البطريركية الأورشليمية تحتفل بعيد القديس البار سابا المتقدس
كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس سابا المتقدس 18/12/2020
تعريب قدس الاب الايكونوموس يوسف الهودلي
عَظِيمَةٌ هِيَ أَعْمَالُ الرَّبِّ. مَطْلُوبَةٌ لِكُلِّ الْمَسْرُورِينَ بِهَا.أَعْمَالُ يَدَيْهِ أَمَانَةٌ وَحَقٌّ. كُلُّ وَصَايَاهُ أَمِينَةٌ.ثَابِتَةٌ مَدَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ، مَصْنُوعَةٌ بِالْحَقِّ وَالاسْتِقَامَةِ. (مز 110 :7 )
أيها الآباء القديسون والإخوة المحبوبون
أيها الزوار الأتقياء
تفرحُ وترقصُ مبتهجةً اليوم بريةَ وبقعةَ الأردن في عيد التذكار الإلهيّ لأبينا البار سابا المتوشح بالله والمتقدس في هذه اللافرا المقدسة التي تحمل اسمه. وهذا لأنَّ أبينا البار سابا قد ظهرَ معادلاً للملائكة ومساكن الأبرار ونجيُّ الأنبياء وشريك الشهداءِ والرسل في الميراث.
إنّ جسدَ ورفاتَ أبينا البار اللاهِجِ بالله القديس سابا الغير البالية التي يفيضُ منها الطيب والموضوعةَ أمام ناظرنا هي بمثابةِ برهانٍ صادِقٍ وشهادةٍ غير كاذِبةٍ بأنّ البار سابا قد أضحى إناءً لنعمةِ الروح القدس، روح المسيح. فهذا الكائنُ الإنسانُ الترابيُّ قد لبِس المسيح، فأصبحَ بالحقيقةِ نوراً للمسيح. فقد حازَ من الله على موهبةِ صنعِ العجائب، مُقنِعاً الناس والمتنسكين مَعَهُ بازدِراءِ ملذات العالم وأفكار الجسد الدنيئة، كما يؤكِدُ بوضوحٍ مرنِمُ الكنيسةِ قائلاً: “لقد اعتكفت تتمرَّن على الفضيلة منذ الطفوليَّة يا أبانا البار سابا. فأصبحتَ آلةً يضربُ فيها الروح القدس. فنلتَ منهُ موهبةَ صنعِ العجائب. فأقنعت الناس بازدراء الملاذّ. والآن فأنت مستضيءٌ بالنور الإلهي أجلى استضاءةٍ. فأنر أذهاننا يا أبانا البار سابا”.
لقد أضاءَ نورُ المسيح سابا المتأله اللّب مؤكداً أن أعمال يديِّ الربِّ حقٌ وإنصاف وذلكّ لأنّ الرب صادقٌ وأمينٌ في قولهِ ووصاياه وأقوال الرب هي بِرٌ. ويفسر القديس يوحنا الذهبيُّ الفم هذه الأقوال الداؤودية: كُلُّ وَصَايَا “الرب” أَمِينَةٌ قائلاً:” إن أمينةً تعني أنها بالطبع باقية. فإذا حصلت المعصية والمخالفة، فإن العقوبة ستأتي، لأن وصايا الرب ثابتة لا تتزعزع، فإن سقط الناس في المخالفة والمعصية. فسينتقم الله.
إنّ وصايا الرب لا تتزعزع وذلك لأنها ثابتة إلى دهر الداهرين مَصْنُوعَةٌ بِالْحَقِّ وَالاسْتِقَامَةِ (مز 110: 7) ونستشهدُ على ذلك من صلاة يسوع لأجل رسلهِ وتلاميذهِ “أيُّهَا الآبُ قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌ. كَمَا أَرْسَلْتَنِي إِلَى الْعَالَمِ أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَى الْعَالَمِ، وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا مُقَدَّسِينَ فِي الْحَقِّ. (يو17: 17 -19).
ويُفسرُ القديس كيرلس الإسكندري أقوال الرب هذهِ قائلاً: “إنّ يسوع قد صار رسول ورئيسُ كهنة اعترافنا” كما يقولُ بولس الرسول (عب 3: 1) وذلكَ بحسب ناسوتهِ وبواسطة إخلاء ذاتهِ بالتجسد. ثمَّ أن التلاميذ بعدَ أن تم إعدادهم، هم بحاجةٍ إلى التقديسِ من الآب القدوس، الذي يغرِسُ فيهم الروح القدس بواسطة الابن.
لقد استطاع أبينا البار سابا أن يكونَ من البقيّةِ المُختارةِ بالنِّعمةِ (رو 11: 5) كما يظهَرُ هذا من إجابةِ القديسِ سابا للقديس إفثيميوس الكبير قائلاً لهُ:” أعلمُ أيها الأبُ البار أنّ الله أرسَلني إلى يديْكَ المُقَدَستين وهوَ المُعتَني بالجميع، لأنهُ يريدُ خلاصي، وكلُ ما تأمرني بهِ أفعلهُ”. عندئذٍ أرسلهُ القديسُ إفثيميوس إلى ثيوكتيستوس وأوصاهُ أن يعتني بهِ بشكلٍ خاص، لأنهُ بنعمةِ المسيح سيساهمُ كثيراً فيما يختَصُ بالحياة الرهبانية.
وبكلامٍ آخر أيها الإخوة الأحبة، لقد نال المغبوط سابا القداسة منذُ طفولتهِ من الله الآب بغرسهِ الروح القدس فيهِ بواسطة ابنهِ مخلصنا يسوع المسيح، ومن هنا يتضحُ لنا لماذا دعي أبينا البار سابا ب “المتقدس” وذلك لأنه” إِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ” (2تيم 2: 21)
إن هذا المتقدس والصالح لاستعمال السيد المسيح إلهنا، ” أي القديس سابا” تُكرِمهُ اليومَ بوقار وإجلالٍ عظيمينِ كنيسة آوروشليم المقدسة ومع المرنم نهتِف ونقول: لقد قرّبتَ نفسكَ بالفضيلةِ منذُ الطفولةِ ذبيحةً لا عيبَ فيها لله العارفُ بكَ من قبلِ أنَ تولَدَ أيها المغبوطُ سابا. فأصبحتَ زينةً للأبرارِ تستحقُ المديحَ بسكنى البريةِ فلذلكَ أهتفُ نحوكَ قائلاً: السلامُ عليكَ أيُها الأبُ السعيدُ الذكر.
لهذا فإن البار يدعونا جميعاً لكي نشترك في نعمة تقديسه في الروح القدس بتوسلات الفائقة البركات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم لمخلصنا وفادينا إلهنا وربنا الذي وُلدَ بالجسد في مغارة بيت لحم لكي يجعلنا مستحقين أن نُعيّد لميلاده الإلهي بصحة وسلام نفوسنا وأجسادنا.
آمين
مكتب السكرتارية العامة