جنازة القديس ملاتيوس الأنطاكي: لبس الأب أنطونيوس ” تزين في السماء بثياب طهارة حياته”.

حقًا إن الأخ الحبيب والأب أنطونيوس موجود بيننا بالروح! إن قيمَه ومبادئه، وكيف عاش، وطاعته التي لا مثيل لها، وغربته الرهبانية، وديناميكيته وعفويته، هي “مصباح في طريقنا”. في الصعوبات التي نواجهها نستحضر رغبته، ونحاول أن نفكر ماذا سيفعل، وكيف سيجيب، وكيف سيكون رد فعله… شجاعته تحركنا، ومحبته للقريب، وقلبه الرحيم يدفعنا إلى الاقتداء به. نُسكه يعلّمنا… زهده الرهباني يرشدنا… التفاؤل والمحبة الإلهية المتدفقة في حياته، تغمرنا مع فرح وانتظار القيامة الراقدين!…

“بيننا”

“يبدو الأمر كما لو أنه أغلق علينا في في ساعات الفجر الأولى

نزلنا من الكنيسة إلى الحديقة،

عند قبر الأب أنطونيوس

كل واحد مننا يحمل شمعه في يده.

وكان الطريق للأسفل…

لقد نزلنا حزينين، ولكن ليس يائسين.

وكان بيننا الأب أنطونيوس

أكثر حضورا من الحاضرين.

ولم يكن للموت سلطان عليه” 3

فليكن ذكره مؤبداً

المصادر:

1, 2 كتاب شخصيات دير خوزرفا للأرشمندريت قسطنطين الخوزيفي 2020

3 من الخطبة التأبينية التي القاها السكرتير العام للبطريركية سيادة المطران أريسترخوس في ذكرانية الأربعين للأب أنطونيوس