ألاحتفال بعيد القديس اونوفريوس

إحتفلت البطريركية الأورشليمية يوم الثلاثاء الموافق 25 حزيران 2024 (12 حزيران شرقي) بعيد القديس البار أونوفريوس المصري. في هذا اليوم تقيم الكنيسة تذكار هذا القديس البار الذي جاء من مصر الى الأرض المقدسة وتنسك في الصحراء في كهف لمدة ستين عامًا في عزلة صارمة وأصبح معروفاً لدى الآباء عندما وجده القديس بافنوتيوس.

تم إحياء ذكرى القديس في الدير المقدس التاريخي المُكرس على إسمه الذي يعود بناءه الى القرن الخامس للميلاد ويقع بالقرب من بركة سلوام في حقل الخزاف الذي اشتراه سنهدريم اليهودي لدفن الأجانب بالثلاثين قطعة من الفضة التي أعادها يهوذا إليهم بعد تسليمه الرب يسوع المسيح (متى 27: 1-11).

في كنيسة الدير داخل صخرة وهو المكان الذي فيه عاش القديس ترأس غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث خدمة القداس الإلهي يشاركه أصحاب السيادة متروبوليت الناصرة كيريوس كيرياكوس, رئيس أساقفة .قسطنطيني كيريوس أريسترخوس, قدس الأرشمندريت نيكتاريوس رئيس الدير, قدس الأرشمندريت كلافذيوس, يرونيموس, سلوانوس, خريستوذولوس, المتقدم في الشمامسة الأب ماركوس والشماس المتوحد الأب ذوسيذيوس وحضر خدمة القداس الإلهي عدد من الرهبان والراهبات وزوار الدير, وخلال القداس القى غبطة البطريرك وعظة روحية.

 بعد الانتها ء من الاحتفال أُقيمت صلاة النياحة عن روح الراقدة الراهبة سيرافيما وقرأ غبطة البطريرك صلاة مباركة ثمار الموسم, ثم زيارة ضريح مؤسس الدير المغبوط المتوحد كيرلس,بعدها إستضافت رئيسة الدير الراهبة باييسيا غبطة البطريرك مع الأساقفة والآباء والحضور في قاعة الدير.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس أبينا البار أونوفريوس 

تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

يعظ الرسول بولس قائلاً:” أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ، وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ. (اف 4 :22-24 )

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

أيها الزوار الأتقياء

إن نعمة الروح القدس قد جمعتنا اليوم في هذا المكان التاريخي في الْحَقْلُ الذي دُعِيَ فِي لُغَتِهِمْ حَقَلْ دَمَاً (اع 1 : 19) حيث الدير المقام على اسم أبينا البار القديس أونوفريوس المصري لكي بشكرٍ نعيّد بتقوى لتذكاره الموقر.

يتميز أبينا البار أونوفريوس بين شخصيات الأبرار والصديقين القديسين لكنيستنا المقدسة وذلك لأنه أصبح في حياته الرهبانية والنسكية المرتحلة مقتدياً بالتمام بالأنبياء العظام كإيليا التشبي ويوحنا المعمدان. غادر أبينا البار أونوفريوس إلى الصحراء ولبث فيها ستين سنة لا يرى فيها وجه إنسان، كما يقول كاتب سنكساره لهذا فإن مرنمه يقول: لأنك كنت تغار من سيرة حياة يوحنا وإيليا أيها المغبوط أونوفريوس فصرت ملاكاً أرضياً وعاينت الإلهيات. وأيضاً: لقد تشرّبت في قلبك النور العقلي السماوي يا أنوفريوس المغبوط، فأصبحت مقراً للثالوث القدوس الطاهر، والآن فقد أُحُصيتَ مع الملائكة تهتف: هللويا.

يتساءل صاحب المزمور مترنماً: مَنْ يَصْعَدُ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ؟ وَمَنْ يَقُومُ فِي مَوْضِعِ قُدْسِهِ؟ اَلطَّاهِرُ الْيَدَيْنِ، وَالنَّقِيُّ الْقَلْبِ، الَّذِي لَمْ يَحْمِلْ نَفْسَهُ إِلَى الْبَاطِلِ، وَلاَ حَلَفَ كَذِبًا. هذَا هُوَ الْجِيلُ الطَّالِبُهُ، الْمُلْتَمِسُونَ وَجْهَكَ يَا يَعْقُوبُ.(مزمور 23: 3-4)

إن الذين يطلبون وجه إله يعقوب أي الله الآب هم بحسب الحكيم سليمان أَمَّا الصِّدِّيقُونَ فَسَيَحْيَوْنَ إِلَى الأَبَدِ، وَعِنْدَ الرَّبِّ ثَوَابُهُمْ، وَلَهُمْ عِنَايَةٌ مِنْ لَدُنِ الْعَلِيِّ. فَلِذلِكَ سَيَنَالُونَ مُلْكَ الْكَرَامَةِ، وَتَاجَ الْجَمَالِ مِنْ يَدِ الرَّبِّ (حكمة سليمان 5: 16).

لقد استبان أبينا البار أونوفريوس الذي نكرمه اليوم صديقاً لأنه نجح في أن ينال عناية من لدن الله العليّ متواجداً وحيداً متوحداً في البرية لمدة ستين عاماً من جهةٍ ومن الجهة الأخرى نال ملك الكرامة أي تاج البر من يد الرب ولنسمع ما يقوله الرسول بولس: قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا.(2 تيم 4: 7-8).

وبحسب القديس يوحنا الذهبي الفم، لن يكون ظهوره مرة واحدة فقط بل اثنتين، فمرة في هذه الحياة الحاضرة والمرة الثانية عند مجيئه الثاني المجيد في نهاية الأزمنة. إن الظهور الثاني والعتيد للقاضي والديان العادل أي المسيح يتوق ويشتاق إليه جميع أصدقاء المسيح والمؤمنون الذين يحبونه، فكم بالأحرى أحبه واشتاق إليه أبينا البار أونوفريوس وذلك لأن الرب يسوع المسيح يوصي قائلاً: إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا. (يوحنا 14: 23)

ويفسر القديس كيرلس الإسكندري أقوال الرب هذه: إن الذين استنارت أذهانهم بكل فضيلة وقد صاروا في حالةٍ مناسبةٍ لأن يدركوا الأسرار الإلهية الخفية فإنهم ينالون مصباح الروح القدس وبالتالي سينظرون بعيون النفس الرب نفسه الذي سكن في داخلهم. لذلك فإن المعرفة التي يملكها القديسون ليست هي التي عند بقية الناس كلها بل هي معرفة خاصة ومتميزة عن معرفة بقية المؤمنين.

إن مصباح الاستنارة هذا وأيضاً معرفة الروح القدس قد ناله وحاز عليه في ذهنه وقلبه النقي أبينا أونوفريوس المتوشح بالله الذي أحب الله من كل ذهنه ومن كل عقله ومن كل قلبه.

لهذا فإن أبينا البار أونوفريوس العجائبي يحثنا ويدعونا لمحبة ابن الله ربنا ومخلصنا يسوع المسيح بشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم والرسل القديسين، ومع المرنم نهتف ونقول: لقد حويت نفساً شريفة عن لبٍ متألهٍ. أيها الأب البار أنوفر يوس. فاحتملت التجارب مؤَيَداً بالإيمان الالهي. ومتحداً مع الله بالمحبة. فحللت في أرض الودعاء مزدانا ببهاء الفضائل. ومن ثم فنحن نحتفل بتذكارك مسرورين ممجدين الله الذي جعل قديسهُ عجائبياً.

آمين كل عام وأنتم بخير

مكتب السكرتارية العامة