1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في بشارة سيدتنا والدة الإله الكلية القداسة الدائمة البتولية مريم 7/4/2014

” اليوم يُعتلن السر الذي منذ الدهور. ويصير ابن الله ابن البشر، حتى أنه باتخاذه الأدنأ يمنحني الأفضل. إن آدم اشتهى قديماً أن يصير الهاً، فخاب ولم يصر. فصار الإله إنساناً لكي يجعل آدم إلهاً فلتفرحنَّ الخليقة ولترقصنَّ الطبيعة طرباً فإن رئيس الملائكة تمثّل بخشية لدى العذراء وأهداها بالسلام الفرح عِوَض الحزن، فيا إلهنا الذي لأحشاء رحمته تأنس المج لك”.

أيها الأخوة الأحباء ، أيها المؤمنون والزوار الحسنية العبادة.
عمة الروح القدس وقوة العلي التي ظللت مريم العذراء، من بيت داود جمعتنا اليوم في هذا المكان الكلي الوقار في مدينتكم الاصرة، الذكورة في الكتاب المقدس. لنحتفل ونبتهج بغبطة وسرور روحي، من خلال تقديم التمجيد الفائق والشكر اللائق لرب الخلائق، الذي أعلن لنا السر غير المدرك لبشارة الفائقة البركات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم، كما يشهد بذلك الإنجيلي لوقا القائل:
” وفي الشهر السادس، أُرسل الملاك جبرائيل من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة إلى عذراء… وقال لها لا تخافي يا مريم ، لأنك قد وجدت نعمةً عند الله، وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع… فأجابها الملاك وقال لها: الروح القدس يحل عليكِ، وقوة العلي تظللكِ” ( لوقا 1 :26-35 ).
إ وقع هذا الحدث غير المدرك لبشارة والدة الإله، أيها الأخوة يثير الدهشة والعجب والحيرة في كل العالم، الأمر الذي حدا بالقديس يوحنا الدمشقي أن يصدح قائلاً: ” لقد دُهِشَت البرايا كلها منذهلة من مجدك الإلهي. أيتها العذراء التي لم تذق خبرة الزواج. فإنكِ قد حبلتِ بإله الكل وولدتِ الإبن الذي لا يحدّه زمان. مانحة السلام لكل الذين يسبحونكِ” .
إن عدم تذوق خبرة الزواج الذي تميزت وانفردت به والدة الإله مريم دون سائر نساء الأرض قاطبة، يعتبر سراً غير مدرك يعلو إدراك طامحات العقول، فها إنها تعتبر ” رأس التاريخ المقدس”، تاريخ خلاصنا، وتاريخ خلاص كل الإنسانية، فهي بوابة الخلاص، لهذا فكنيسة المسيح المقدسة وبشكل لا لُبسَ فيه ، وبمنتهى الصراحة ، ترفض كل تفكير خيالي وغيبي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فالكنيسة المقدسة تعلن شهادتها الصادقة جهاراً، من خلال الكتاب المقدس، كما يبوق به المرنم القائل: ” لقد دعاكِ دانيال جبلاً عقلياً، واشعيا والدة الإله. ورآك جدعون جزّةً. وسمّاك داود مقدساً وآخر باباً. أما جبرائيل فقد هتف نحوك قائلاً: يا ممتلئة نعمة الرب معك” .
إن القديس يوحنا الذهبي الفم يفسر كلمات الملاك جبرائيل: ” الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلي تظللكِ” ( لوقا: 19: 35 ) فيقول: أن نطلب إخضاع ما فوق الطبيعة إلى سُنة الطبيعة، فما يحدث هنا هو أمر خارج نظام الطبيعة، إنه عمل الروح القدس. ويستشهد الذهبي الفم بأقوال سليمان الحكيم ” كما أنك لست تعلم ما هي طريق الريح. ولا كيف العظام في بطن الحبلى كذلك لا تعلم أعمال الله الذي يصنع الجميع.” ( جامعة 11: 5) .
إن حبل كلمة الله يسوع المسيح في أحشاء العذراء والدة الإله الدائمة البتولية مريم، هو سرٌّ عظيم كما يكرز أيضاً بولس الإلهي: ” … عظيم سر التقوى الله ظهر في الجسد.” ( تيموثاوس 3: 16 ). وكما يقول مرنم الكنيسة :” يا والدة الإله نسبحكِ ونبارككِ ونسجد لكِ، لأنك ولدتِ أحد الثالوث الغير المنقسم أبناً وإلهاً، ففتحتِ لنا السموات نحو الأرض” .
إنّ المعنى الخاص لعيد بشارة العذراء مريم، والذي نحتفل به في هذا اليوم المبارك، يعود إلى مكانتها ودورها الخلاصي، فقد فتحت لنا مسبقاً ملكوت السموات نحن الذين على الأرض من ناحية، وحققت لنا المقدرة في عبور موت الفساد والخطيئة من ناحية أخرى، فالخطيئة بحسب الرسول بولس الحكيم: ” … من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم، وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس. إذ أخطأ الجميع” ( روميا 5: 12 )، فمن واحد آدم القديم دخلت الخطيئة إلى جميع الناسن ومن خلاله حلَّ الموت أيضاً وانتشر في كل المسكونة، لأن في شخص آدم امتلكت الخطيئة في كل من انحدر من سلالته، وأيضاً بواحدٍ أي يسوع المسيح، آدم الجديد دخل البر في كل الجنس البشري.
هلمَّ أيها الأحباء
” لنرى العجب الباهر في بشارة العذراء النقية، وهو أن الله يصير منها طفلاً بلا زرع كإنسان، وذلك لكي يعيد جبلة كل جنس البشر. فاستبشروا يا شعوب بتجديد إبداع العالم” . هكذا تعلن الكنيسة بفم مرنمها مخاطبة إيانا نحن أيضاً.
إن كنيستنا المقدسة تصرّح بغبطة وحبور نحو العذراء والدة الإله الممتلئة نعمة: ” إفرحي يا والدة الإله يا نجاة آدم من اللعنة” .
لنتسائل: كيف يمكن أن يحل البرّ وسود السلام والتصالح، بين الله الخالق والإنسان المخلوق، وأيضاً بين جميع الناس الذين يتشاركون في نفس الطبيعة البشرية، بدون إعادة الصياغة من خلال مفاعيل الروح القدس، روح كلمة الله، الله المحبة والسلام؟؟
أيها الأخوة الأحباء
إن كنيستنا المقدسة تحثنا في هذا الوقت الحاضر، لنعاين الخلاص بالمسيح الإله، ومع الملاك جبرائيل نقول نحو العذراء هاتفين: إفرحي يا ممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء ( لوقا 1: 28 )، نعود ونهتف بفرحٍ قائلين: إفرحي يا ممتلئة نعمة الرب معكِ. الذي له عظيم الرحمة.
كل عام وأنتم بخير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة أورشليم

