الإحتفال بأحد المخلع في البطريركية

 إحتفلت البطريركية الأورشليمية يوم الأحد الموافق 27 أيار 2024 (14 أيار شرقي) بالأحد المعروف بأحد المُخلع حيث تقيم الكنيسة تذكار معجزة شفاء المُخلع عند بركة بيت حسدا, ”وَبَعْدَ هذَا كَانَ عِيدٌ لِلْيَهُودِ، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ. فِي هذِهِ كَانَ مُضْطَجِعًا جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ. لأَنَّ مَلاَكًا كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَانًا فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلًا بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً. هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعًا، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَانًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟» أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ».” يو الإصحاح 5 عدد 1-8.

تم الإحتفال بهذا اليوم المبارك في بلدة الرينة قضاء الناصرة.

بعد إستقبال صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث والوفد البطريركي من قبل فرق الكشافة والآباء الكهنة وأبناء الرعية, ترأس غبطة البطريرك خدمة القداس الإلهي الإحتفالي في كنيسة القديس جوارجيوس شاركه سيادة متروبوليت الناصرة كيريوس كيرياكوس, سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني أريسترخوس, سيادة رئيس أساقفة مادبا كيريوس أريستوفولوس, آباء أخوية القبر المقدس, قدس الأب سمعان بجالي راعي الكنيسة في الرينة, وآباء من مطرانية الناصرة والجالية الروسية.

على مائدة المحبة بعد القداس الإلهي قدّم صاحب الغبطة لأبناء الرعية ايقونة والدة الإله الفائق قدسها, بعدها قام غبطة البطريرك بتكريس مقر الرعية الجديد “مقر الروم” الذي بُني على قطعة أرض قامت البطريركية بشرائها.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في مدينة الرينة 

كلمة البطريرك تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

يهتفُ مرنم الكنيسة قائلاً:” في اسطوان سليمان كان مرضى كثيرون مطروحين، وأما المسيح فإنه وجد هناك في انتصاف العيد مُخلعاً طريحاً منذ ثمانٍ وثلاثين سنة، فهتف نحوه بنغمة سيدية: أتؤثر أن تصير صحيحاً؟ فأجاب السقيم: يا ربُّ ليس لي إنسان لكي إذا تحرَّك الماء يُلقيني في البِركة، فقال له الربُّ: ارفعْ سريرك وانظرْ إنكَ قد صرتَ معافى فلا تعد تُخطئ..

أيها الإخوة المحبوبون بالمسيح،

أيها المسيحيون الأتقياء،

إن الشافي الأمراض والداحض الآلام إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، قد جمعنا اليوم في الأحد الرابع من الفصح في هذه الكنيسة الجميلة لرعيتنا الرومية الأرثوذكسية الجديرة بكل مديح في مدينة الرينة لكي بشكر نعيّد لأعجوبة شفاء الإنسان المخلع التي ذكرها القديس البشير يوحنا الإنجيلي.

نميزُ في قراءة إنجيل اليوم بين أمرين: الأول وهو الإنسان المخلع الذي كان مريضاً لمدة ثمانية وثلاثون سنة يتأمل ويرجو شفاءه بقوة الله لأَنَّ مَلاَكًا كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَانًا فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلًا بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ. (يوحنا 5: 4) كما يقول الإنجيلي يوحنا. والأمرُ الثاني: هو حضور المسيح عند موضع البركة الغنميّة قائلاً للإنسان المخلع:” أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟ »أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ ».قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ. (يوحنا 5: 6-8).

وبحسب آباء الكنيسة فإن المسيح قد اختار هذا الإنسان المخلع تحديداً بين مرضى كثيرين وذلك لكي يوضح أن الإنسان بشكل عامٍ مصابٌ بجرحٍ عظيمٍ من جهةٍ، ومن الجهة الأخرى أن المسيح ابن وكلمة الله هو بدون شك، الطبيب الشافي المثالي والفريد لجرح الإنسان النفسي والجسدي كما يوضح القديس كيرلس الإسكندري قائلاً: حيثما يظهر يسوع المخلص، هناك يكون أيضاً الخلاص. إذا رأى متى العشار جالساً عند مكان الجباية لا يجعله تلميذا فحسب بل رسولاً ومبشراً أيضاً، وإذا كان مدفوناً بين الموتى يقيمهُ، يعطي البصر والضوء للعميان والسمع للصم. عندما يمشي حول البركة، لا يفعل ذلك لكي يُعاين البنايات بل لكي يشفي المرضى.

وكون الإنسان مصابٌ “بجرحٍ عظيمٍ” أي مريضٌ بالنفس والجسد فإن ربنا يسوع المسيح هو طبيب الإنسان كما يشهد بذلك صاحب المزمور قائلاً: باركي يا نفسي بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ. الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ. (مزمور 102: 1 و3). وبكلام آخر إن الرب يغفر ويشفي ليس فقط الفساد والشر الأخلاقي الذي هو الخطيئة بل أيضاً الفساد والشر الطبيعي الذي هو المرض.

