الإحتفال بأحد السامرية في البطريركية
إحتفلت البطريركية الأورشليمية بأحد المرأة السامرية حيث تم نقل العيد ليوم السبت الموافق 1 حزيران 2024 (19 أيار شرقي) في دير بئر يعقوب في مدينة نابلس.
يذكر الإنجيلي يوحنا (إصحاح 4) قصة المرأة السامرية من مدينة سوخار وحوارها مع الرب يسوع عند بئر يعقوب:
كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة آوروشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة أحد السامرية في مدينة نابلس
كلمة البطريرك تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي
يقول الرب «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ). انجيل يوحنا:4: 13-14).
أيها الأخوة المحبوبون بالرب يسوع المسيح:
أيها المسيحيون الزوار الأتقياء:
إن نعمة الروح القدس قد جمعتنا اليوم في هذا المكان والموضع المقدس عند بئر يعقوب رئيس الآباء، لكي نُعيّد لعيد تذكار المرأة السامرية، أي القديسة الشهيدة فوتيني.
وفي حوار يسوع مع المرأة السامرية:” الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ (يوحنا 4: 14). يفسر القديس كيرلس الإسكندري أقوال الرب هذه قائلاً: يجب أن نعرف أيضاً أن المخلص يسمي نعمة الروح القدس بالماء الذي إن ناله أحدٌ صار مساهماً فيه فإنه يأخذ عطية التعليم الإلهي متدفقاً في داخله حتى أنه لا يصبح بحاجة إلى أن يعلمه آخرون بل هو بالحري يحث أولئك الذين يعطشون إلى الأقوال الإلهية والسماوية كما كان يفعل القديسين الأنبياء والرسل وورثتهم في الخدمة الرسولية الليتورجية خلال حياتهم الأرضية. الذي كتب عنه القديس اشعياء النبي قائلاً: فَتَسْتَقُونَ مِيَاهًا بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ الْخَلاَصِ. (اشعياء 12: 3).
ويفسر أيضا القديس كيرلس الإسكندري قول القديس النبي اشعياء قائلاً:” إنه يدعو المياه كلمة الله المحيي، وأما الينابيع فهم الرسل والأناجيل والأنبياء، والخلاص هو المسيح.
حقًا إن الأنبياء والرسل والمبشرين هم الذين كتبوا الكتب المقدسة بقوة الروح القدس المنيرة، إن معرفة الكتب المقدسة، هي التي تغذي الإيمان الخلاصي في المسيح، كما يقول الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ
وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلًا، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ.( 2تيم 3: 15-17)
بمعنى آخر، إن الماء الذي قدّمه المسيح للمرأة السامرية كان عطية روحه القدوس الذي يقود الإنسان ذو القلب النقي والطاهر إلى تألهه، أي إلى الحياة الأبدية. لإن الرب يقول:”طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ.(مت 5: 8)
ومن الجدير بالذكر أنه خلال حوار يسوع مع المرأة السامرية قد علّم من جهةٍ أن: اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا (يوحنا 4: 24) ومن الجهة الأخرى يكشفُ للمرأة السامرية أنه هو المسيح “أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ.” عندما أجابها على تحيّرها” أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ. (يوحنا 4: 25-26) ويفسر القديس ثيوفيلكتوس أقوال الرب هذه قائلاً:” كثيرون يقدمون لله عبادة روحية أي بعقولهم وفكرهم ولكنهم بعيدون كل البعد عن الحقيقة الخلاصية ويقول هذا أب الكنيسة لأن طهارة ونقاوة الحياة واستقامة العقائد يشكلون عبادة الله الحقيقة والحية.
ولنسمع مايقوله القديس كيرلس الإسكندري بهذا الصدد: إن المسيح لا يُعلن ذاته للنفوس الجاهلة جهلاً مطبقاً بل يشرق ويظهر لأولئك الذين هم أكثر استعداداً واشتياقاً للتعلم، وبالرغم من أولئك الذين يتصعبون في بداية إيمانهم بكلمات بسيطة، إلا أنهم ينطلقون إلى معرفة ما هو أكثر كمالاً.
وهذا بالضبط ما يميز هنا المرأة السامرية في الطلب والبحث عن معرفة الإيمان الأكمل، هذا الإيمان الذي يُصَنَّفُ إلى الإيمان البدائي والكامل في نفس الوقت. ويقول القديس كيرلس الاسكندري. بأن المسيح ختم حواره مع المرأة السامرية عِنْدَما جَاءَ تَلاَمِيذُهُ، وَكَانُوا يَتَعَجَّبُونَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ مَعَ امْرَأَةٍ(يو.4: 27 ) ويقول بعد أن كان المسيح قد صمت عن الكلام وضع شرارة الإيمان المتوهجة بين السامريين فإنه قد أودعها مباشرة في داخلهم ومع مرور الوقت تتحول هذه الشعلة إلى لهيب عظيم وهكذا علينا أن نفهم قول الرب: جِئْتُ لأُلْقِيَ نَارًا عَلَى الأَرْضِ، فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ اضْطَرَمَتْ؟ (لوقا 12: 49).
إن هذه الشعلة الإلهية الحارة التي زرعت في قلب المرأة السامرية الطاهر قد أوضح هذه المرأة عظيمة في الشهيدات ومعادلة لرسل المسيح، لهذا فإن كنيستنا المقدسة تكرمها بشكل خاص في بلدها وموطنها كما يقول المرنم. أيها المخلص القادر على كل شيء المنبع ماء للعبرانيين من صخرة صماء لقد بلغت أرض السامرة وخاطبت امرأة ملتمساً منها ماء لتشرب التي اجتذبتها الى الايمان بك والآن نالت الحياة في السماوات سرمداً.
وتجدر الإشارة أن هذه الشرارة المشتعلة لكلمة الحياة هي التي جعلت تلاميذ المسيح يدعون مسيحيين كما يذكر القديس لوقا الإنجيلي في سفر أعمال الرسل إذ أن بولس وبَرْنَابَا حدَثَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً وَعَلَّمَا جَمْعًا غَفِيرًا. وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلًا.
وبهذا الاسم “المسيحيين” عَبَّرَ المسيحيون الأوائل الذين دُعيوا أولاً عن رجائهم أن يرثوا ملكوت الرب في السماوات: أن يصبحوا وارثين الله ووارثين مع المسيح. لقد تبنت المرأة السامرية هذا الاسم العظيم وكرمته باستشهادها الدموي التي أصبحت وريثة مع المسيح إذ قالت للناس: هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَانًا قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هذَا هُوَ الْمَسِيحُ (يوحنا 4: 28).
إن هذا الميراث الذي لا يقدر بثمن الذي هو تسميتنا مسيحيين قد نلناه نحن أيضاً أيها الإخوة الأحبة عند معموديتنا عندما أصبحنا أعضاءً في جسد الكنيسة. لكن هذه التسمية تعني التوافق مع طريقة حياتنا مع المسيح كما يكرز الرسول بولس أَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. (1كور 6: 19-20)
حقاً نحن لسنا بعد لذواتنا وذلك لأننا اشترينا بالدم الكريم لمخلصنا المسيح المصلوب والقائم من بين الأموات. فنحن إذاً أعضاء جسد المسيح السري أي كنيسته فنحن إذاً أيها الإخوة الأحبة مكرمين اليوم تذكار القديسة المرأة السامرية فنتضرع معها إلى الرب المتحنن قائلين هبني ماء الإيمان يا معطي الحياة فأتناول مياه المعمودية للبهجة والنجاة يا رب المجد لك.
المسيح قام
كل عام وأنتم بخير