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكس




كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة الأحد الرابع من الصوم في طولكرم 30/3/2014

” لأنه كان يُعلّم تلاميذه ويقول لهم: إن ابن الإنسان يُسلَّم إلى أيدي الناس فيقتلوه، وبعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث” ( مرقس 31:9 ).
أيها الأبناء الأحباء بالمسيح.
أيها المسيحيون الحسنيو العبادة.
نعمة الروح القدس جمعتنا بحفاوة في هذا اليوم المبارك، ألا وهو الأحد الرابع من الصيام المبارك، حيث نحتفل بتذكار القديس البار يوحنا السلمي ساجدين وشاكرين بملء قلوبنا للثالوث القدوس المحيي.
لقد اجتزنا نصف مسافة الصيام الكبير المقدس، فحريٌّ بنا أن نهيء أنفسنا وذواتنا لنعاين وباستحقاق عيد الفصح المجيد، ألا وهو قيامة ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح من بين الأموات كما يقول مرنم الكنيسة:”إذ قد جاوزنا نصف مسافة الصيام الإلهي ، فلنبادر باستقامة نحو بقيته المقبلة، فرحين مُضَمخين نفوسنا بزيت الإحسان الصالح، لنستحق السجود لآلام المسيح إلهنا الشريفة، ونصل إلى القيامة المقدسة الرهيبة” .