لقد أمر يسوع المسيح المخلع قائلاً له: قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ (يوحنا5: 8) ويفسر القديس يوحنا الذهبي الفم قول الرب هذا:” إنّ المسيح لم يقلْ لهُ فقط من أجل أن ينهض بل قد أمره بأن ينهض وأن يحمل سريره حتى إن الذين ينظرون إليه يؤكدون أن ما حصل هو معجزة حقيقية وليس خداعاً أو غشاً. وأما القديس كيرلس الإسكندري فيقول:” لله الأمر، وهو يملك البرهان على القوة والسلطان على الإنسان. لأن يسوع لا يصلي لأجل أن يتحرّر المريض من سقمه، وإلا ظهر كأنه واحد من الأنبياء القديسين، بل هو كرب القوات يأمر بسلطان أن يكون هكذا.

حقاً إن المعجزة الحقيقية أي شفاء المخلع لم تكن خيالاً أو تمثيلاً لأن المسيح قد اجترح هذه المعجزة كرب القوات يأمر بسلطان ليس كأحد الأنبياء، فإن هذه هي الحقيقة بالذات أن يسوع المسيح هو مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ، الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ. (1تي 6: 15-16) كما يقول الرسول بولس.

إن هذه الحقيقة تكرز وتعترف بها بقوة كنيسة المسيح المقدسة في هذا الوقت الحاضر الذي هو عيد الأعياد وموسم المواسم أي “الفصح المجيد أي قيامة مخلصنا المسيح” “المسيح فصح جديد وذبيحة حية .حمل الله الرافع خطيئة العالم”. كما يقول مرنم الكنيسة.

وبعْدَ ذلِكَ وَجَدَ يَسُوعُ “المخلع” فِي الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ”هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلاَ تُخْطِئْ أَيْضًا، لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ (يوحنا 5: 14) ويفسر القديس كيرلس الإسكندري أقوال الرب يسوع إذ يقول: يعلّم يسوع بهذه الأقوال بأن الله ليس فقط يدخر تعديات الإنسان ليوم الدينونة العتيدة بل بالأكثر يوبخ الذين لا يزالون يعيشون في الجسد، قبل ظهور يوم الرب العظيم الذي به سيدين به الجميع. لكننا حينما نعثر ونُحزِنُ الله فإننا كثيراً ما نُصاب بأذى شديد وهذا ما يشهد له الحكيم بولس صارخاً. مِنْ أَجْلِ هذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى، وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ. لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا، وَلكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا، نُؤَدَّبُ مِنَ الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ الْعَالَمِ. (1كور 11: 30-32).

بحديث المسيح هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلاَ تُخْطِئْ أَيْضًا (يوحنا 5: 14) فإن يسوع يحذر المخلع الذي شُفي وصار معافاً من الخطر العظيم الذي هو الكبوة والانتكاسة أي الرجوع والعودة إلى

الحياة الخاطئة أو بالأحرى إعادة وتكرار الخطيئة التي جلبت الشلل والكساح النفسي والجسدي.

إن الخطايا أيها الإخوة الأحبة تُغفر إذا كانت التوبة صحيحةٌ وصادقةٌ لإن “القلب المنكسر المتواضع لا يرذله الله. (مزمور 50: 19) كما يقول المرنم. ولكن تبقى سمات وعلامات الخطيئة في النفس كما تبقى أيضاً في الجسد بعد شفاء الجروح، كما يقول أب الكنيسة العظيم القديس أثناسيوس:”إن التائب يتوقف عن عمل الخطيئة ولكن تبقى ندبات وآثار جروح الخطيئة ظاهرة، لهذا فإن القديس إيسيذوروس البيلوسيوتي يقول: بعد توبتك واعترافك امضي وتقدم بخوف وحذرٍ من الخطيئة لأنه حتى لو شُفيت فإن الندبات أي” آثار جروح الخطيئة” تُظهر أن النفس قد جُرحت من أحد الأهواء.

بمعنى آخر، بعد الانتكاسة والكبوة تصبح النفس قاسية وتصير التوبة أصعب كما يفسر القديس ثيوفيلكتوس قائلاً: إن من لم يُصلح نفسه من العقاب السابق فإنه يقود نفسه إلى جحيمٍ أسوأ باعتباره عديم الإحساس ومُزدرٍ لهذا أيها الإخوة فإننا نتضرع إلى ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي أنهض الموتى منذ الدهر ومع المرنم نهتف ونقول: أيها المسيح كما أنهضت المخلع اشف نفسي المخلعة بالمعاصي وسهل لي السلوك في سبلك المستقيمة.

آمين

المسيح قام…. حقا قام

مكتب السكرتارية العامة

https://www.facebook.com/share/v/oeeCikgi36AsaCdw/