إن ذبيحة الصليب والدفن الثلاثيّ الأيام والقيامة المجيدة الظافرة، لفادينا ومخلصنا يسوع المسيح، تعتبر جوهر إيماننا المسيحي، فهذا الإيمان يتمحور حول الله ومحبته غير المستقصاة للبشر، كما يشهد بذلك الرسول يوحنا الإنجيليّ: ” … الله محبة، ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه” ( 1 يو 16:4 ).
أيها الأخوة الأحباء
نحن في أمس الحاجة إلى تطهير قلوبنا لتغدو نقية، بهية، وضّاءة، لكي تعي سر المسيح الفادي على الصليب، فتمتلىء فرحاً روحياً بإشراق النور اللامع من قبر المسيح القائم من بين الأموات.
لهذا فإن الصيام الذي تمارسه كنيستنا، يحتل دوراً مركزياً في الصعود قُدُماً في معارج الفضيلة، كما يشير إلى ذلك آباء الكنيسة العظام الحاملي الله ومن ضمنهم القديس يوحنا الذهبي الفم إذ يقول: ” الصوم مع الإيمان يعطي قدرة أكبر. فهو يقدم تقوى كثيرة للإنسان فيحوله إلى ملاك ويجعله يجاهد ضد القوات غير التجسمة، لكن الصوم لا يستطيع أن يفعل وحده لأنّه يحتاج إلى الصلاة التي تحتل المتبة الأولى” .
إن ربنا يسوع المسيح قد علمنا مدى فاعلية الصيام وعظمتها وقوتها، فأعلن لنا أنه هو الذي يعضدنا كوننا تلاميذه المؤمنين، ومن ثم يجعلنا شركاء له من خلال قوته الإلهية المحيية، هذه القوة المتجلية في شخص ربنا يسوع المسيح، هي التي تعالج المرضى، وتقيم الأموات ، وتطرد الأرواح النجسة، كما سمعنا في إنجيل اليوم، إذ قال ربنا يسوع المسيح لتلاميذه الأطهار:” هذا الجنس من الشياطين لا يخلرج إلا بالصلاة والصوم” ( مرقس 29:9).
نتضرع إلى ربنا ومخلصنا يسوع المسيح أن يمن علينا لنكون مستحقين، من خلال قوة وعظمة الصيام المبارك أن نتمتع بنور قيامته المجيدة، بصلوات أبينا البار يوحنا السلمي وشفاعة العذراء والدة الإله الدائمة البتولية مريم. آمين

كل عام وأنتم بخير

الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة أورشليم
مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الارثوذكس




كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة مديح والدة الإله الدائمة البتولية مريم

” يا والدة الإله أيتها الينبوع الحي الفائض بسخاء ثبتينا نحن المتحدثين بتسابيحك الملتئمين محفلاً روحياً. وفي مجدك الإلهي أهلينا لأكاليل المجد والشرف.”
أيها الإخوة الأحباء بالمسيح.
إن كنيسة المسيح المقدسة، تقدم فائق الإكرام والتمجيد لشخص الكلية القداسة الطاهرة الفائقة البركات المجيدة، سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم. وذلك لأن الروح القدس حل عليها بالنعمة العلوية، وقوة العلي ظللتها وهيئتها لتكون وباستحقاق ثيوطوكس أي والدة الإله، أم ربنا يسوع المسيح.

يتمحور سر التدبير الألهي العظيم في شخص العذراء والدة الإله، التي تعتبر خلاصة وفحوى ومضمون سر التدبير الإلهي، كما يصف ذلك ببراعة القديس يوحنا الدمشقي إذ يقول: “فإذا كانت الوالدة والدة الإله، فالمولود منها إله كامل وإنسان أيضاً بكامله”. لهذا السبب تعترف كنيستنا المقدسة وتقر بأن سيدتنا العذراء مريم هي الواسطة وحلقة الوصل الفريدة والمميزة لدى الله المحب البشر.
مديح العذراء، أو صلاة التضرع والشفاعة الموجه نحو شخص العذراء مريم، والمعروفة في أرجاء العالم، تقام باحتفالٍ وابتهالٍ في فترة الصيام الأربعيني المبارك، وذلك لسببين:
1) لتكريم ومديح أم ملكنا المسيح الإله، كما يقول مرنم الكنيسة القائل:” أفتح فمي فيمتلىء روحاً. وأُبدي قولً فائضاً نحو الأم الملكة. وأظهر معيجاً للموسم بابتهاج. وأترنم بعجائبها مسروراً”.
2) الشفاعة والمعونة من العذراء مريم المستجابة طلباتها لدى الله، تأهيل كل الذين يكرمونها ويوقّرونها بتسابيحهم وترانيمهم ، الولوج الى حقيقة الإيمان القويم، والحياة بالمسيح الإله ، والثبات فيها كما يقول الحكيم بولس الإلهيّ: “فإنّي وإن كنت غائباً في الجسد لكنّي معكم في الروح، فَرِحاً وناظراً ترتيبكم ومتانة إيمانكم بالمسيح” ( كولوسي 2 : 5 ).
وتأهيلنا أيضاً لنحظى بالخلاص والحياة الأبدية ، كون العذراء مريم هي فخر الجنس البشري ومجد العالم كله ، لكنها أيضاً الملكة التي جلست عن يمين الملك ، فهي أكرم من الشيروبيم وأرفع مجداً بغير قياس ٍ من السيرافيم.
إن العذراء مريم التي حَظِيَت بأن تلقب بوالدة الإله وأم كلمة الله، قد بلغت غاية التأله جرّاء ذلك ، فهي تشارك في المجد الإلهي لإبنها وإلهها المسيح الإله، لهذا تتشفع من أجل جميع المسيحيين الذين يضعون رجائهم تحت كنفيها آملين بأن يحظوا بشفاعتها المستجابة بملكوت الله، ” …. لينالوا إكليل المجد الذي لا يبلى ” ( 1 بطرس 5 : 4 ).
الأمر الذي يعود ويكرره القديس يوحنا الدمشقي من خلال الترانيم والمديح الذي لا يجلس فيه ، المفعم باللاهوت والإيمان القويم ، والمرشد الى الحياة الأبدية ، وبضرورة طلب شفاعة العذراء، إذ يقول: ” يا والدة الإله أيتها الينبوع الحي الفائض بسخاء ثبتينا نحن المتحدثين بتسابيحك الملتئمين محفلاً روحياَ وفي مجدك الإلهي أهلينا لأكاليل المجد والشرف ” .
نتضرع لوالدة الإله الكلية القداسة والدائمة البتولية مريم ، أن تتشفع فينا وتعضدتنا في جهادنا الروحي لنجتاز ميدان الصيام المقدس ، والوصول إلى فرح قيامة ربنا يسوع المسيح ، لنولد من جديد باتحادنا بآدم الثاني المقام بمجدٍ من بين الأموات ، لكي يملك على قلوبنا وأرواحنا وحياتنا كلها التي هي للمسيح الإله. آمين

كل عام وأنتم بخير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة
مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية




كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة ترميم كنيسة أبو سنان 26/3/2014

” إن الصوم المسبب الصالحات قدّم انتصافه بعد أن ارتضى بالأيام السالفة، وأعد المنفعة للبقية، لأن ازدياد صنيع الصالحات يصيِّر الموهبة أكثر. لذلك بما أننا نرضي المسيح المانح الصالحات بأسرها، قد نصرخ يا من صام لأجلنا واحتمل الصلب، أهّلنا بغير دينونة أن نساهم فصحك الإلهي، مستسيرين بسلامة ونمجدك بواجبٍ مع الآب والروح “.
أيها الأخوة الأحباء.
كما يقول المرنم، قد وصلنا إلى انتصاف الصيام المبارك باذلين كل جهد روحي لاستقبال قيامة المسيح، أي قيامتنا نحن البشر جسداً وروحاً.
إن حدث الصيام يعود بنا إلى الجدين الأولين آدم وحواء اللذين قد عصيا أوامر الله التي نهتهم عن الأكل من شجرة معرفة الخير والشر، إلا أنهم خضعا لمشورة الشيطان بإرادتهما، فأكلا من ثمر هذه الشجرة لتنفتح أعينهما على حقيقة عصيانهم، وتملّك الخطيئة في ذواتهم، فتحتم إذ ذاك إنفصالهم عن الله، فخضعت نفوسهما إلى الموت الروحي والموت الجسدي والموت الأبدي. كل ذلك كنتيجة طبيعية لفقدانهم الصلة والعلاقة مع الله، إلى أن تم طردهما نهائياً من الفردوس، وفقدانهم لحياة المجد ونعيم الملكوت.

لذلك ومن خلال الكنيسة وتعاليم الآباء القديسين، وضع الصوم لنا كمنهج من مناهج الفضيلة ليعود بنا إلى العلاقة الحميمة مع الله، تماماً وبشكل مختلف عما صنعه الجدين الأولين، لأنهما بالأكل فقدا الملكوت، ونحن بالصوم سنربح الحياة الأبدية ومجده الفائق غير المدرك.
إن السيد المسيح آدم الثاني، هو لنا المثال والقدوة التي بها نستطيع الغلبة على قوات الظلمة، فهو كمرشد أمين ومدبر إلهي عظيم، اتخذ من الصيام بعد معموديته من يد يوحنا المعمدان طريقاً خلاصياً، يقودنا إلى الإرتقاء في سلم الحية الروحية، ” ثم أصعد يسوع إلى البرية من الروح، لجرب من إبليس. فبعدما صام أربعين يوماً وأربعين ليلة جاع أخيراً…” ( متى 4: 1-2 ).
وكما يقول المرنم: الصيام هو المسبب للصالحات.
وما هي هذه الصالحات؟!
هي: العودة إلى الله من خلال مفاعيل التوبة الصادقة الحقيقية، التي ترتقي بجناحي الصوم والصلاة، وهو هدف الإيمان المسيحي، وخصوصاً إيمان كنيستنا المقدسة، التي تحثنا وتهيئنا لنصبح شركاء مع تلاميذ ورسل المسيح الأطهار، الذين عاينوا مجد التجلي الإلهي لربنا ومخلصنا يسوع المسيح على جبل طابور، فعاينوا مجده حسبما استطاعوا، فشاهدوا نوره غير المخلوق بالبصر والبصيرة بمعاضدة الروح القدس، هكذا استمدوا طاقة روحية وإيمانية أضيفت لخبرتهم السابقة من حياتهم المعاشة مع المسيح، إذشاهدوه وعاينوه ولمسوه، زالآن عاينوه في مجده الإلهي.
ما هو مجد المسيح؟
مجد المسيح هو الحياة الأبدية، وملكوت الله، أي الفردوس. وهذه نستمدها ونتذوقها منذ الآن، من خلال الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية ومفاعليها.

وكيف يتم ذلك؟
يتم ذلك من خلال أسرار الكنيسة ، زخاصة سر الشكر الإلهي ، فهو التذوق المسبق لنعيم ومجد الملكوت الأبدي فهذا ما حدث للتلاميذ عندما شاهدوه وعاينوه ولمسوه ( أي المسيح)، وكذلك نحن أيضا أبناء هذه الكنيسةنستطيع أن نحظى بهذه النعم تماماً مثلهم.
ولكي نماثل التلاميذ الأطهار، علينا أن نتنقى مثلهم، كما أعلن ذلك ربنا يسوع المسيح لرسله قائلاً: ” أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به”( يو 3:15 ). فنقاوتنا تبدأ من الداخل، تماماً كما حدث مع الإبن الضال عندما شعر بالخزي والبعد عن الله، فقال: ” أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له: يا أبي، أخطأت إلى السماء وقدامك … ” ( لوقا 15: 18 ).
فكنيستنا الرومية الأرثوذكسية المدعوة وبامتياز كنيسة القيامة، والتي يقودها الروح القدس، تحث أبنائها من خلال الصوم والصلاة والتوبة والنقاوة الداخلية، للإرتقاء في معارج الفضيلة والوصول من خلالها إلى طريق الخلاص.
إن صعوبة الصيام، تبدو سهلة جداً إذا ما قورنت بالسيد المسيح الذي صام من أجلنا، وحمل الصليب عنا، واحتمل الخزي والعار، لأن الصليب الذي نحمله هو صليب المسيح المقام، المنتصر على سلطان الموت والفساد، فهو الذي يعضدنا ويمسك بيدنا الضعيفة ليقودنا إلى نعيمه السماوي.
إن حلول المسيح فينا، منوط كما ذكرنا سابقاً بالنقاوة التي هي ثمر التوبة، فالنقاوة هي مسكن الروح القدس، كما قال الرسول بولس: ” أنتم هياكل الروح القدس” ، ومن ورود الروح القدس فينا نتمتع بسلام المسيح المستقر في قلوبنا فعربون النقاوة يتمحور حول ثمار الروح، وهي فرح، سلام، وداعة،طول أناة،محبة، تسامح، وغفران…
أيها الأخوة الأحباء
نشكر ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، الذي هيّء لنا هذه المناسبة، لنفرح بلقاكم في بيعة الله المقدسة، فهذا اللقاء لهو دليل واضح لربط أواصر المحبة بيننا، فنحن أعضاء جسد المسيح رأس الكنيسة ومدبّرها، وهو رئيس إيماننا الذي مات من أجل خلاصنا.
فالكنيسة الأورشليمية، أي مؤسسة البطريركية الرومية هي فعلاً جسد المسيح النابض بالإيمان، فكل من حمل صليب المسيح منذ البدء وبالأخص الرسل الأطهار، نالوا فرح القيامة حيث تحقق وعد المسيح لهم “… ولكني سأراكم أيضاً ( بعد قيامته ) فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحد فرحكم منكم” ( يو 22:16 )، أما الذين باعوا المسيح بثمن زهيد ، فقد نالوا عقابهم حيث البكاء وصرير الأسنان.
الكنيسة الأورشليمية، كنيستنا الأصيلة، مبنية على دم المسيح المسفوك على عود الصليب، فهي ثابتة لا تتزعزع، وأبواب الجحيم لم ولن تقوى عليها.
إن ترميم هذه الكنيسة المقدسة التي نحن في رحابها، تتماشى مع ترميم ذواتنا وخلجات نفوسنا، لتكون عروس نقية للمسيح، لتعاين قيامته المجيدة.
كل عام وأنتم بخير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية




كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة استقلال اليونان من الحكم العثماني 25/3/2014

سيادة القنصل العام اليوناني جورج ساخاريوذاكس الجزيل الاحترام.
أيها الآباء الأجلاء أصحاب النيافة الجزيلي الاحترام.
أيها الأخوة الأحباء بالمسيح، الحضور الكرام مع حفظ الألقاب للجميع.

نحتفل في هذا اليوم الأغر الخامس والعشرين من شهر آذار باحتفالٍ كبير، مقروناً بالصلوات والابتهالات لمرور مئة وثلاثةً وتسعين عاماً على استقلال بلاد اليونان منذ عام 1821.
إنّ تحرير جنس العبادة الروميّ الأرثوذكسيّ، والأمة اليونانية حاملة إسم المسيح من العبودية والجَور والاستبداد العثماني، أنجب لأمتنا باستحقاقٍ وجدارةٍ الميلاد الثاني –بالغينيسيا -.
كل هذا ناجم من أجل الإيمان المقدس بالمسيح وحرية الوطن الذي ولّد الدافع والحافز، لدحر الإستعمار والإضطهاد المهيمن والمحتل من غير جنس، ومن دين آخر نحو أُمتنا وكرامتها. هذا الإهتمام الملهم من أقوال الرسول بولس: ” بالمحب البشر ربنا ومخلصنا يسوع المسيح …” هذا الإيحاء الذي تملّك ذهن الروم الأرثوذكس، صار بلا شكٍ ينبوع لا ينضب من الشجاعة والإقدام، وبذل النفوس بدون إحصاء وبلا عدد، فالحرية هي موهبة مفعمة بمحبة المسيح، تألق فيها شهدائنا الجدد الصناديد والأبطال لآنّ ” المحبة التي لا تطلب ما لنفسها” ( 1 كورنثوس 5:13 ).

إن أخوية القبر المقدس الموقرة، ومن خلال أريحيّتها وعطائها وبذلها، تشارك هي أيضاً في هذا العيد، عيد انتصار جنسنا حيث نزلنا معاً إلى رحاب كنيسة القيامة، رافعين صلوات تمجيدية- ذوكصولوجية- وشكرية إلى مخلصنا يسوع المسيح المصلوب والمقام، الذي وهبنا وأمتنا هذا الإحسان الإلهي.
وكذلك أيضاً رفعنا صلوات وتضرعات قلبية راحةً للشهداء، حيث لا وجع ولا حزن بل حياةٌ لا تفنى في مقر الأحياء، حيث نفوس الذين جاهدوا حتى الموت، من أجل الإيمان والوطن فسقطوا بكرامة في جهلدهم النبيل والمقدس للجنس الحسنيّ العبادة للأمة الرومية الأرثوذكسية.
وكنيستنا الرومية المقدسة، هي تفتخر بالرب، لمشاركتها أبنائها جهادهم المقدس، واستشهادهم من أجل نيل الحرية، من باب الحق والواجب، وكذلك تمجيدهم من خلال تذكارهم الموقر الذي تكنُّ له كل تقدير وإكرام، في الذكرى السنوية لثورة 1821 المبجلة.
وفي الختام اسمحوا لي، أن نرفع نخب الإنتصار ونصرخ هاتفين: يعيش الخامس والعشرون من شهر آذار، يعيش جنس الأمم الروم الأرثوذكس، يعيش اليونان، تعيش أخوية القبر المقدس.
كل عام وأنتم بخير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة أورشليم
مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون